لتحديد الكبر في قلبك، راقب رفضك للحق، وازدرائك للآخرين، ومقاومتك للأوامر الإلهية. رؤيتك الدائمة لنفسك كأفضل واستصعاب قبول النصيحة هي علامات رئيسية على الكبر.
بسم الله الرحمن الرحيم. لكي نعرف ما إذا كان الكبر قد ترسخ في قلوبنا أم لا، يجب أن ننظر إلى دواخلنا ونقوّم سلوكياتنا ونوايانا بمعايير القرآن الكريم. الكبر، أو التكبر، هو أحد أكبر الأمراض الروحية والأخلاقية التي ذمّها القرآن الكريم بشدة. ينبع الكبر غالباً من الجهل بمكانة المرء الحقيقية وعدم الوعي بعظمة الخالق. يرى المتكبر نفسه أعلى مما هو عليه، والآخرين أقل مما هم عليه. لقد بيّن القرآن الكريم بوضوح صفات المتكبرين، وبمقارنة هذه الصفات بأنفسنا، يمكننا التعرف على علامات الكبر. من أهم علامات الكبر رفض الحق وعدم قبول النصيحة. فالمتكبر، بسبب غروره، لا يستطيع الاعتراف بأخطائه وينكر الحق، حتى لو كان واضحاً. يقول الله تعالى في سورة الأعراف، الآية 146: «سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ». هذه الآية تبين بوضوح أن المتكبرين، حتى لو رأوا الآيات الإلهية وعلامات الحق، فإنهم لا يؤمنون ولا يجدون طريق الهداية. لذلك، إذا كان شخص ما يتخذ موقفاً دفاعياً ضد الحقيقة، حتى عندما تُقال من قبل شخص آخر، ويرفضها بكبرياء، فهذه علامة على الكبر. علامة أخرى هي تحقير الآخرين والنظر إليهم من علٍ. يرى الفرد المتكبر نفسه متفوقاً على الآخرين، سواء من الناحية المالية أو العرقية أو العلمية أو الاجتماعية. وقد يقوم بأقوال أو أفعال تقلل من شأن الآخرين وتظهر عدم الاحترام لهم. في سورة لقمان، الآية 18، يقول الله تعالى: «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ». هذه الآية تنصحنا ألا نصرف وجوهنا عن الناس بتكبر وألا نسير في الأرض بتبختر، لأن الله لا يحب كل متكبر فخور. إذا وجدنا في أنفسنا ميلاً لتضخيم عيوب الآخرين، أو السخرية منهم، أو الشعور بتفوق لا مبرر له على الآخرين، فيجب أن نكون حذرين لأن هذه علامات الكبر. السلوك المتكبر يمكن أن يتجلى أيضاً في طريقة المشي، والكلام، وحتى النظر. فقد نهى القرآن الكريم عن المشي المتكبر، واعتبره علامة على الغرور والتبختر. في الواقع، جميع أفعال الشخص وحالاته يمكن أن تكون انعكاساً لحالته الداخلية. إذا كان شخص ما يرغب دائماً في أن يكون مركز الاهتمام، ويستاء من انتقاد الآخرين، أو يشعر أنه دائماً على حق، فكل هذا يمكن أن يكون متجذراً في الكبر. علاوة على ذلك، من المظاهر الهامة للكبر رفض طاعة الأوامر الإلهية. إبليس كان أول من رفض السجود لآدم بسبب الكبر، وعصى أمر الله. هذه القصة مذكورة في عدة مواضع في القرآن، منها سورة البقرة الآية 34 وسورة ص الآية 74. فقد رأى إبليس نفسه مخلوقاً من نار وآدم من طين، وهذا المنظور الخاطئ أدى إلى تكبره وسقوطه. إذا كنا نتكاسل في أداء العبادات، أو نتهرب من أداء الأوامر الإلهية بذرائع واهية، فعلينا أن نبحث عما إذا كان الكبر الداخلي يمنعنا. لمكافحة الكبر وتطهير القلب منه، يجب أن نتذكر دائماً عظمة الله ونعلم أن كل شيء منه، وأننا لسنا إلا عباداً ضعفاء. التواضع والخضوع لله ولخلقه هو أفضل علاج للكبر. قبول الأخطاء، وتقدير النصائح، ومساعدة المحتاجين، والابتعاد عن التباهي، كلها خطوات في سبيل مواجهة الكبر. كما أن التفكير في الموت وأننا جميعاً سنعود إلى الله يوماً ما، وأن أعمالنا ستُحاسب، يمكن أن يحطم الغرور والكبر. باختصار، يمكن التعرف على الكبر من خلال علامات مثل رفض الحق، وتحقير الآخرين، ورفض الطاعة الإلهية، والتبختر والتكبر في الأفعال والسلوكيات. الوعي الذاتي والمراقبة المستمرة للنوايا والأعمال هما المفتاح لمكافحة هذا المرض الروحي.
يُحكى أنه في الأزمنة القديمة، كان هناك ملك قد استولى الكبر على قلبه بسبب ثروته وقوته. كان دائماً يرتدي أفخر الثياب، ويسير بين الناس بتفاخر، ولا يستمع لنصيحة أحد. ذات يوم، قال له سعدي: 'يا أيها الملك! لا تدع كل هذا العز والجلال يخدعك. ألا تعلم أن تراب القبر يستقبل الملك والفقير على حد سواء؟ الكبر والغرور يضعان حجاباً على عيني القلب، فيمنعانك من رؤية الحقيقة. الزم التواضع لينير قلبك بنور الحكمة.' في البداية، غضب الملك من هذا الكلام، ولكن مع مرور الوقت ورؤية تقلبات الدهر، أدرك حقيقة قول سعدي وفهم أن العزة الحقيقية تكمن في التواضع، لا في الكبر.