لتحديد مسارك الإلهي، انظر إلى طمأنينة قلبك، ميلك نحو الخير وتجنب الشر، ثباتك في العبادة وإخلاصك، وصبرك على الشدائد. هذه هي العلامات المرشدة في رحلتك الروحية.
إن الطريق إلى الله ليس طريقًا ماديًا يمكن تتبعه بالخرائط الأرضية، بل هو رحلة روحية عميقة واختيار مستمر في كل لحظة من لحظات الحياة. يبدأ هذا الطريق من أعماق قلب الإنسان، ومن خلال النوايا الصادقة والأعمال الصالحة، يتقدم نحو رضوان الرب المتعال. القرآن الكريم، هذا الكتاب السماوي الهادي، يقدم علامات واضحة وجلية للتعرف على هذا الطريق. إذا كنت تسعى لفهم ما إذا كنت تسير على طريق الحق أم لا، فيجب أن تنظر في أعماقك وأن تنتبه إلى العلامات التي وضعها الله في آياته وفي العالم من حولنا. إن هذا الإدراك لا يجلب لنا السكينة فحسب، بل يساعدنا أيضًا على السير في الحياة بثقة أكبر، وفهم الغاية الأساسية من خلقنا. من أهم العلامات الجوهرية هو الشعور بالسكينة والطمأنينة القلبية التي لا تتحقق إلا بذكر الله. يقول الله تعالى في سورة الرعد، الآية 28: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». هذه السكينة تتجاوز مجرد غياب المشاكل أو تحقيق الرغبات الدنيوية؛ إنها حالة من الاطمئنان والرضا الداخلي تبقى حتى في خضم عواصف الحياة. إذا كنت تشعر في حياتك، على الرغم من تقلباتها وصعابها، بالهدوء والاطمئنان القلبي تجاه القضاء الإلهي، وتلجأ إلى الله في اللحظات الصعبة بدلاً من اليأس والقنوط، مستسلمًا لإرادته، فهذه علامة قوية على أنك تسير على الدرب الإلهي. هذه السكينة هي نتيجة اتصال القلب بمصدر الوجود، مما يحرر الإنسان من قلق الدنيا وهمومها ويمنحه القوة لمواجهة التحديات. علامة أخرى هي تزايد الرغبة والميل إلى فعل الخيرات والابتعاد عن الذنوب. عندما يكون مسار الإنسان نحو الله، فإن فطرته الإلهية تتفتح أكثر ويميز بين الخير والشر بوضوح أكبر. في هذا المسار، يجد الإنسان متعة أكبر في العبادات، وخدمة الخلق، والصدق، والأمانة، ورعاية حقوق الآخرين. يؤكد القرآن في آيات عديدة على أهمية الأعمال الصالحة والابتعاد عن الظلم والفساد. إن من سلك طريق الله يسعى دائمًا إلى التحلي بالأخلاق الحميدة، والوفاء بالعهود، وأن يكون كريمًا، وأن يتجنب الحقد والحسد والغيبة والنميمة. هذه التحولات الأخلاقية والسلوكية هي مؤشرات واضحة للحركة في طريق الكمال والتقرب إلى الله. هذا الميل نحو الخير والابتعاد عن الشر هو نتيجة للهداية الإلهية التي توجه قلب الإنسان نحو ما هو حق. الثبات في العبادات وأداء الواجبات الدينية هو علامة أخرى على التواجد في الطريق الإلهي. الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج ليست مجرد أفعال، بل هي أركان تقوي صلة الإنسان بخالقه. إن من يقصد الله يؤدي هذه الأعمال بحب وشغف لا إجبار أو عادة. يدرك أهمية أداء الصلاة في وقتها ويستغلها كفرصة للحديث الخاص مع ربه، لا كعبء يثقل كاهله. