كيف أعرف ما يرضي الله؟

لتحصيل رضا الله، يجب الالتزام بالتوحيد الخالص، وأداء العبادات الصحيحة، وممارسة التقوى، والإحسان إلى الخلق، والصبر والشكر على الأقدار الإلهية. اتباع القرآن وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هو الدليل الأساسي لضمان أن تكون أعمال الإنسان ونواياه مقبولة عند الله.

إجابة القرآن

كيف أعرف ما يرضي الله؟

إن فهم ما يرضي الله تعالى هو الشغل الشاغل والأساسي لأي مؤمن يسلك طريق الكمال والنجاة. هذا السؤال يضرب في صميم الإيمان والعمل الصالح، وهو بمثابة دليل للإنسان في جميع قراراته وسلوكياته الحياتية. لفهم هذا الأمر الجوهري، يجب علينا الرجوع إلى المصدر الأساسي للهداية الإلهية، وهو القرآن الكريم، الذي يعبر عن رغبات وأوامر الرب. يوضح القرآن الكريم أن رضى الله تعالى عن عباده يرتبط بمجموعة من الأعمال والنوايا والفضائل الأخلاقية التي تتجلى في مجال العلاقة مع الله (العبادات) وفي مجال العلاقة مع الخلق (المعاملات والأخلاق). في الخطوة الأولى، الأساس الذي يقوم عليه كل عمل يجلب رضى الله هو «التوحيد الخالص» و«العبادة النابعة من الإخلاص». لقد أكد الله تعالى في آيات عديدة على وحدانيته، ودعا عباده إلى عبادته وحده. فالشرك هو أعظم ذنب لا يرضى الله عنه أبدًا، بينما الإيمان بوحدانيته والابتعاد عن أي شكل من أشكال الشرك هو الخطوة الأولى لنيل الرضا الإلهي. الصلاة، الصوم، الزكاة، والحج، هي أركان عملية لهذا التوحيد، وإذا أُديت بنية خالصة ابتغاء مرضات الله، فإنها ستكون مقبولة بلا شك. يقول الله في سورة البقرة، الآية 207: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»؛ هذه الآية تبين بوضوح أن حتى التضحية والفداء إذا كان هدفهما نيل رضى الله، فإنهما من أسمى الأعمال. بعد التوحيد والعبادة الخالصة، تأتي «التقوى» و«الورع» كأهم عوامل جلب الرضا الإلهي. التقوى تعني ضبط النفس والالتزام بحدود الله في جميع جوانب الحياة. فالشخص التقي هو من يرى الله حاضرًا وناظرًا في قوله، وفعله، وتفكيره، ويتجنب المعاصي. يقول الله في سورة آل عمران، الآية 102: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»؛ هذه الآية تدل على أن التقوى الحقيقية تقود الإنسان إلى الرضا الإلهي. وهذه التقوى لا تشمل فقط أداء الواجبات وترك المحرمات، بل تشمل أيضًا الابتعاد عن الشبهات والمكروهات. كما أن «الإحسان» و«الإحسان إلى خلق الله» يشكلان جزءًا كبيرًا من الرضا الإلهي. فقد أكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على أهمية الإحسان إلى الوالدين، والأقارب، واليتامى، والمساكين، والجيران، وحتى الحيوانات. في سورة الإسراء، الآية 23 يقول الله: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا»؛ هذه الآية تبين أن الإحسان إلى الوالدين يأتي مباشرة بعد التوحيد، مما يدل على أهميته القصوى. الإحسان إلى الآخرين يشمل المساعدة المادية، والتعاطف، ومراعاة الحقوق، والعفو والصفح، والإنصاف والعدل في جميع العلاقات الاجتماعية. فمن يسعى لرضا الله، يرى نفسه مسؤولاً عن راحة ورفاه مجتمعه ومن حوله. «الصبر والشكر» من الصفات الأخرى للمؤمنين الذين يطلبون الرضا الإلهي. فالحياة الدنيا مليئة بالصعود والهبوط والابتلاءات. الصبر على المصائب، وفي طاعة الله، وفي الابتعاد عن المعاصي، هو علامة على الإيمان القوي والتوكل على الله. وكذلك الشكر على النعم، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، لا يزيد البركات فحسب، بل يدل أيضًا على تقدير خالق النعم ورضاه بقضائه. يقول الله في سورة إبراهيم، الآية 7: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»؛ هذه الآية تربط الرضا الإلهي بشكل غير مباشر بشكر العباد. «الصدق والعدل والإنصاف» هي أيضًا من الأركان الأخلاقية التي تجلب رضى الله. فقد أمر الله في القرآن الكريم المؤمنين أن يكونوا صادقين دائمًا وأن يلتزموا بالعدل في جميع الأمور. الكذب، والخيانة، والخداع، والظلم، كلها أمور ذمها القرآن بشدة وتسبب غضب الله. في سورة النحل، الآية 90 يقول الله: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»؛ هذه الآية تبين بشكل شامل مبادئ السلوك التي ترضي الله والتي لا ترضيه. في الختام، فإن أهم معيار لقياس الرضا الإلهي هو توافق الأعمال مع تعاليم القرآن وسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم). فكل عمل يؤدى في سبيل الأهداف الإلهية وبنية خالصة، يجلب رضاه. وقد قدم النبي (صلى الله عليه وسلم)، الذي يُعرف بأنه الأسوة الحسنة، نموذجًا كاملاً لإنسان كرس حياته كلها لكسب رضا الرب. لذا، فإن اتباع سيرته وسنته هو طريق مؤكد لفهم وتطبيق ما يرضي الله. السعي للتحسين المستمر للذات، وطلب المغفرة من الذنوب، والتوبة والعودة إلى الله، وكذلك الثبات على طريق الحق، كلها علامات على طلب الرضا الإلهي الذي أشار إليه الله في آياته المتعددة. إن رضا الله لا يجلب الخير في الآخرة فحسب، بل يجلب السكينة والبركة في هذه الدنيا أيضًا للعبد.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يحكى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك تاجر ثري يُدعى يوسف، كان يمتلك أموالاً وفيرة وكان يفكر باستمرار في كيفية نيل رضى الحق تعالى. كل يوم كان يقول لنفسه: «لا تجعل مالي وثروتي تنسيني ذكر الله ولا تجعلني غافلاً عن عبادته.» وفي أحد الأيام في السوق، رأى شيخاً رث الثياب ينظر بحسرة إلى بضاعته الثمينة. قال يوسف في نفسه: «لعل رضى الحق يكمن في إدخال السرور على قلب هذا العبد.» فما كان منه إلا أن اقترب من الشيخ فوراً، وأخذه إلى دار ضيافته، وقدم له أشهى الطعام، وألبسه ثياباً جديدة. رأى الشيخ في عيني يوسف نوراً من المحبة والصفاء، وقال: «يا أيها النبيل، بفعلتك هذه، لم تشبع بطناً جائعاً فحسب، بل أحييت روحاً يائسة. إن رضى الله يكمن في هذه اللحظات النقية من المحبة والمساعدة.» ومنذ ذلك اليوم، علم يوسف أن رضى الحق لا يقتصر على الصلاة والصيام، بل هو موجود أيضاً في خدمة الخلق وتفريج كرب المحتاجين، وظل يساعد الفقراء والمحتاجين حتى نهاية حياته، وحصل له حسن العاقبة.

الأسئلة ذات الصلة