تشمل علامات الاختيار الإلهي للنمو الطمأنينة القلبية بذكر الله، وتيسير الأعمال الصالحة، والمثابرة في الحق، وقبول الابتلاءات، والرغبة في تزكية النفس. هذا المسار، بجهودك وهداية الله، يؤدي إلى النمو الروحي والقرب من الله.
إن فهم كيفية تمييز ما إذا كان الله قد اختارنا للنمو الروحي والشخصي يتطلب التأمل في آيات القرآن الكريم والعلامات التي يضعها الله في وجودنا وحياتنا. هذا الاختيار لا يعني انتقاءً خفياً أو قدراً محتوماً خارجاً عن إرادتنا وجهدنا؛ بل إن الله تعالى، بحكمته البالغة، قد فتح طريق النمو للجميع. والذين يسعون بصدق ومثابرة في هذا الطريق، يستفيدون من الهداية والنعم الإلهية الخاصة. وفي الواقع، فإن الرغبة في النمو نفسها، والتساؤل عنه، والبحث عن الطريق لتحقيقه، هي من أولى علامات العناية الإلهية التي تدفع قلب الإنسان نحو الكمال. من أبرز العلامات هي «الشعور بالسكينة والطمأنينة القلبية» التي تتحقق بذكر الله والالتزام بتعاليمه. يقول القرآن الكريم في سورة الرعد، الآية 28: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». إذا وجدت قلبك يهدأ ويطمئن بعيداً عن القلق والاضطراب في اللحظات الصعبة أو بعد أداء الأعمال الصالحة، فهذه علامة على حضور الله وهدايته في مسار نموك. علامة أخرى هي «التوفيق وتسهيل فعل الخير». عندما يختار الله شخصاً للنمو، يتم رفع العوائق من طريقه، ويصبح أداء العبادات والأعمال الصالحة أسهل بالنسبة له. الشعور بالرضا والمتعة عند أداء الصلاة، وتلاوة القرآن، والإنفاق، ومساعدة الآخرين، كل هذه يمكن أن تكون مؤشرات على هذا الاختيار الإلهي. وهذا التوفيق لا يعني مجرد عدم وجود مشاكل، بل يعني قوة داخلية للتغلب على المشاكل والالتزام بالمسار الصحيح. «السعي والجهاد في سبيل الله» هو أيضاً من أوضح المعايير. يقول الله تعالى في سورة العنكبوت، الآية 69: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ». إذا كنت تسعى باستمرار لتطوير ذاتك، واكتساب المعرفة، والعمل بأوامر الله، فإن الله بدوره سيعينك ويهديك في هذا المسار. ويشمل هذا الجهاد محاربة النفس الأمارة بالسوء، والابتعاد عن الذنوب، والسعي لاكتساب الفضائل الأخلاقية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون «مواجهة الاختبارات والابتلاءات» علامة على عناية الله الخاصة للنمو. الابتلاءات ليست للعقاب، بل لتنقية الروح وزيادة صبر المؤمنين وقوتهم. يقول القرآن الكريم في سورة البقرة، الآية 155: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ». إذا شعرت بعد تجاوز الصعوبات بنمو داخلي، وزيادة في الإيمان، واعتماد أكبر على الله، فهذه علامة على النجاح في الاختبار الإلهي والتقدم في مسار النمو. و«الميل إلى تزكية النفس والتوبة» هو أيضاً من العلامات المهمة على الاختيار للنمو. يقول الله تعالى في سورة الشمس، الآيتين 9 و10: «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿٩﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴿١٠﴾». إذا كنت تسعى دائماً لتصحيح نفسك، وتتوب من أخطائك الماضية، وتسعى لتطهير روحك وعقلك، فهذه علامة على روح ديناميكية ومتنامية حظيت بعناية إلهية. في الختام، «الشعور بالقرب من الله وزيادة محبته» هو أبرز علامة. كلما تقدمت أكثر في طريق النمو، زادت محبتك وعشقك للخالق، وستصبح هذه المحبة نفسها دافعاً قوياً لبذل المزيد من الجهد في سبيله. هذا الاختيار الإلهي ليس مجرد امتياز، بل مسؤولية عظيمة لتطوير الذات وتكون قدوة للآخرين. إن مسار النمو هذا هو رحلة مستمرة، ومع كل خطوة فيه، يزداد نور الله وهدايته وضوحاً.
يروى في گلستان سعدي أن ملكًا سأل حكيمًا: «كيف لي أن أعرف أن حياتي تمضي في سعادة وأن الله تعالى راضٍ عني؟» فأجاب الحكيم: «أيها الملك! متى ما وجدت قلبك يميل إلى الخير والأعمال الصالحة، ويكره الرذائل، فاعلم أنك قد سلكت سبيل السعادة. وإذا ما صبرت عند الشدائد وتوكلت على الله، فهذه نفسها علامة على أن يد العناية الإلهية فوق رأسك. فإن القلب الطاهر لا يهدأ إلا بنور الحق، والنفس المزكاة لا تسلك إلا سبيل الخير.» فسر الملك بهذا القول، وعلم أن الفلاح يكمن في نقاء الباطن والعمل الصالح، وأن هذا الميل والتوفيق هو من عند الرب.