للنمو الروحي في وسائل التواصل الاجتماعي، يجب أن تكون النوايا حسنة، وأن نسعى للمعرفة النافعة، ونتجنب الذنوب والأخبار الكاذبة، وندعو إلى الخير، وندير الوقت بحكمة، ونشكر هذه النعمة الإلهية باستخدامها بمسؤولية.
في العصر الحالي، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فإن السؤال عن كيفية استخدام هذه الأداة القوية للنمو الروحي والإيماني أصبح ذا أهمية حاسمة. القرآن الكريم، وإن لم يتناول موضوع "وسائل التواصل الاجتماعي" مباشرة، إلا أنه يقدم مبادئ أخلاقية وسلوكية شاملة يمكن تطبيقها في تعاملنا مع العالم الرقمي. هذه المبادئ هي مرشدنا في تحويل وسائل التواصل الاجتماعي من مجرد مصدر للترفيه أو إضاعة الوقت إلى منصة لزيادة المعرفة، تقوية الإيمان، وأداء الأعمال الصالحة. المبدأ الأول وربما الأهم هو النية الصادقة والقصد الحسن. في الإسلام، تتوقف قيمة أي عمل على نيته. فإذا كان هدفنا من الوجود في وسائل التواصل الاجتماعي هو طلب رضا الله، نشر الحقائق، مساعدة الآخرين، أو اكتساب علم نافع، فإن هذه المنصة بحد ذاتها يمكن أن تتحول إلى عبادة. من أجل النمو الإيماني، يجب أن ننوي أن كل تفاعل، وكل إعجاب، وكل تعليق، وكل منشور نشاركه، يكون في سبيل الخير ورفعة كلمة الله. هذه النية الصادقة تدفعنا تلقائيًا للابتعاد عن المحتوى العبثي والضار، والبحث عن مصادر تقوي إيماننا. ينبغي لنا أن نسعى بوعي للمحتوى الذي يلهم التفكير، ويعمق فهم التعاليم الإسلامية، ويحفزنا لنكون أفرادًا أفضل. المبدأ الثاني هو طلب العلم والحكمة. يحث القرآن باستمرار البشر على التفكر والتعقل وطلب العلم. وسائل التواصل الاجتماعي بحر من المعلومات يمكن استخدامه لتعلم العلوم الدينية، وتفسير القرآن، وقراءة الحديث، والتعرف على سيرة الأئمة وكبار الدين، والاستماع إلى المحاضرات المستنيرة. متابعة حسابات العلماء الموثوقين، والمراكز الإسلامية المعتمدة، والباحثين الملتزمين، يمكن أن توفر مصدرًا غنيًا لزيادة الوعي الديني وتعميق الإيمان. يمكن العثور على مقاطع فيديو تعليمية، وبودكاست إسلامية، ومقالات موثوقة، وحتى دورات عبر الإنترنت متعلقة بالدين في هذا الفضاء والاستفادة منها. هذا الاستخدام الهادف لوسائل التواصل الاجتماعي لا يساعد فقط على زيادة المعرفة الدينية، بل يجعل نظرتنا للحياة والكون أعمق وأكثر تركيزًا على الله. دعونا نتذكر أن كل كلمة معرفة تضاف إلى إيماننا تجلب مكافأة عظيمة، وتحول المشاركة الرقمية إلى وسيلة للتنوير الروحي والقرب من الله. المبدأ الثالث هو تجنب الإثم ونشر الفساد. ينهى القرآن الكريم بشدة عن الغيبة، والنميمة، وتشويه السمعة، والكذب، وكل ما يمس كرامة الآخرين وشرفهم. وسائل التواصل الاجتماعي هي بيئة يمكن أن تنتشر فيها هذه الذنوب بسرعة ونطاق لا يصدق. من أجل النمو الإيماني، يجب أن نكون حذرين ليس فقط من الوقوع في هذه الذنوب بأنفسنا، بل أيضًا من انتشارها. يشمل ذلك الامتناع عن مشاهدة المحتوى غير اللائق، وتجنب المشاركة في النقاشات التي تثير الفرقة، وعدم نشر الأخبار غير المؤكدة. تؤكد الآية 6 من سورة الحجرات بوضوح على ضرورة التحقق من الخبر الذي يأتي به فاسق: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ". هذه الآية بمثابة نور يهدينا في تعاملاتنا في وسائل التواصل الاجتماعي، ويمنعنا من التسرع في نشر أو تصديق أي خبر. علاوة على ذلك، تنهى الآية 12 من سورة الحجرات عن الظن السيئ والغيبة، وهما مبدآن حاسمان في وسائل التواصل الاجتماعي للحفاظ على كرامة الآخرين ونقاء قلوبنا. إن استخدام التفكير النقدي والشعور بالمسؤولية أمر بالغ الأهمية في العالم الرقمي. المبدأ الرابع هو الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف. توفر وسائل التواصل الاجتماعي فرصة لا مثيل لها لتعزيز القيم الإسلامية، والدعوة إلى