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 153: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ». هذه الآية تبين أن الصلاة والصبر أدوات للثبات على الدرب الإلهي، ومن يستخدم هذه الأدوات بإخلاص سيحظى بمعية الله وعونه، مما يزيد من إشراق طريقه. بالإضافة إلى ذلك، الانتباه إلى الإخلاص في النية والعمل هو علامة حاسمة. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا على أهمية الإخلاص؛ بأن تكون أعمالنا خالصة لوجه الله تعالى فقط، وليس لجلب انتباه الناس أو لتحقيق مكاسب دنيوية. إن من كان طريقه إلى الله يسعى لتجنب الرياء والتظاهر، ويقدم عمله خالصًا لربه، دون أن يتوقع مكافأة من المخلوقين. هذا الإخلاص يضاعف القيمة الروحية للأعمال ويقوي الرابطة بين الإنسان وخالقه، لأنه يوصله مباشرة إلى مصدر القوة والرحمة. كل عمل صغير يتم بإخلاص، يكتسب قيمة عظيمة عند الله. أخيرًا، علامة مهمة أخرى هي الثبات في مواجهة المشاكل والمحن. الحياة الدنيا مليئة بالاختبارات والامتحانات. إن من كان على طريق الله، يرى هذه المشاكل لا كعقبات مدمرة، بل كفرص للنمو، وتطهير النفس، والتقرب أكثر إلى الله. هو صبور في الشدائد ويعلم أن الله لا ينسى عباده أبدًا، وأن بعد كل عسر يسراً. يقول الله تعالى في سورة العنكبوت، الآية 69: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ». هذه الآية توضح بجلاء أن جهاد النفس والسعي في سبيل الله يؤدي إلى الهداية الإلهية والتواجد في سبيله. ويشمل هذا السعي محاربة النفس الأمارة بالسوء، ومقاومة وساوس الشيطان، والصبر على المكاره، والثبات على المبادئ الإلهية. وهذا الثبات بحد ذاته دليل على صحة المسار. باختصار، لتفهم ما إذا كنت على طريق الله، يجب أن تنظر إلى قلبك وعملك. هل تشعر بالسكينة القلبية وذكر الله مصدر اطمئنانك؟ هل تميل إلى الخيرات وتتجنب السيئات؟ هل أنت ثابت في عباداتك وتؤديها بإخلاص؟ وهل تتحلى بالصبر في مواجهة المشاكل وتتوكل على الله؟ هذه هي العلامات التي تضيء طريقك نحو الرب المتعال. هذه الرحلة هي مسار تطوري، وكل يوم هو فرصة جديدة للتقرب من الكمال الإلهي واكتساب رضاه. اطلب دائمًا من الله الهداية والثبات، فالهداية الحقيقية لا تأتي إلا من عنده. هذا هو الطريق الذي يزداد نوره كلما سرت فيه، ويوصلك إلى المنبع الحقيقي للسلام والسعادة الدنيوية والأخروية.
في بستان سعدي، تُروى حكاية عن درويش كان يتجول في صحراء، ويسأل نفسه: «أين الطريق إلى وجهتي؟». كان يبحث عن علامة. في هذه الأثناء، التقى بحكيم مسن وسأله: «يا حكيم، كيف لي أن أعرف أنني أسير في الطريق الصحيح؟» أجاب الحكيم بابتسامة لطيفة: «علامة الطريق ليست في رصف الطريق ولا في نجوم السماء، بل هي كامنة في نور قلبك وسكينتك الداخلية. كلما رأيت أن عملك يتوافق مع نيتك، وأن قلبك اطمأن بذكر الحق، وكنت صبورًا في الشدائد، فاعلم أنك قد وضعت قدمك على طريق الحق. فإن طريق الله، هو طريق يبدأ في داخل الإنسان وينتهي بالأعمال الصالحة والصفات الحميدة. لذا، بدلاً من أن تسأل كل عابر سبيل، اسأل نفسك ماذا ينجذب إليه قلبك ولمن تقوم بأعمالك.»