المهتدون هم أصحاب الإيمان الراسخ، والتقوى، والأعمال الصالحة، والثبات على الحق، والارتباط بالقرآن. هذه علامات الهداية الإلهية والتوكل على الله.
يا أخي وأختي الكرام، هذا سؤال عميق وهادف يواجهه الكثير من الناس طوال حياتهم. إن حس البحث والشوق لمعرفة ما إذا كنا على الطريق الصحيح أم لا، هو بحد ذاته علامة على الفطرة النقية والميل نحو الكمال. فهم ما إذا كنا من المهتدين أم لا، يتطلب التأمل في الآيات الإلهية والعلامات التي وضعها الله تعالى لنا في القرآن الكريم. الهداية هي عطية إلهية لا تُمنح للجميع، ولكن هناك سبل لتمييزها وتقويتها يوضحها لنا القرآن. أول وأهم علامة على الهداية هي الإيمان الراسخ بالله تعالى، ويوم القيامة، والملائكة، والكتب السماوية، والأنبياء الإلهيين. هذا الإيمان ليس مجرد ادعاء لفظي، بل يجب أن يتأصل في القلب ويتجلى في العمل. القرآن الكريم، في بداية سورة البقرة، بعد أن عرف نفسه ككتاب هداية للمتقين، يعدد خصائص أهل الهداية: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (البقرة: 3-5). هذه الآيات تصرح بأن أهل الهداية هم الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بما أنزل إلى الرسول وما أنزل من قبله، ويوقنون بالآخرة. إذا كانت هذه الأركان الإيمانية راسخة وثابتة في وجودك وتظهر كل يوم في أفعالك، فهذه علامة عظيمة على كونك من المهتدين. العلامة الثانية الأساسية هي «التقوى» أو الخشية من الله. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الهداية تُمنح للمتقين. التقوى تعني وجود خشية من الله والالتزام بحدوده وأحكامه. أي أن الإنسان يسعى دائمًا لتجنب الذنوب وأداء الواجبات الإلهية. هذه اليقظة الدائمة تعمل كدرع وقائي ضد وساوس الشيطان وهوى النفس. الشخص التقي يرى الله حاضرًا وناظرًا في قوله وفعله وحتى أفكاره، ويسعى جاهدًا لتحقيق رضاه. فكلما زادت تقوى الإنسان، أصبح قلبه أكثر استعدادًا لتلقي نور الهداية. على سبيل المثال، إذا كانت قراراتك في مواقف الحياة المختلفة، سواء في العلن أو في الخفاء، مبنية على الحلال والحرام الإلهي، وتتجنب الذنوب خوفًا من الله، فهذه علامة واضحة على أنك في طريق الهداية. علامة ثالثة هي الميل القلبي والعملي للأعمال الصالحة وأداء الفرائض الدينية. الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج (إذا كان مستطيعًا)، ورعاية حقوق الآخرين، كلها أمثلة واضحة على الأعمال الصالحة. الشخص المهتدي لا يؤدي هذه الفرائض فحسب، بل يجد في أدائها متعة وراحة نفسية. إذا كان أداء العبادات ليس عبئًا أو واجبًا عليك، بل هو مصدر سلام روحي واتصال بالخالق، فأنت على الطريق الصحيح. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «قرة عيني في الصلاة». هذا الشعور علامة على الارتباط العميق بالرب والهداية الإلهية. بالإضافة إلى ذلك، فإن السعي لتجنب المحرمات والكبائر وحتى الصغائر، والشعور بالندم والتوبة بعد كل زلة، يدل على يقظة القلب والرغبة في الطهارة، وهي من علامات أهل الهداية. رابعاً، الثبات والاستقامة على الحق. الهداية هي مسار وليست وجهة. قد يواجه الإنسان في هذا المسار تحديات وصعوبات ووساوس. لكن أهل الهداية هم الذين يصبرون على هذه المشاكل ولا ينحرفون عن مسارهم. يقول الله تعالى في سورة العنكبوت: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» (العنكبوت: 69). هذه الآية تعد بأن من يجاهد ويسعى في سبيلنا، فسنرشده حتمًا إلى سبلنا. الجهاد