الأخلاق الحسنة، والتذكير بالتعاليم الإلهية. يمكن للمرء من خلال مشاركة آيات القرآن، والأحاديث، والاقتباسات الدينية الملهمة، والمحتوى الإيجابي والمفعم بالأمل، أن يؤثر إيجابًا على المجتمع وجمهوره. ومع ذلك، يجب أن يتم ذلك بحكمة وبصيرة وبلهجة لطيفة، بطريقة تجذب القلوب نحو الله بدلاً من أن تسبب النفور أو سوء الفهم. يمكن أن تتم هذه الدعوة أيضًا بأساليب فنية وإبداعية، مثل التصميمات الجرافيكية الجميلة، والمقاطع القصيرة المؤثرة، أو القصص الملهمة. أي محتوى يقرب شخصًا إلى الله أو يحفزه على القيام بعمل صالح يعتبر صدقة جارية، مما يضاعف فائدته الروحية إلى ما هو أبعد من المنشور الأولي. المبدأ الخامس هو إدارة الوقت وتجنب الإسراف. يشير القرآن إلى قيمة الوقت، وقسمه بـ "العصر" في سورة العصر نفسها دليل على أهمية لحظات عمر الإنسان. يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تستغرق وقتًا طويلاً جدًا وتشتت انتباهنا عن واجباتنا الأساسية، بما في ذلك العبادات، والدراسة، والعمل، والاعتناء بالعائلة. من أجل النمو الإيماني، يجب تخصيص وقت محدد ومحدود لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتجنب الانغماس فيها. إضاعة الوقت، خاصة عندما يمكن قضاء هذا الوقت في مساعٍ أكثر فائدة للدنيا والآخرة، يتعارض مع التعاليم الإسلامية. قراءة القرآن، الصلاة، الذكر، قراءة الكتب المفيدة، أو حتى الانخراط في الأنشطة الخيرية في العالم الحقيقي، كلها أولويات ويجب ألا تتضاءل أهميتها بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. يساعد تحديد أوقات محددة للاستخدام، واستخدام أدوات إدارة الوقت، وتحديد أهداف واضحة لكل جلسة على وسائل التواصل الاجتماعي، في هذه الإدارة. هذا النهج الواعي يحول المشتتات المحتملة إلى فرص منظمة للتطور الروحي. المبدأ السادس هو الشكر والامتنان لنعمة التكنولوجيا. التكنولوجيا، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، هي نعمة إلهية يجب استخدامها بشكل مناسب. شكر النعمة يعني استخدامها الصحيح في طريق رضا الله. إذا حولنا هذا الفضاء إلى أداة لنمونا الروحي وللآخرين، فإننا نكون قد أدينا شكر هذه النعمة حقًا. كل استخدام إيجابي وهادف يقربنا إلى الله ويعمق إيماننا. في النهاية، وسائل التواصل الاجتماعي هي أداة. مثل السكين الذي يمكن استخدامه لقطع الخبز أو لإلحاق الضرر. إنه خيارنا كيف نستخدم هذه الأداة القوية لتحقيق أهدافنا الروحية والدينية وتحويلها إلى وسيلة للتقرب إلى الله. يتطلب هذا اليقظة، والبصيرة، والتخطيط، حتى لا نغرق في سيل المحتوى عديم الفائدة والضار ونبتعد عن مسار النمو الإيماني الحقيقي. بالالتزام بهذه المبادئ، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تصبح حقًا مدرسة عظيمة لاكتساب المعرفة والتقوى.
يُروى أن رجلاً حكيمًا كان جالسًا ذات يوم في بستان، يستمتع بنسماته العليلة وعبير أزهاره. فمر به شاب متعجل، ورأسه منكب على هاتفه، لا يلتفت إلى جمال ما حوله، غارقًا في عالمه الافتراضي. فناداه الحكيم بابتسامة لطيفة وقال: "يا بني، هذا الجهاز الذي في يدك، كالسيف ذي الحدين؛ فإما أن يعمر بستان قلبك، وإما أن يحوله إلى صحراء قاحلة. فإن استخدمته لسقي بذور المعرفة وغرس أزهار الحكمة، جنيت ثمارًا طيبة. أما إذا سمحت له بأن ينبت شوك الشبهات وحشائش الغفلة في بستان وجودك، فلن تجد سوى الحسرة والندم." رفع الشاب رأسه للحظة، ونظر حوله، ثم ألقى نظرة على الحكيم. تابع الحكيم: "بستان المعرفة، هو هذه اللحظات التي تعيشها. لا تحرم نفسك من نسائم الروحانية العطرة بحجة عالم قد لا يكون حقيقيًا." خفض الشاب رأسه وتأمل في قول الحكيم. ومنذ ذلك الحين، كلما أمسك بهاتفه، تذكر نصيحة الحكيم وسعى ألا يستخدمه إلا فيما هو خير وصلاح، لكي يتحول قلبه إلى بستان مليء بالمعرفة.