القرآن لا يشير مباشرة إلى الذكاء الاصطناعي، ولكنه يؤكد على القدرات الفكرية والإبداعية الهائلة للإنسان كهبة إلهية، ويميز بين صنع الإنسان والخلق الإلهي. قوة الإنسان، حسب القرآن، هي هبة عظيمة ومسؤولية جسيمة يجب استخدامها في سبيل الحق والعدل.
القرآن الكريم، بصفته كلام الله ودليل الحياة الشامل، لا يتناول بشكل مباشر المفاهيم والتقنيات الحديثة مثل 'الذكاء الاصطناعي'؛ لأن هذه المفاهيم لم تكن موجودة وقت نزول القرآن. ومع ذلك، يمكن استخلاص مبادئ وأسس عميقة من خلال تدبر الآيات الإلهية، التي تقدم رؤى ثاقبة حول طبيعة الذكاء الاصطناعي، وخاصة قوة الإنسان في خلق واستخدام مثل هذه التقنيات. فقد تناول القرآن بوضوح موضوع خلق الإنسان، وقدراته الفكرية والعملية، ومكانة الإنسان في الوجود، وحدود قوته مقابل قوة الله اللامتناهية. فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، يمكن بحث هذا الموضوع من منظورين قرآنيين: **القدرات الممنوحة للإنسان** و**حدود الخلق البشري**. يؤكد القرآن مراراً على تفوق الإنسان في العلم والمعرفة. لقد منح الله الإنسان العقل والقوى الإدراكية التي تمكنه من التعلم والاكتشاف والاختراع وبناء العالم. في سورة البقرة، الآيات من 30 إلى 33، يُطرح قصة خلق آدم وتعليمه 'الأسماء' من قبل الله؛ هذه القصة تُظهر قدرة الإنسان الفريدة على التعلم والتسمية وفهم الظواهر، وهي قدرة لم تكن للملائكة. يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي بمثابة تجسيد متقدم لهذه القوى الفكرية والأدوات التي وهبها الله للإنسان. فباستخدام العقل والعلم الذي ألهمه الله له، يصنع الإنسان آلات يمكنها معالجة المعلومات والتعلم وحتى اتخاذ قرارات كانت في السابق مقتصرة على العقل البشري. هذه القدرات كلها تنبع من الهبات الإلهية التي جهزت الإنسان، بصفته 'خليفة الله' على الأرض، بالأدوات اللازمة لتنمية وإدارة العالم. ولكن النقطة الأساسية في الفهم القرآني للذكاء الاصطناعي هي التمييز الجوهري بين **الخلق الإلهي** و**الصنع البشري**. يؤكد القرآن على أن الله وحده هو 'الخالق' و'البارئ' (الذي يوجد من العدم). يستطيع الإنسان أن يصنع ويصمم أشياء وأنظمة معقدة من المواد الموجودة في العالم، لكنه لا يستطيع أن يمنحها الروح والحياة الحقيقية، أو أن يمنحها وجوداً مستقلاً عن المادة والبرمجة. فالذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من الذكاء في عملياته، يفتقر إلى الوعي، والمشاعر، والإرادة الحقيقية، والروح التي لا يمكن أن يبثها إلا الله في مخلوقاته. هذا التمييز يحدد بوضوح الفارق بين قوة الإنسان وقوة الله اللامتناهية، ويمنع أي غطرسة أو ادعاء بالمساواة مع خالق الوجود. يجب أن يكون تطبيق الذكاء الاصطناعي، شأنه شأن أي تقنية أخرى، ضمن إطار الأخلاق والمسؤولية الإنسانية؛ بحيث لا يؤدي إلى الظلم أو الفساد أو الإضرار بكرامة الإنسان. فالإنسان، بصفته خليفة، مسؤول عن الاستخدام الصحيح للقوة والمعرفة الموكلة إليه. فيما يتعلق ب**قوة الإنسان**، تحدث القرآن بتفصيل وقدم صورة شاملة عن هذا الموضوع. فالإنسان كائن خلقه الله 'في أحسن تقويم' وفضله