الله على علم بقلوبنا، وعلمه يشمل جميع نوايانا وأفكارنا.
في القرآن الكريم، يُعَدُّ الوعي بنوايا البشر من الأمور الجوهرية التي تُظهر مدى معرفة الله سبحانه وتعالى بما في الصدور. فالقرآن ليس مجرد كتاب يُقرأ ويُفهَم معانيه الظاهرة، بل هو مصدر غني يوجه النفوس ويجعلها تعيش في حالة من الوعي الدائم بوجود الله ورحمته وعلمه. نبدأ أولًا بالتأمل في بعض الآيات التي تشير إلى هذا الوعي الإلهي وتأثيره على الإنسان. في سورة البقرة، وتحديدًا في الآية 254، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خَلَاصٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ." هذه الآية تدل على أهمية الإنفاق من رزق الله قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا جاه. ولكن ما هو المغزى الأعمق هنا؟ الآية تشير بوضوح إلى علم الله ورقابته على نوايا البشر، فهو يعبر عن تقدير الله لطبيعة النوايا والأفعال. يُظهر الله لنا أننا يجب أن نكون صادقين في إساءاتنا، وأن نستخدم النعم التي أنعم بها علينا في الخير، مما يعزز قيمة الصدق والأمانة في تعاملاتنا اليومية. وفي سورة آل عمران، الآية 29، ورد في النص: "قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ." مرة أخرى، نجد دعوة لتأمل في العواقب المترتبة على نوايا البشر، حيث أن معرفة الله تتجاوز المعرفة السطحية لنواياهم. هذا يُبرز أنه حتى الأفكار التي نُخفيها بعيدة عن الأنظار، معروفة لدى الله، مما يجعلنا نسعى للتوجيه الصحيح لنوايانا وأفعالنا. علاوة على ذلك، نجد في سورة المجادلة، الآية 7، أن الله يسأل: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ؟" هذه الآية تبرز سعة علم الله وقدرته على الإحاطة بما يشمل الكل. لا يقتصر علم الله على الظواهر المرئية، بل يمتد ليشمل خبايا القلوب ونوايا البشر. إن مثل هذه الآيات تدعونا إلى تدبر ما في نفوسنا وكيف تؤثر نوايانا على سلوكنا. تعتبر المعرفة الإلهية شاملة وعميقة، تؤكد لنا أن كل عمل نقوم به، صغيرًا كان أم كبيرًا، يمر من تحت خلاصة علم الله. وهذا يعني أننا نعيش في حالة من المحاسبة الذاتية المستمرة، حيث يجب أن نكون حذرين في نوايانا وأفعالنا. من الضروري أن نتذكر أن الوعي الإلهي لا يعني فقط معرفة غير محدودة لكل شيء، بل يحمل أيضًا رسالة قوية عن المسؤولية. فكلما كان الإنسان واعيًا بأن الله يعلمه، تمسك بتعاليم دينه وعمل لما فيه الخير والصالح للذات وللمن حوله. يُعزز هذا الوعي الإلهي من الانضباط الذاتي والنوايا الطيبة، مما يعزز القيم الأخلاقية. هذا الوعي الذاتي يقود الشخص إلى أن يكون أكثر اهتمامًا بتقويم سلوكياته وأفكاره، ويدفعه إلى تحسين نفسه والعناية بنواياه، مما يجعله يعيش بروح من الإيمان الحقيقي. إذ أنه كلما كانت النوايا صادقة، كانت الأعمال الخيرية والاجتماعية أفضل وأكثر إيجابية، مما يحقق الخير للإنسانية جمعاء. في النهاية، إن علم الله بنوايا البشر هو تذكير دائم لنا بأننا تحت رعاية الله ومراقبته. ولذلك يجب أن نجعل من نوايانا دوافع للعمل الجيد، ونبتعد عن النوايا السلبية التي يمكن أن تسيء إلينا أو إلى الآخرين. وكما يقول العلماء: "الأعمال بالنيات"، فإن النية الطيبة تحول السلوكيات البسيطة إلى عبادات ووسائل للتقرب إلى الله. القرآن الكريم يذكّرنا دوماً بأهمية النية، ويُعطينا القُدرة على توجيه حياتنا نحو الأفضل، وهذا يتطلب وعياً دائماً بالله وبما نبيته في قلوبنا. فنحن بحاجة للدعاء والتضرع إلى الله بأن يجعل قلوبنا طاهرة ونوايانا خالصة له، مما يعيننا على السير في درب الصلاح والاستقامة.
في يوم من الأيام، كان زاهد يجلس في الغابة ينظر إلى الطبيعة. كان في قلبه يدعو: 'يا الله، أبعدني عن النيات السيئة والأفكار القبيحة.' في تلك اللحظة، جلست عصفورة جميلة على شجرة بالقرب منه وبدأت تغني. أدرك الزاهد أن الله يعلم نوايا وقلوب البشر وأنه لا ينسىهم أبداً. بهذه الوعي، قضى يومه في الشكر.