لتجنب الافتخار بعدم ارتكاب الذنوب، اعتبر هذا الاجتناب نعمة من الله بدلاً من الإعجاب بالنفس، وتجنب الغرور. انظر لنفسك دائمًا كمن هو بحاجة إلى الفضل الإلهي، وكأنك في جهاد مستمر مع نفسك، وركز على النية الخالصة والشكر.
سؤالك عميق جدًا ويتناول جانبًا من أدق جوانب تزكية النفس في الإسلام: ألا وهو مكافحة آفة "العُجب" والغرور. إن اجتناب الذنوب عمل محمود جدًا ويستحق الثناء، ولكن إذا كان هذا الاجتناب مصحوبًا بمشاعر التفوق، أو الكبر، أو الثناء على النفس، فإنه يمكن أن يتحول هو نفسه إلى ذنب أعظم، ويبطل أجر العمل الصالح. يقدم القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية إرشادات واضحة ودقيقة لمنع الوقوع في فخ هذا الافتخار والغرور بالنفس. 1. كل شيء بفضل الله: جذر التواضع النقطة الأولى والأكثر أهمية التي يؤكد عليها القرآن مرارًا هي أن كل خير وفضل يصل إلى الإنسان، وكل توفيق يحصل عليه في أداء الطاعات واجتناب المحرمات، هو بفضل الله ورحمته الكاملة، وليس بقوة الشخص أو ذكائه الخاص. هذا الفكر يشكل أساس التواضع الحقيقي. عندما يصل الإنسان إلى هذا اليقين العميق بأنه لولا عون الله لما استطاع أن يقاوم الوساوس أو يميز الطريق الصحيح، فلا يبقى مكان لافتخار بالنفس. يقول الله تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾ (النجم، الآية 32). أي: "فلا تنسبوا إلى أنفسكم الزكاء والطهارة، ولا تمدحوها؛ فالله أعلم بمن اتقى، وعمل بما يرضيه". هذه الآية تحذر الإنسان مباشرة من أن يفتخر بقداسة نفسه أو كمالها، أو أن يعتبر نفسه أفضل من الآخرين. الله أعلم بمن هو حقاً متقٍ، وهو يعلم النوايا. إن الشعور بأن "أنا لا أذنب" هو في حقيقة الأمر تزكية للنفس نهى القرآن عنها. هذا الفهم، بأن كل نجاح في تجنب الذنب هو هبة إلهية وليست مجرد إنجاز شخصي، هو مفتاح الهروب من فخ العُجب. المؤمن الحقيقي يرى نفسه دائمًا بحاجة إلى الفضل الإلهي ويعلم أنه بدون هداية الله وعونه، لا يمكنه أن يخطو خطوة واحدة في الطريق الصحيح. هذا اليقين يجتث جذور الكبر والعُجب بالنفس من قلب الإنسان، ويبقيه دائمًا على درب الشكر والتواضع. 2. أن نكون دائمًا واعين بنقاط ضعفنا ووساوس النفس: فهم طبيعة الإنسان الإنسان كائن ضعيف يتعرض دائمًا لوساوس النفس الأمارة بالسوء والشيطان. حتى الأنبياء والأولياء، على الرغم من مكانتهم العالية، كانوا يستعيذون بالله من شر النفس والشيطان ولم يعتبروا أنفسهم معصومين من الخطأ. قال النبي يوسف عليه السلام، على الرغم من كل عصمته وطهارته: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (يوسف، الآية 53). أي: "وما أبرئ نفسي وأبرئها من الخطأ؛ فإن النفس لكثيرة الأمر بالسوء، إلا نفسًا رحمها الله فعصمها. إن ربي غفورٌ لذنوب من تاب إليه، رحيمٌ بعباده". هذه الآية دليل واضح على أنه حتى في أوج الروحانية، يجب أن يخشى الإنسان من نفسه وأن يعتمد دائمًا على لطف الله ورحمته. إن اجتناب الذنب ليس نجاحًا دائمًا ومضمونًا، بل هو جهاد مستمر. في كل لحظة، قد يقع الإنسان في زلل نتيجة الغفلة أو الوسوسة أو الابتلاء الإلهي. هذه البصيرة تمنع الشعور بالغرور الكاذب. يجب علينا دائمًا أن نخشى عواقب أعمالنا وأن نسأل الله أن يثبتنا. هذا الفهم لطبيعة النفس، التي تميل بطبيعتها إلى الميول السلبية ما لم تسيطر عليها الرحمة الإلهية، يمنع العُجب بالنفس. كل لحظة من الصراع ضد النفس هي تذكير بحاجتنا الدائمة إلى عون الله وحمايته، ولا تترك مجالًا للكبر. 