لأخذ رضا الله في الاعتبار عند اتخاذ القرارات، يجب أن تعمل بتقوى ونية خالصة. ثم تتشاور وتتوكل على الله، وتتخذ الخيارات ضمن حدود الحلال والحرام، مع مراعاة الآخرة دائمًا.
إن رضا الله تعالى هو الهدف الأسمى لكل مؤمن، ويشكل المحور الأساسي للحياة الإسلامية. إن كيفية مراعاة الرضا الإلهي في كل قرار نتخذه هو أمر عميق ومتعدد الأبعاد، يقدم القرآن الكريم إرشادات وفيرة في هذا الصدد. تشمل هذه العملية مراحل من التفكير والنية والتشاور والتوكل والعمل الصالح، وكل ذلك يجب أن يكون تحت مظلة التقوى الإلهية. الخطوة الأولى والأساسية في مراعاة رضا الله في قراراتنا هي تنمية 'التقوى' أو خشية الله وتقواه. تعني التقوى اليقظة والوعي المستمرين بوجود الله في جميع لحظات الحياة. فالشخص التقي يفكر دائمًا قبل أي عمل فيما إذا كان هذا القرار يرضي الله أم لا. يؤكد القرآن الكريم في آيات كثيرة على أهمية التقوى؛ ففي سورة الطلاق، الآيتين 2 و 3، يقول تعالى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ..." أي: "ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب؛ ومن يتوكل على الله فهو حسبه..." هذه الآيات تبين أن التقوى هي مفتاح حل المشاكل والحصول على الرزق الحلال، وعندما يتخذ الشخص قراراته على محور التقوى، يفتح الله له سبل الخروج من الصعاب. الخطوة التالية هي 'النية الخالصة'. كل عمل في الإسلام، سواء كان صغيراً أم كبيراً، يكتسب معناه من نيته. يجب أن تكون قراراتنا فقط وفقط من أجل نيل رضا الله، لا من أجل المصالح الشخصية أو الشهرة أو إرضاء الآخرين. في سورة البينة، الآية 5، يقول الله تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" أي: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة؛ وذلك دين القيمة." تؤكد هذه الآية بوضوح على ضرورة الإخلاص في العبادة والأعمال، واتخاذ القرار جزء من أعمالنا. الجانب الثالث هو 'المشورة والاستخارة'. يؤكد الإسلام بشدة على التشاور مع الأفراد ذوي المعرفة والإيمان. قبل اتخاذ القرارات الهامة، يجب ألا نغفل عن الحكمة الجماعية. في سورة آل عمران، الآية 159، جاء: "...وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" أي: "...وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله؛ إن الله يحب المتوكلين." هذه الآية تبين أنه بعد التشاور ودراسة الجوانب المختلفة، يأتي وقت التوكل. الاستخارة أيضاً هي طريقة لطلب الخير من الله في أوقات الشك، عندما لا يتم العثور على طريق واضح بعد التشاور والتفكير. هذا العمل يدل على إخلاص العبد وثقته بالله ليهديه إلى الطريق الصحيح. رابعاً، 'التوكل الكامل على الله'. بعد أن يزن الفرد جميع الجوانب ويتشاور وينقي نيته، يجب أن يسلم النتيجة لله ويتخذ قراره بثقة كاملة في الحكمة والمشيئة الإلهية، ويعمل به. التوكل لا يعني التخلي عن الجهد، بل يعني بذل كل الجهود الممكنة ثم تسليم النتيجة لله. الآية 159 من سورة آل عمران، التي ذكرت سابقاً، تأمر بالتوكل فوراً بعد أمر المشورة: "...فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ." هذا التوكل يجلب الطمأنينة للقلب ويحرر الإنسان من القلق غير الضروري، لأنه يعلم أن الله سيسهل أمره إذا كان قراره في سبيل رضا الله. خامساً، 'الالتزام بالأحكام والقيم الأخلاقية للإسلام'. لمراعاة رضا الله، يجب أن تكون قراراتنا ضمن إطار الحلال والحرام الإلهي. أي قرار يؤدي إلى الظلم أو الكذب أو الفساد أو الاعتداء على حقوق الآخرين لا يمكن أن يرضي الله أبداً. يجب أن نضع العدل والصدق والإحسان والخير في طليعة جميع اختياراتنا. القرآن الكريم مليء بالأوامر التي تعلمنا كيف نتصرف بعدل وأخلاق في حياتنا الفردية والاجتماعية. على سبيل المثال، في سورة النحل، الآية 90، يقول تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" أي: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون." هذه الآية تقدم قاعدة عامة لاتخاذ القرارات الأخلاقية. أخيراً، يلعب تذكر 'الهدف الأسمى للحياة'، وهو لقاء الله والسعادة الأخروية، دوراً هاماً في توجيه القرارات. عندما تتخذ القرارات بنظرة إلى الآخرة والجزاء الإلهي، يقل وقوع الفرد في فخ الإغراءات الدنيوية ويميل أكثر نحو ما يرضي الله. يساعد هذا المنظور الإنسان على اتخاذ قرارات مستدامة تضمن سعادته الأبدية، حتى في مواجهة المكاسب الدنيوية العابرة. وبالتالي، فإن رضا الله في قراراتنا لا يعني فقط اتخاذ خيارات أخلاقية وصحيحة، بل يعني أيضاً العيش بقلب مليء بالوعي بالوجود الإلهي والتوكل الكامل عليه، مما يؤدي في النهاية إلى السكينة والنجاح في الدنيا والآخرة. هذه العملية هي ممارسة مستمرة تعمق إيماننا وعلاقتنا بخالقنا مع كل قرار.
جاء في بستان سعدي أن ملكاً سأل وزيره: "كيف لي أن كلما اتخذت قراراً، تكون عاقبته خيراً، في حين أن العديد من الحكام الآخرين ليسوا كذلك؟" فأجاب الوزير الحكيم: "يا أيها الملك، في بداية كل عمل، تقوم أولاً بتنقية نيتك والتفكير في رضا الله، ثم تتشاور مع الحكماء، وبعد ذلك تتقدم بالتوكل على الله. إن من يسعى باستمرار لرضا الخالق، ويقدر المشورة مع ذوي الرأي السديد، ثم يتوكل على خالق الوجود، فإن الله أيضاً يجعل أعماله ذات نهاية حسنة، لأن قلبه مرتبط بالرضا الإلهي."