للاستلهام من القرآن، يجب التدبر العميق في آياته ثم تطبيق تعاليمه في كل جانب من جوانب الحياة، من الصبر في الشدائد إلى الإحسان للوالدين والشكر.
القرآن الكريم، هو كلام الله الخالد، ليس مجرد كتاب مقدس للتلاوة والعبادة، بل هو خارطة طريق شاملة وكاملة لجميع جوانب حياة الإنسان. الاستلهام من القرآن للحياة اليومية لا يعني مجرد قراءة آياته، بل يعني الفهم العميق، والتأمل في معانيه، ثم تطبيق تعاليمه في كل لحظة من لحظات الوجود. القرآن نور يضيء ظلمات الجهل والارتباك، ويمهد الطريق للسعادة في الدنيا والآخرة. للاستفادة القصوى من هذا المصدر الذي لا ينضب، يجب أن يكون لدينا نهج فعال ومتأمل. الخطوة الأولى في الاستلهام من القرآن هي "التدبر". التدبر يعني التفكير العميق في الآيات، متجاوزًا الترجمة الحرفية، والسعي لفهم الرسالة الكامنة وتطبيقها العملي في مواقف الحياة المختلفة. يقول الله تعالى في سورة ص، الآية 29: "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ". هذه الآية توضح بوضوح الهدف الرئيسي من نزول القرآن وهو التدبر ثم التذكر لأولي الألباب. كل آية يمكن أن تكون نافذة على حكم إلهية لا حصر لها، تجيب على أسئلتنا، وتحل مشاكلنا، وتريح قلوبنا في خضم صراعات الحياة اليومية. على سبيل المثال، عندما نواجه الصعوبات والتحديات، تذكرنا الآيات المتعلقة بالصبر والتوكل بأن الله مع الصابرين وأن كل محنة لها نهاية. هذه البصيرة لا تزيد من قدرتنا على مواجهة المشاكل فحسب، بل تغير نظرتنا إلى العقبات. في سورة البقرة، الآية 153، جاء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". هذه الآية توفر إرشادًا عمليًا لمواجهة الصعوبات: الصبر والتواصل مع الخالق. هذان الركيزتان الأساسيتان يمكن أن تساعدانا في أي موقف مرهق في الحياة اليومية. بالإضافة إلى التدبر، "العمل" بتعاليم القرآن أمر حيوي. فالقرآن مليء بالإرشادات الأخلاقية والاجتماعية التي، إذا طبقت في الحياة، لا تحول الحياة الفردية فحسب، بل تحسن العلاقات الاجتماعية أيضًا. الآيات التي تؤكد على الإحسان إلى الوالدين، ومراعاة حقوق الجيران، وتجنب الغيبة، والصدق، والأمانة، والعدل، يمكن أن تلهم سلوكياتنا اليومية. على سبيل المثال، في سورة الإسراء، الآية 23، يأمر الله: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..." وهذا إلهام عملي للتعامل اليومي مع الوالدين يمكن أن يملأ الحياة الأسرية بالبركة. القرآن أيضًا مصدر لـ "علم النفس الإيجابي". فالآيات المتعلقة بالشكر، والأمل، وتجنب اليأس، والعفو، يمكن أن تساعدنا في الحفاظ على نظرة إيجابية للحياة والتحرك نحو أهدافنا بروح أفضل. فهم أن كل خير وشر يصيبنا ينبع من الحكمة الإلهية يمنح الإنسان السكينة ويبعده عن اليأس. هذه البصيرة القرآنية تساعدنا في حياتنا اليومية على الصبر في الشدائد والشكر في النعم. لكي يبقى القرآن حاضرًا في حياتنا باستمرار، يمكننا وضع برامج معينة: تخصيص وقت محدد كل يوم لتلاوة الآيات والتدبر في معانيها، تدوين الملاحظات الملهمة، المشاركة في جلسات تفسير القرآن، والسعي لحفظ الآيات التي تتوافق أكثر مع روحنا واحتياجاتنا. كلما كان اتصالنا بالقرآن أعمق، زاد تأثيره على قراراتنا، وردود أفعالنا، وأسلوب حياتنا. في النهاية، يعلمنا القرآن أن الغرض من الخلق هو العبادة والوصول إلى قرب الله. هذه الرؤية تضفي معنى على جميع أنشطتنا اليومية وتحول حتى الأعمال العادية إلى عبادة، إذا تمت بنية إلهية وفي إطار رضاه. من أداء الواجبات المهنية بصدق وأمانة إلى مساعدة المحتاجين والابتسام للآخرين، كلها يمكن أن تكون مظاهر للاستلهام من القرآن، مما يجعل الحياة اليومية أكثر ثراءً ومعنى.
ورد في گلستان سعدي أن ملكًا سأل عن أحوال رعيته. فقالوا له: «الناس راضون عنك وينتفعون بعدلك.» فقال الملك: «هذا من فضل الله الذي أمال قلوب الناس إلى الحق.» ذات يوم، جاءه رجل حكيم شاكياً من صعوبات الحياة. فقال الملك: «أيها الرجل، من يسلم أمره لربه في حياته ويستلهم من حكمة كلامه، لن يصيبه اليأس أبدًا. المشاكل كالغيم الذي يمر، لكن شمس الحكمة الإلهية مشرقة دائمًا.» عند سماع هذا، استقر قلب الرجل الحكيم، وأدرك أن حل المشاكل ليس في الهروب منها، بل في اللجوء إلى مصدر الحكمة والصبر، تمامًا كما يعلمنا القرآن. فنظم حياته بناءً على هذه البصيرة القرآنية وسرعان ما ذاق طعم السكينة والرضا.