لجعل الإحسان عادة، الإرادة الصادقة والهدف الواضح ضروريان. بالإضافة إلى ذلك، بدء الإحسان من المقربين وتكرار الأعمال الصالحة سيساعد.
لجعل الإحسان عادة مستدامة في حياتنا اليومية، يجب علينا أولاً أن نكون مخلصين في نوايانا وأن نوضح هدفنا من القيام بأعمال الإحسان. فالإحسان، كما يعلمنا القرآن الكريم، يعتبر جزءاً أساسياً من الإيمان، ويعكس صورة ترسخت في أذهان المؤمنين. ففي سورة البقرة، الآية 177، نجد إشارة قوية إلى أن الخير الحقيقي يتضمن الإيمان بالله سبحانه وتعالى، واليوم الآخر، والكتب والأنبياء. تشير هذه الآية بوضوح إلى أن للإحسان أُسساً راسخة في الإيمان. فالإحسان ليس مجرد فعل أو عمل خارجي، بل هو دلالة على الصدق والنية الخالصة في العطاء دون انتظار مكافآت أو ردود فعل. في سورة النحل، الآية 90، يأمرنا الله تعالى بالعدل والإحسان، مما يكشف لنا أن الإحسان هو واجب ومسؤولية اجتماعية تقع على عاتق كل مسلم. لذا، فإن ممارسة الإحسان تعد ليست مجرد سلوك أخلاقي وإنما منطق يسير عليه الفرد في كافة مناحي حياته. ومن هنا يجب أن نبدأ بتعزيز هذه القيم في حياتنا الخاصة، لنعتاد على الإحسان بشكل تدريجي. أحد أفضل وأسهل الطرق لتعزيز الإحسان هو البدء مع أقربائنا. يجب أن نكون طيبين ومرحين مع والدينا، وأصدقائنا، وجيراننا، فهذا يعكس الوجه الحقيقي للإحسان. العلاقة مع الوالدين، على سبيل المثال، تعتبر من أقوى التقنيات التي يمكن أن تجعل الإحسان جزءاً من روتين حياتنا اليومية، حيث أوصى الله تعالى في كتابه الكريم ببر الوالدين وطاعتهما. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لقضاء الوقت مع الأفراد الإيجابيين والطيبين أن يكون عاملاً محفزاً لنا لنكون أفضل. إن المحيط الاجتماعي له تأثير كبير على سلوكياتنا وأفكارنا؛ فحينما نتواجد في بيئة مليئة بأشخاص ملهمين ومحبين، فإن ذلك يجعل من السهل علينا تبني عادة الإحسان في حياتنا. علاوة على ذلك، يجب علينا أن نتذكر آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن الإحسان وتفكر في المكافآت العظيمة التي وعد بها الله تعالى للناس الطيبين. إن هذه الآيات ليست مجرد قصص تُروى ولكنها تذكير دائم لنا بأهمية عمل الخير. من خلال التفكير في الأجر والثواب الذي يضمنه الله للمتقين، نستطيع أن نغرس الإحسان في قلوبنا ونوجه سلوكياتنا نحو الأفضل. سيتحول فعل الخير إلى عادة تدريجياً حينما نُصر على ممارسته. لذا، يجب أن نضع أهدافًا صغيرة يمكن تحقيقها، مثل تقديم المساعدة لجارٍ أو التبرع لجمعية خيرية محلية، ثم نتحرك نحو أهداف أكبر مع مرور الوقت. كما أن تحديد أوقات معينة في اليوم لممارسة الأعمال الخيرية يمكن أن يساعد في التقليص من مشاغل الحياة اليومية وضغوطها. يمكن أن نخصص وقتًا بعد الصلاة أو في عطلات نهاية الأسبوع للقيام بأعمال تطوعية. إن الإحسان لا يقتصر فقط على المعونات المالية أو المادية، بل يمكن أن يتجلى في الكلمات الطيبة، الابتسامة، والعون المعنوي. فعندما نقوم بتقديم الدعم النفسي للأشخاص المحتاجين من خلال الاستماع إليهم أو منحهم النصائح، فإننا بذلك نمارس الإحسان بطريقة قد تكون أكثر تأثيراً من المساعدات المادية. وبما أن الإحسان جزء من الإيمان، فإننا نجد أن تعاليم الدين الإسلامي تصب في هذا الاتجاه. فبجانب الآيات القرآنية التي تشير إلى الإحسان، نجد أن الأحاديث النبوية الشريفة تؤكد أيضاً على ضرورة مساعدة الآخرين والتحلّي بالقيم الإنسانية الرفيعة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب للناس ما تحب لنفسك". وفي الختام، نجدد التأكيد على أنه لتجعل الإحسان عادة يجب أن ننطلق من النية الخالصة، ونوضح أهدافنا ونسعى لتحقيقها من خلال الأعمال اليومية المدروسة. عندما نتعود على بذل الخير، سيتحول الإحسان بالتدريج إلى طابع شخصي وجزء لا يتجزأ من هويتنا. فالإحسان لا يُرجى منه لوماً أو عتاب، بل هو عطاءٌ ذاتي يحمل في طياته كل معاني الحب والود. لنجعل من الإحسان قيمة نبيلة ترتبط بقلوبنا وتؤثر في حياتنا ومجتمعاتنا المسلمة، فكما تُروى الأحاديث عن أيادي الخير تعود على فاعلها، كذلك سنكون قدوة صالحة للآخرين ونساهم في خلق بيئة مجتمعية مترابطة ومحبّة.
يومًا ما، كان هناك شاب يدعى أحمد جالسًا على منحدر الجبل يتأمل في حياته. قرر أنه يريد مساعدة الناس وجعل الإحسان جزءًا من حياته. في البداية، ساعد رجلًا مسنًا على العودة إلى منزله. ثم، بعد عدة أيام، قدم الطعام لامرأة بلا مأوى. أدرك أن الشعور بالرضا والفرح الداخلي الذي حصل عليه من عمل الخير كان لا يضاهى. ومنذ ذلك اليوم، أصبح الإحسان عادة له، مما أضاف معنى ولونًا خاصًا إلى حياته.