يقدم القرآن الكريم حلولاً عميقة ودائمة لمواجهة التوتر من خلال مفاهيم مثل ذكر الله والصبر والصلاة والتوكل على الله. تساعد هذه التعاليم الإنسان على إيجاد الطمأنينة القلبية بذكر الله والاعتماد على القدرة الإلهية عند مواجهة الصعوبات.
التوتر والقلق جزء لا يتجزأ من الحياة الحديثة، ويسعى الكثيرون لإيجاد طرق لمواجهتهما. القرآن الكريم، بصفته كلام الله ودليل البشرية الشامل، غني بالتعاليم والإرشادات التي لا تساعد الإنسان على فهم جذور التوتر فحسب، بل تقدم أيضًا طرقًا عملية وروحية لإدارته وتقليله. إن الاستفادة من القرآن في مواجهة التوتر تتجاوز مجرد طريقة علاجية بسيطة؛ بل هي تحول عميق في النظرة إلى الحياة والارتباط بالخالق، مما يؤدي إلى هدوء مستقر. من أهم التعاليم القرآنية في مجال مواجهة التوتر مفهوم "الذكر" أو ذكر الله. يقول الله تعالى في الآية 28 من سورة الرعد: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". هذه الآية تعبر عن جوهر السكينة في القرآن. الذكر ليس مجرد تكرار الألفاظ، بل يشمل التفكر في عظمة الله، والشكر على نعمه، وتذكر حضوره الدائم في الحياة. عندما يتذكر الإنسان أنه في كل لحظة تحت رعاية رب رحيم وقدير يعلم كل شيء ويمتلك القوة المطلقة، فإن شعور الوحدة والعجز والقلق من المستقبل يفسح المجال تدريجياً للسكينة والاطمئنان. يمكن أن يكون الذكر في شكل الصلاة، أو تلاوة القرآن، أو التسبيح، أو الاستغفار، أو حتى التأمل في آيات الله في الخلق. كلما وجد الإنسان نفسه غارقًا في مشاكل الدنيا ويشعر بالضغط، فإن العودة إلى الذكر وذكر الله تكون بمثابة اللجوء إلى حصن منيع يحميه من هجوم الأفكار السلبية والمخاوف. هذا التذكر المستمر يجعل الفرد يدرك أنه حتى في أصعب الظروف، ليس وحيدًا وأن الدعم الإلهي معه. في الواقع، الذكر المستمر هو نوع من التركيز الواعي الإلهي الذي يبعد العقل عن الأفكار المشتتة ويربطه بالمصدر الأساسي للسكينة. "الصبر" و"الصلاة" ركنان أساسيان آخران يشير إليهما القرآن لمواجهة الصعوبات والتوتر. في الآية 153 من سورة البقرة جاء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". الصبر يعني التحمل والثبات في مواجهة المشاكل وعدم فقدان الأمل والسكينة. القرآن يثني على الصابرين ويوعدهم بمكافآت لا حصر لها. هذه النظرة إلى الصبر تحول التوتر من عامل مدمر إلى فرصة للنمو الروحي. عندما يعلم الإنسان أن كل صعوبة، بالصبر والتوكل على الله، ستنتهي وأن الله مع الصابرين، يجد دافعًا أكبر للصمود. أما الصلاة، بصفتها عمود الدين ومعراج المؤمن، فهي فرصة لقطع الاتصال بهموم الدنيا والاتصال المباشر بالله. في الصلاة، يبتعد الإنسان خمس مرات في اليوم عن صخب الحياة ويجد الهدوء في الحضرة الإلهية. هذه الاستراحة المنتظمة تعمل بمثابة إعادة ضبط ذهني وروحي تساعد الفرد على إدارة الضغوط اليومية والنظر إلى الأمور بمنظور جديد. الصلاة ليست مجرد عبادة، بل هي تمرين روحي للتركيز، وحضور القلب، والشكر، وكل منها يمكن أن يقلل من مستوى التوتر بشكل كبير. في السجود، يعرض الإنسان أقصى درجات خضوعه وفقره أمام الغنى الإلهي المطلق، وبهذا يرفع عن كاهله أعباء المشاكل الثقيلة ويسلمها لله. "التوكل" على الله، أي تسليم الأمور إليه والثقة الكاملة بالتدبير الإلهي، هو أحد الحلول القرآنية الأخرى للتخفيف من التوتر. في الآية 3 من سورة الطلاق