3. التركيز على النية الخالصة لا على الفعل الظاهر: الباطن أهم من الظاهر عادة ما ينبع الافتخار بعدم ارتكاب الذنوب من مقارنة المرء لنفسه بالآخرين، أو من التركيز المفرط على المظهر الخارجي للعمل. بينما ينظر الله إلى الباطن والنوايا. قد لا يرتكب شخص ما ذنبًا ظاهريًا، لكنه يحمل في قلبه حسدًا، أو كبرًا، أو رياءً، أو غيرها من الرذائل الأخلاقية التي قد تكون أخطر بكثير من العديد من الذنوب الظاهرة. يقول القرآن الكريم في سورة لقمان، الآية 18: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. أي: "ولا تُعْرض بوجهك عن الناس تكبُّرًا عليهم، ولا تمش في الأرض متفاخرًا مغرورًا، فإن الله لا يحب كل متكبر فخور بنفسه وبما عنده". هذه الآية تذم الغرور والعُجب بالنفس مباشرة، حتى لو كانت ناتجة عن أعمال صالحة. يجب أن يكون الشخص المتجنب للذنوب متواضعًا وأن يقوم بأعماله فقط ابتغاء مرضات الله، وليس لكسب ثناء الناس أو الشعور بالتفوق. النية الخالصة، أي أداء العمل لله لا لجذب الانتباه أو الثناء على الذات، تخلق حاجزًا قويًا ضد تسلل آفة العُجب. عندما يكون الهدف الوحيد هو رضا المولى، فلن ننظر إلى ثناء الآخرين أو نفتخر بأنفسنا بعد ذلك. 4. الشكر بدلاً من الافتخار: تغيير زاوية الرؤية بدلاً من أن نفتخر بأنفسنا لعدم ارتكابنا ذنبًا، يجب أن نشكر الله تعالى الذي عصمنا من ذلك الذنب ووفقنا لامتناعه. هذا التغيير في زاوية الرؤية أمر بالغ الأهمية. عندما يحل الشكر محل الافتخار، يدرك الإنسان أن هذه القدرة والطهارة هي نعمة من الرب يجب أن يشكر عليها، لا مصدر للغرور. الشكر يقوي علاقة الإنسان بالخالق وينقذه من الوقوع في فخ العُجب. بقول "الحمد لله" على كل توفيق في اجتناب الذنب، نتذكر أن هذه القوة ليست منا، بل منه. وجهة النظر هذه لا تمنح الإنسان السلام فحسب، بل تجعله أكثر ثباتًا على طريق العبودية الخالصة. في كل مرة نتجنب فيها ذنبًا، يجب أن نرى ذلك رحمة من الله حفظنا بها من تلك القذارة، وليس من قوتنا الذاتية. هذا الشعور بالشكر يمنع تلقائيًا أي شكل من أشكال الغرور. 5. التركيز على الإصلاح الدائم والتوبة المستمرة: لم نصل إلى الكمال أبدًا حتى لو اجتنب شخص ما الكبائر، فقد يظل متورطًا في الصغائر، أو الأخطاء الفكرية، أو الزلات اللفظية. لا يوجد إنسان بلا عيب. المؤمن الحقيقي دائمًا في حالة مراقبة للنفس، ومحاسبة للأعمال، وتوبة واستغفار. هذه الحالة الدائمة من النقد الذاتي البناء والعودة إلى الله لا تسمح للشخص بأن يعتبر نفسه كاملاً ويفتخر بعدم اركاب الذنوب. إنه يعلم أنه في كل لحظة محتاج لرحمة الله ومغفرته. هذه التوبة والاستغفار المستمرين، حتى للذنوب التي قد لا تبدو واضحة، تبقي الإنسان في حالة من التواضع. هذه العملية التي لا نهاية لها من تحسين الذات تشهد على أن طريق الكمال لا نهاية له، ودائما هناك مجال للتقدم والإصلاح. من يرى نفسه في حالة