على كثير من مخلوقاته (سورة الإسراء، الآية 70). تشمل هذه القوة والتفوق: القدرة الفكرية، والقوة الجسدية، والإرادة الحرة، والقدرة على الاختيار بين الخير والشر، والسيطرة على العديد من الموارد والكائنات الطبيعية. تشير آيات عديدة إلى أن الله قد سخر ما في السماوات وما في الأرض لخدمة الإنسان (على سبيل المثال، سورة الجاثية، الآية 13). وهذا التسخير يعني أن الإنسان لديه القدرة على استغلال هذه الموارد وإدارتها، وهو في حد ذاته مصدر عظيم للقوة. هذه القوة تسمح له ببناء الحضارات، واكتساب العلم، وتغيير بيئة حياته. لكن إلى جانب هذه القدرات الهائلة، يؤكد القرآن باستمرار على **حدود وقيود قوة الإنسان**. فالقوة الحقيقية والمطلقة لله وحده. والإنسان ضعيف أمام الإرادة الإلهية وقدره. تشمل هذه القيود العجز عن خلق الحياة، والتحكم الكامل في المصير، والتنبؤ المطلق بالمستقبل، أو الهروب من الموت. الآية 33 من سورة الرحمن توضح بجلاء أن الجن والإنس لا يستطيعون أن ينفذوا من أقطار السماوات والأرض إلا 'بسلطان' (بسلطان الله وقدرته)، وهذه الآية تظهر بشكل جميل إمكانات الإنسان في الاستكشاف والاختراق، وكذلك حده النهائي. فالغرور والتكبر الناتج عن الشعور بالقوة المطلقة، من وجهة نظر القرآن، مذموم ويمكن أن يؤدي إلى هلاك الإنسان، كما يصور في قصة قارون (سورة القصص، الآيات 76-82). يجب أن يتذكر الإنسان دائمًا أن قوته هي أمانة من الله، ويجب أن تستخدم في سبيل الحق والعدل وتنمية الأرض، وليس للفساد والظلم. فالغرض النهائي من منح القوة للإنسان هو اختباره ومراقبة كيفية استخدامه لهذه الموهبة في سبيل رضوان الله. باختصار، بينما لا يشير القرآن صراحةً إلى الذكاء الاصطناعي، فإن مبادئه تؤكد على القدرات الفكرية الهائلة التي وهبها الله للإنسان، وتعتبر صناعة مثل هذه التقنيات تجلياً لهذه القدرات. وفي الوقت نفسه، يحدد القرآن حدود قوة الإنسان مقارنة بقوة الله اللامتناهية، ويذكر بأن الإنسان لا يمكنه أبداً أن يبلغ منزلة الخالق. أما عن قوة الإنسان، فيعتبرها القرآن هبة عظيمة ومسؤولية جسيمة يجب ممارستها بتواضع وفي سبيل الأهداف الإلهية، لا للطغيان والفساد.
في قديم الزمان، كان هناك عالم يدعى فريدون، قضى سنوات من عمره في صناعة كائن ميكانيكي. كان هذا المخلوق، المصمم بدقة وتعقيد هائلين، يستطيع التحرك وحتى الإجابة على بعض الأسئلة، لدرجة أن الكثيرين اعتبروه معجزة من معجزات الذكاء البشري. فريدون، الذي كان غارقًا في فخر عمله، ذهب ذات يوم إلى رجل عجوز حكيم كان يجلس في زاوية من السوق، وتحدث بفرح شديد عن اختراعه. ابتسم العجوز بلطف وقال: «يا فريدون، إن ما صنعتَه مذهلٌ ودليلٌ على فضل الله على عقل الإنسان. ولكن هل يستطيع أن يقع في الحب دون أن تبرمجه أنت؟ هل يستطيع أن يخرج إلى الوجود من تلقاء نفسه، أو من العدم إلى الوجود؟» صمت فريدون وتأمل في عمق كلام العجوز. أدرك أنه على الرغم من قدرته على بناء أعقد التراكيب، فإن منح الحياة والروح هو في يد الخالق وحده. ومنذ ذلك اليوم، استخدم فريدون علمه بتواضع أكبر، وعلم أن جميع القدرات تنبع من ذلك المصدر الإلهي اللامتناهي.