نقرأ: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ". ينشأ الكثير من التوتر من محاولة التحكم في جميع جوانب الحياة والخوف من مستقبل مجهول. التوكل يعلم الإنسان أنه على الرغم من وجوب بذل الجهد، إلا أن النتيجة النهائية بيد الله. هذه النظرة ترفع عبئًا ثقيلًا عن كاهل الإنسان وتسمح له بالعيش براحة بال أكبر. التوكل لا يعني الخمول، بل يعني بذل قصارى الجهد ثم ترك النتيجة لله، مع اليقين بأنه يريد الأفضل لعبده. هذا اليقين بلطف الله وحكمته يوفر مصدرًا هائلاً للسكينة. "تلاوة وتدبر آيات القرآن" بحد ذاتها طريقة علاجية قوية. كلام الله نور وشفاء للقلوب. عندما يقرأ الإنسان آيات القرآن بدقة وتأمل، فإنه لا يستفيد فقط من معانيها السامية، بل إن رنين الآيات ونظام الكلام الإلهي يخلقان سكونًا عميقًا في وجوده. القرآن يذكر الإنسان أن الحياة الدنيا فانية وأن الهدف النهائي هو الآخرة. هذا المنظور يضع مشاكل الدنيا في سياق أكبر وأكثر صحة، مما يقلل من أهميتها. إن فهم حقيقة أن كل مصيبة، حتى التوتر والقلق، يمكن أن تكون وسيلة للامتحان وتطهير الروح، ومن خلالها يقترب الإنسان من الله، يساعد الفرد على النظر إلى التحديات بنظرة أكثر إيجابية. كما يتناول القرآن قصص الأنبياء والأمم السابقة وكيف واجهوا المشاكل والصعوبات وتغلبوا عليها بمساعدة الله. هذه القصص هي مصدر إلهام وأمل وتعلم الإنسان أنه ليس وحيدًا وأن مشاكله تقع ضمن سنة إلهية. وأخيرًا، يلعب "التوبة والاستغفار" دورًا مهمًا في تقليل التوتر. ينبع الكثير من التوتر ومشاعر الذنب من أخطاء الماضي. يؤكد القرآن في آيات عديدة على أهمية التوبة والعودة إلى الله، ويعد بالمغفرة. إن الشعور بالتطهر من الذنوب وبداية جديدة يرفع عبئًا نفسيًا هائلاً عن كاهل الإنسان ويمنحه السكينة. بالإضافة إلى ذلك، فإن مراعاة حقوق الآخرين، والإحسان إلى الوالدين، ومساعدة المحتاجين، وهي من الأوامر القرآنية الصارمة، كلها تساهم في تحسين الحالة الروحية وتقليل التوتر، لأن خدمة خلق الله هي من أفضل طرق التواصل معه وكسب السلام الداخلي. بشكل عام، القرآن الكريم، كدليل شامل للحياة، لا يعلم الإنسان طرق مواجهة التوتر فحسب، بل يجعله أيضًا، من خلال إنشاء إطار فكري وروحي قوي، مقاومًا لتقلبات الحياة ويهديه إلى سكينة دائمة وعميقة.
يقال في قديم الزمان، كان هناك درويش يعيش قانعاً بذكر الله. ورغم أنه لم يملك مال الدنيا، إلا أن قلبه كان هادئاً و روحه سعيدة. ذات يوم، رأى تاجر غني، كان دائمًا قلقًا ومضطربًا بسبب كثرة ممتلكاته وحساباته، الدرويش جالسًا بجانب جدول ماء، يتلو آيات من القرآن، يبدو خاليًا من الهموم. سأل التاجر متعجبًا: "يا درويش، كيف أنت بهذه السكينة والخلو من الهموم على الرغم من كل هذا الفقر؟ أنا، الغني، أقضي يومي من الصباح إلى المساء في قلق خشية الخسارة أو سرقة مالي." ابتسم الدرويش وقال: "يا صديقي، كنزي في قلبي، وليس في محفظتي. لقد وكلت أموري إلى الله تعالى، وأعلم أنه الرازق والحافظ. قلبي مطمئن بذكر الله وعقلي مرتاح، لأن ما قدر سيكون، وما ليس مقدرًا لن يأتيني أبدًا. لقد حملت أنت ثقل الدنيا على عاتقك، أما أنا فقد سلمت عبئي إلى صاحب العبء." عند سماع هذه الكلمات، أدرك التاجر أن السلام الحقيقي يكمن في الاستغناء عن الدنيا والتوكل على الله، وليس في كثرة المال والممتلكات، ومنذ ذلك الحين، سعى للاستفادة من هذه الحكمة القرآنية وتهدئة قلبه بذكر الحق.