دائمة من التوبة والاستغفار، لا يجد فرصة أبدًا ليفتخر "بعدم الوقوع" في الذنب، بل يظل دائمًا مركزًا على "الاقتراب" من الله. 6. رؤية عيوبك وفضائل الآخرين: تجنب الحكم والمقارنة يقول الشيخ البهائي في نصيحة مشهورة: "لتجنب العُجب، هناك ثلاث طرق: انظر إلى عيوبك، وانظر إلى فضائل الآخرين، وانظر إلى عظمة الله." هذه النصيحة تعبر بجمال عن الجذور العملية للتواضع. عندما يركز الإنسان بدلاً من التركيز على "عدم ارتكاب الذنب" لنفسه، على عيوبه ونقاط ضعفه، وفي الوقت نفسه ينظر إلى حسنات الآخرين وربما جهودهم الخفية التي لا نراها، فلا يبقى مكان للمفاخرة. إن الحكم على الآخرين والشعور بالتفوق عليهم هو بحد ذاته علامة على الكبر. يعلمنا الإسلام ألا نعتبر أنفسنا أبدًا أفضل من الآخرين، لأننا لا نعرف مصيرنا ومصير الآخرين. ربما العاصي الذي نراه اليوم يتوب غدًا ويصبح أحب إلى الله منا، وربما العابد الذي يبدو تقيًا يقع في الغرور ويسقط من عين الله. وجهة النظر هذه تجعل الإنسان يركز دائمًا على تحسين ذاته بدلاً من المقارنة بالآخرين. 7. الهدف هو رضا الله لا رضا النفس: الدافع الإلهي في النهاية، النقطة الأكثر أهمية هي أن الهدف من اجتناب الذنوب هو ابتغاء مرضات الله وحده. عندما يكون الدافع الأساسي للإنسان هو حب الله والخوف من غضبه، فلا يبقى مجال لافتخار بالنفس. لقد أدى الإنسان واجبه فقط ويطلب الأجر من الله عليه، بدلاً من أن يعتبر نفسه له حق أو أنه متفوق. هذا النهج ينقذ الإنسان من فخ "الرياء" و "العُجب"، ويطهر أعماله من أي شائبة للغرور بالنفس. لنتذكر دائمًا قول الله تعالى: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (الشمس، الآية 10)؛ "وقد خسر من أخفى نفسه الطاهرة بملوثات الذنوب، وأخفى معالم هداها بمعاصيها". إن نقاء النفس الحقيقي ليس في عدم ارتكاب الذنوب (وهو أمر مرغوب فيه بالطبع)، بل في تطهير القلب من الغرور والعُجب والخضوع التام للإرادة الإلهية. لذلك، لنعتبر عدم ارتكاب الذنب نعمة من الرب، ولنطلب منه دائمًا بتواضع العون والثبات على هذا الطريق. هذا هو طريق النمو الروحي الحقيقي والوصول إلى السلام الحقيقي في مسيرة العبودية لله.
يُحكى أن رجلاً صالحًا كان دائمًا يجتنب الذنوب، وكان الناس يثنون عليه لهذه الخصلة. وكلما تحدث أحدهم عن ذنب، نظر الرجل الصالح بغطرسة، معتبرًا نفسه منزهًا، وكان يفتخر بنفسه سرًا. ذات يوم، في مجلس، رآه درويش طاعن في السن، كان ذا معرفة عميقة، مطرق الرأس يتأمل في أعماله. اقترب الدرويش وقال: «يا فتى، الشجرة التي تثمر فواكه حلوة تخفض رأسها وتتدلى أغصانها. أما الشجرة العاقر فترفع رأسها بفخر نحو السماء. التواضع هو زينة العباد الصالحين، والافتخار آفة الكمال. فكم من مذنب بلغ مقامًا بتوبة صادقة لم يبلغه العابدون المتكبرون قط. ألم تسمع أن إبليس، بعد آلاف السنين من العبادة، طُرد من الحضرة الإلهية لأنه رأى نفسه أفضل؟» فهم الرجل الصالح هذا القول العميق، وأدرك أن اجتناب الذنوب نعمة إلهية يجب شكرها، لا وسيلة للغرور والمفاخرة. ومنذ ذلك الحين، كلما راوده إغراء الافتخار بعدم ارتكاب الذنوب، تذكر تلك الشجرة المتواضعة والقول الحكيم، وخر ساجدًا شكرًا لله.