هنا يمكن أن يشمل جهاد النفس، والجهاد العلمي، والجهاد العملي في سبيل الله. إذا كنت تسعى باستمرار لتحسين نفسك، ومعرفة المزيد عن دينك، وتصحيح أوجه القصور لديك، وتظل ثابتًا في مواجهة الصعوبات، فهذه علامة واضحة على الهداية الإلهية في حياتك. العلامة الخامسة هي الرغبة والشوق لمعرفة القرآن الكريم والعمل به. القرآن هو حبل الله المتين والمصدر الرئيسي للهداية. لا ينظر الشخص المهتدي إلى القرآن على أنه مجرد كتاب مقدس، بل يعتبره دليل حياة ومنهج سعادته. يسعى جاهدًا لفهم آياته، والتدبر فيها، ثم العمل بما فهم. إذا كنت تشعر بالراحة عند قراءة القرآن، وتتأثر معانيه بعمق، وتسعى باستمرار لمطابقة حياتك بتعاليمه، فهذه علامات على الهداية الإلهية. يقول الله في سورة يونس، الآية 57: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ» (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين). العلامة السادسة هي التأثير الإيجابي على البيئة والآخرين. أهل الهداية ليسوا فقط على طريق الصلاح والفلاح بأنفسهم، بل يسعون أيضًا لدفع الآخرين نحو الخير والصلاح. يمكن أن يكون هذا التأثير من خلال الكلمة الطيبة، والعمل الصالح، والقدوة الحسنة، أو حتى التذكير الناصح. إذا كنت تشعر أن بوجودك، تصبح بيئتك المحيطة أكثر إشراقًا، ويطلب منك الآخرون النصيحة، وتحاول قدر استطاعتك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه من ثمار الهداية. قال رسول الله (ص): «خير الناس من ينفع الناس». في الختام، من المهم أن نعرف أن الهداية عملية مستمرة، وعلينا أن نطلب من الله الهداية كل يوم، كما نقول في سورة الفاتحة: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ». هذا الدعاء يدل على حاجتنا الدائمة للتوجيه الإلهي. إذا رأيت هذه العلامات في نفسك، فاشكر الله واسعى لتقويتها. وإذا كانت هناك قصور، فاستغفر الله واسعى بجهد أكبر، واطلب منه أن يهديك إلى طريق الحق. الخطوة الأهم هي الإخلاص في النية والتوكل على الله. هنا تتجلى رحمة الله على العبد، فيقوده خطوة بخطوة في طريق الكمال والسعادة. شعور السلام الداخلي والراحة القلبية عند مواجهة المشاكل هو علامة أخرى على وجود الهداية في الحياة. فالشخص المهتدي حتى في الشدائد، يرى الله ملاذه، وبالتوكل والصبر، يتجاوز الأزمات. هذا السلام هو ثمرة الإيمان والتقوى المتجذرة في وجوده. لذا، من خلال النظر إلى أفعالك ونواياك ومشاعرك الداخلية، ومقارنتها بالآيات والعلامات القرآنية، يمكنك الحصول على فهم أعمق لموقعك في مسار الهداية الإلهية والسعي إلى مزيد من الرفعة.
في قديم الزمان، كان هناك شاب يدعى فريدون يبحث دائمًا عن الحقيقة ويسأل نفسه: «هل أنا على الطريق الصحيح؟ هل هداني الله؟» في كل مرة تردد هذا السؤال في قلبه، كان يذهب إلى رجل حكيم مشهور بـ«حكيم المدينة». فقال الحكيم لفريدون بابتسامة طيبة: «يا شاب، الهداية نور لا يُرى بالعيون الظاهرة، بل بعين القلب. علاماتها في عملك ونيتك. هل قلبك كل يوم عند استيقاظك مشتاق لذكر ربه ودعائه؟ هل يدك في السوق بعيدة عن المال الحرام ولسانك بعيد عن الكذب؟ هل تتجنب الذنوب في الخلوة، وتفعل الخير للآخرين في العلن؟ إذا وجدت هذه في نفسك، فاعلم أن سفينة وجودك تسير على أمواج الهداية.» عندما سمع فريدون هذه الكلمات، نظر في داخله ووجد هدوءًا غريبًا يغمر قلبه. لقد فهم أن الهداية هي حضور الله الدائم في الحياة، وهذا الحضور يتجلى من خلال الأعمال الصالحة والقلب المطمئن.