للاتصال بنور الله في اليأس، الجأ إلى الصبر والصلاة والذكر وتلاوة القرآن والتوكل على رحمته، مع إدراك أن مع العسر يسراً. اطمئن بذكر الله ولا تيأس من رحمته الواسعة.
في اللحظات الصعبة والميؤوس منها في الحياة، عندما نشعر بأننا غارقون في الظلام ولا يوجد مخرج واضح، فإن البحث عن النور الإلهي والاتصال به هو السبيل الوحيد للعلاج والسلام. القرآن الكريم، كتاب الهداية للمسلمين، مليء بالآيات التي لا تنهانا فقط عن اليأس، بل تُظهر لنا مسارات واضحة للعودة إلى الأمل والاتصال بمصدر الرحمة والنور اللامحدود، وهو الله تعالى. يمكن أن تكون جذور هذا اليأس متنوعة: فقدان الأحباء، الفشل المتكرر في الحياة الشخصية أو المهنية، الأمراض المستعصية، المشاكل المالية، أو حتى الشعور بالوحدة وضياع الهدف. لكن المهم هو أن نعلم أنه مهما بدت الحالة صعبة وقاسية، فإن نافذة نحو النور الإلهي مفتوحة دائمًا، ويمكننا إقامة هذا الاتصال من خلال خطوات محددة ومستوحاة من تعاليم القرآن الكريم. الخطوة الأولى والأكثر أهمية للاتصال بنور الله في اليأس هي تذكر قدرته المطلقة ورحمته اللامتناهية. يعرف الله تعالى نفسه في القرآن الكريم بأنه «نور السماوات والأرض». هذا البيان يجعلنا نفهم أن النور الإلهي ليس مجرد مفهوم مجرد، بل هو حقيقة شاملة وأبدية تشمل الوجود كله. لذلك، حتى في أوج الظلمات، هذا النور موجود، وعلينا أن نراه بعيون قلوبنا وأن نضع أنفسنا في مساره. لا ننسى أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد، وأنه يسمعنا دائمًا ويعلم حالنا. هذا الإيمان بحد ذاته يضيء أول شرارة أمل في القلوب اليائسة. أحد أهم الطرق لتحقيق هذا الاتصال هو «الصبر» و«الصلاة». في سورة البقرة، الآية 153، نقرأ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين). الصبر هنا يعني تحمل المصاعب برضا وتوكل على الله، وليس الخمول والتخلي عن الجهد. الصلاة، عمود الدين ومعراج المؤمن، هي فرصة للتواصل المباشر وبلا واسطة مع الخالق. في اليأس الشديد، يمكن أن تتحول الصلاة إلى ملاذ آمن يضع فيه الإنسان أعباء همومه ومخاوفه، ويلجأ إلى الحضرة الإلهية بقلب منكسر ولكنه مفعم بالأمل. السجود الطويل، والمناجاة الخالصة، والدموع المسكوبة في الخلوة مع الله، وكأنها تزيل صدأ اليأس من القلب وتفتح الطريق لدخول النور الإلهي. «ذكر الله» أو استحضاره الدائم، هو طريق آخر لإبقاء شعلة الأمل متقدة في القلب. في سورة الرعد، الآية 28، جاء: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). تكرار أسماء الله الحسنى، والتسبيح، والاستغفار، والحمد لله، كلها أمثلة على الذكر. هذه الأذكار لا تشغل اللسان فحسب، بل تدفع الروح والقلب نحو الله. عندما يجد القلب الطمأنينة في ذكر الله، لا يبقى مكان لليأس والقلق. يتغلغل النور الإلهي من خلال هذه الطمأنينة في عمق وجود الإنسان ويزيل الظلمات. قراءة آيات القرآن وتدبرها هي أيضًا من أقوى مصادر الاتصال بالنور الإلهي. القرآن شفاء لما في الصدور وهدى. عندما يغرق الإنسان في اليأس، يمكن أن تكون الآيات الإلهية كشعاع نور، تضيء الطريق وتجلب السكينة. اكتشاف الحكم الإلهية وراء البلايا والمشاكل، وفهم أن كل صعوبة يصاحبها حكمة، وأن «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرًا» (فإن مع العسر يسرا)، هي من ثمرات تدبر القرآن. هذا الفهم لا يمنح الإنسان الصبر فحسب، بل يقنعه بأن نور الله سيشرق بعد كل ظلام. نقطة مهمة أخرى، وهي اجتناب اليأس من رحمة الله. يقول تعالى في سورة الزمر، الآية 53: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم). هذه الآية تبين أن حتى أكثر الناس ذنباً لا ينبغي أن ييأسوا من رحمة الله، فما بالك بمن يسعى للاتصال بنوره في حالة اليأس. فتح باب القلب للاستغفار والتوبة، حتى لو لم يكن اليأس نتيجة لذنب، هو سبيل لإزالة العوائق وتسريع دخول النور الإلهي. أخيرًا، مساعدة الآخرين والقيام بالأعمال الصالحة يمكن أن تكون أيضًا بوابة إلى النور الإلهي. عندما يمد الإنسان في أوج يأسه يد العون للآخرين أو يساعدهم، فإنه يخرج نفسه من محور مشاكله، وتعود الطاقة الإيجابية والنورانية من مساعدة الآخرين إلى قلبه. لقد أكد الله مرارًا في القرآن على الإحسان والخير، ووعد بمكافأتهما. هذا العمل، بالإضافة إلى أجره الأخروي، يجلب السلام والأمل في هذه الدنيا، ويجعل الإنسان يدرك أنه على الرغم من الصعوبات، لا يزال بإمكانه أن يكون مصدر خير وصلاح، وهذا بحد ذاته مظهر من مظاهر النور الإلهي الذي يتجلى في وجود الإنسان. وهكذا، فإن الاتصال بنور الله في اليأس الشديد ليس حدثًا عشوائيًا، بل هو نتيجة لمسار واعٍ ومجتهد يتم بالسير على درب الإيمان، والصبر، والدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن، ومساعدة الآخرين. هذا المسار سيؤدي في النهاية إلى السلام الحقيقي والتحرر من ظلمات اليأس والقنوط.
يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك تاجر يمتلك ثروة طائلة، ولكن الأيام انقلبت عليه، وفقد كل ما يملك. غرق في حزن ويأس عميقين حتى لم يعد يطيق الحياة. وفي أحد الأيام، كان يسير في طريقه، ومن شدة قلقه، لم يكن يفكر إلا في حزنه. في تلك الأثناء، التقى بدرويش كانت له، رغم فقره الظاهر، هيئة نورانية ووجه وادع. تنهد التاجر عند رؤيته وشكا من سوء حظه. ابتسم الدرويش وقال: «يا أخي، لقد حبست نفسك في سجن اليأس، في حين أن مفتاح التحرر بين يديك. هذه الدنيا ليست دار جزاء، بل دار ابتلاء. أحزانك اليوم ليست سوى ستارة تخفي نور الأمل عن عينيك. قم وارفع يديك بالدعاء، وسلم قلبك للحق، فإنه ملاذ من لا ملاذ له، ومريح القلوب المتعبة. ألم تر كيف أن بعد كل ليل مظلم، يأتي فجر مشرق؟ فلا تيأس فإن نور الله معك دائمًا، عليك فقط أن تزيل حجب الغفلة.» أخذ التاجر العبرة من كلام الدرويش، وغسل اليأس من قلبه، وعاد متوكلاً على الله، فجد واجتهد، وما لبث أن دارت الأيام لصالحه، واستقر السلام في قلبه.