للتخلص من الأقوال الباطلة، توكل على الله، تحلَّ بالصبر، وتجنب مجادلة الجاهلين. وركز على نواياك الصادقة وأعمالك الصالحة بدلاً من أحكام الناس.
التخلص من أقوال الناس الباطلة هو هم يواجهه العديد من الأفراد طوال حياتهم. هذه المسألة لا تسلب راحة البال فحسب، بل يمكن أن تصبح عقبة أمام التقدم وبقاء الإنسان على الطريق الصحيح. يقدم القرآن الكريم، كمصدر للهداية والنور، حلولاً عميقة وشاملة لمواجهة هذا التحدي، مما يساعدنا على الوقوف بثبات ضد موجات الكلام الباطل والأحكام الظالمة بقلب مطمئن وروح هادئة. أولاً، يؤكد القرآن بشدة على التوكل على الله والاعتماد عليه. عندما يكون الإنسان على يقين بأن كل ما يحدث هو بعلم وإرادة إلهية، وأن الله هو خير معين ونصير له، فلن يقلق بعد ذلك من أقوال الناس ونقدهم. في سورة الطلاق، الآية 3، يقول الله تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ"؛ أي أن من يتوكل على الله، يكفيه الله. هذه الآية تمنحنا الثقة بأن اعتمادنا على الخالق يحمينا، ولا يمكن لأي قوة، بما في ذلك قوة كلام الأفراد، أن تلحق بنا ضرراً جسيماً. ثانياً، الصبر والتحمل أمران حاسمان. حياة المؤمن مصحوبة بالاختبارات والصعوبات، ومن بينها مواجهة الأقوال المزعجة والظالمة. يوصي القرآن مراراً بالصبر، معتبراً إياه مفتاح حل العديد من المشاكل. في سورة البقرة، الآية 153، نقرأ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"؛ أي يا أيها الذين آمنوا، استعينوا بالصبر والصلاة؛ إن الله مع الصابرين. الصبر أمام الألسنة الجاهلة والمسيئة يعني تجاهلها والتركيز على الهدف والمسار الصحيح. هذا الصبر يخلق قوة داخلية تحمي الإنسان من الآثار المدمرة لكلام الآخرين. علاوة على ذلك، ينصح القرآن المؤمنين بأن يمروا بالجاهلين بكرامة وهدوء عند مواجهتهم. في سورة الفرقان، الآية 63، جاء: "وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"؛ أي أن عباد الرحمن هم الذين يمشون على الأرض بتواضع، وإذا خاطبهم الجاهلون بجهالة، أجابوا بقول فيه سلامة من الإثم. هذه الطريقة في التعامل لا تساعد الإنسان على تجنب الخوض في الجدالات غير المثمرة فحسب، بل تمنعه أيضاً من الانغماس في دوامة الطاقة السلبية الناتجة عن الأقوال الباطلة. جانب مهم آخر هو تجنب الفضول وتتبع الشائعات. ينهى القرآن بشدة عن التجسس وسوء الظن، قائلاً: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا" (الحجرات، الآية 12)؛ أي يا أيها الذين آمنوا، اجتنبوا كثيراً من الظن، إن بعض الظن إثم؛ ولا تتجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً. هذا التوجيه القرآني ينطبق على المتكلم والمستمع للأقوال الباطلة على حد سواء. عندما نمتنع نحن أنفسنا عن نشر الشائعات وتتبعها، فإننا نوفر بيئة أكثر صحة لأنفسنا وللآخرين، ونكون أقل عرضة للأحكام غير المبررة. بالإضافة إلى ذلك، تعلمنا هذه الآيات ألا نولي أهمية للأقوال التي لا تستند إلى دليل أو برهان، وألا نحكم بناءً عليها. إن الكثير من أقوال الناس نابعة من سوء الظن، أو الحسد، أو نقص المعرفة، وهي لا تستحق الاهتمام. بدلاً من التركيز على أقوال الناس، يجب أن نركز على أفعالنا ونوايانا. حسابنا مع الله، وليس مع الناس. يقول القرآن: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" (الكهف، الآيتان 103-104)؛ أي قل: هل نخبركم بمن هم أشد الناس خسارة في أعمالهم؟ هم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. هذه الآيات تظهر أن المهم هو ما يقبله الله منا ويكافئنا عليه بناءً على نوايانا الخالصة. إذا كانت نيتنا خير وعملنا صالحاً، فإن أقوال الناس لا قيمة لها. تقوية الإيمان، والعمل بالواجبات، والابتعاد عن المحرمات، تجعل منا إنساناً لا يمكن أن تهزه أحكام الناس السطحية والجاهلة. في الختام، يجب أن نتذكر أن كلمة الحق تنتصر دائماً، والباطل، مهما بدا صاخباً في البداية، مصيره الزوال. يقول الله في سورة الإسراء، الآية 81: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا"؛ أي وقل: جاء الحق وذهب الباطل؛ إن الباطل كان زهوقاً. بهذه النظرة، يمكننا بثقة التخلص من أقوال الناس الباطلة، ونعيش حياة مليئة بالسلام والهدف.
في يوم من الأيام، في مدينة بعيدة، كان يعيش رجل حكيم وصالح، وكان أهل مدينته مغرمين جداً بالنميمة وإطلاق الشائعات. كلما فعل هذا الرجل شيئاً أو نطق بكلمة، كانت مجموعة تمدحه، بينما تنتقده مجموعة أخرى، حتى لو كانت أفعاله حسنة وكلماته مملوءة بالحكمة. ذهب أحد تلاميذه، وهو متضايق من هذا الكلام المستمر، إلى الأستاذ وقال: "يا أستاذ، كيف أن الناس يتحدثون عنك كل يوم بأقوال جديدة، وأحياناً هذه الكلمات تؤذي القلب؟" ابتسم الأستاذ وقال: "يا بني، هل رأيت قط بطتين تطيران وهما تحملان ضفدعاً على عصا؟" أجاب التلميذ: "نعم يا أستاذ." واصل الأستاذ قائلاً: "الضفدع، بسبب فضوله وفتح فمه، أفلت العصا وسقط على الأرض. قصة الناس وأقوالهم مشابهة لذلك. إذا فتحت فمك رداً على كل كلمة وتفاعلت معها، فإنك ستقع في فخ. أما إذا بقيت غير مبالٍ بالكلمات الباطلة، كالغربان التي لا يسبب صوتها أي ضرر للسموات، يمكنك أن تستمر في طريقك بسلام. قيمة الإنسان تكمن في جوهره الداخلي، وليس فيما يقوله الآخرون. إذا كان قلبك نقياً ونيتك حسنة، فماذا تضرك الألسنة الباطلة؟" سُر التلميذ بهذا القول الحكيم وتعلم أن طريق التحرر يكمن في السلام الداخلي وتجاهل ضجيج الدنيا.