لفحص النية، يجب أن تتوافق أفعالنا مع مبادئ القرآن، لنتأكد من أن هدفنا الأساسي هو رضا الله، وليس كسب استحسان الناس. الإخلاص والتأمل الذاتي المستمر هما مفتاح النية الصافية.
في مدرسة الإسلام المانحة للحياة، تلعب النية دورًا محوريًا وحيويًا في تحديد قيمة وقبول أعمال الإنسان. يؤكد القرآن الكريم، هذا الكتاب الهادي، مرارًا وتكرارًا على الأهمية القصوى لصدق النية ونقاء القصد في جميع جوانب الحياة. فحص النية في مسيرة الحياة ليس مجرد توصية أخلاقية، بل هو ضرورة للنمو الروحي وضمان قبول الأعمال في محضر الله تعالى. تساعد هذه العملية من التأمل الذاتي والوعي الذاتي الإنسان على التحرر من فخ الرياء والتظاهر، وتركيز جميع جهوده فقط على كسب رضا الخالق. من المنظور القرآني، كل عمل، سواء كان عباديًا أو اجتماعيًا، يكتسب قيمته الحقيقية فقط عندما يؤدى بنية خالصة ولقصد وحيد هو السعي لمرضاة الله. بعبارة أخرى، تحول جودة النية الأفعال من مجرد حركات إلى عبادات ذات معنى وسامية. يقول الله تعالى في سورة البينة الآية 5: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ». هذه الآية تنص صراحة على أن محور الدين والعبادة هو الإخلاص؛ أي تطهير الأعمال من أي شكل من أشكال الشراكة أو الدافع غير الإلهي. هذا لا يقتصر على العبادات الخاصة، بل يشمل كل ما يفعله الإنسان في حياته، من الأعمال التجارية إلى العلاقات الاجتماعية والأسرية، وكل ذلك يمكن أن يتحول إلى عبادة بنية خالصة. لفحص نيتنا باستمرار في مسيرة الحياة، يجب علينا أولاً أن نفهم بعمق مفهوم الإخلاص. الإخلاص يعني أن لا يكون للإنسان أي غاية أو قصد سوى رضا الله تعالى. هذا لا يعني نفي أي رغبة في الشهرة أو الرياء أو السعي وراء المكاسب المادية. في الحقيقة، الإنسان المخلص هو الذي لا يختلف سلوكه في الخلوة عن سلوكه في العلن، ولا يهمه إن رآه الناس أو لم يروه، أو أثنوا عليه أو ذموه. هدفه الوحيد هو أن يقبل عمله الله. هذا ما أشير إليه في سورة الكهف الآية 110: «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا». هذه الآية توفر معيارًا ذهبيًا لفحص النية: إذا قمت بعمل صالح، فتأكد من عدم وجود أي شرك في نيتك مع الله - لا شريك من البشر ولا شريك من الدنيا ورغبات النفس. واحدة من أهم الخطوات في فحص النية هي التأمل الذاتي والمحاسبة المستمرة للنفس. قبل البدء بأي عمل، يجب على الشخص أن يسأل نفسه: «لماذا أفعل هذا؟» هل هو لرضا الله أم لجذب انتباه الآخرين؟ هل أسعى لثناء الناس أم للمكافأة الإلهية؟ هذه الأسئلة المتكررة تدفع الإنسان تدريجياً نحو تنقية النية وتطهير الذات. بعد أداء العمل أيضًا، مراجعة النية أمر ضروري. قد يبدأ العمل بنية خالصة، ولكن أثناءه، قد تدفع الوساوس النفسية والشيطانية الإنسان نحو الرياء. هنا يأتي دور التوبة والاستغفار الحيوي؛ التوبة من أي نية غير خالصة والعودة نحو الإخلاص. يؤكد القرآن الكريم في سورة الحج الآية 37 أيضًا على أن ما يصل إلى الله ليس مجرد ظواهر الأعمال، بل حقيقة النية والتقوى: «لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ۚ». هذه الآية توضح بجلاء أن الله يهتم بجوهر العمل، أي التقوى الكامنة في القلب والنية الخالصة، وليس مجرد حجمه أو شكله الظاهري. هذا معيار قوي لتقييم النية: هل عملي قد أُنجز بدافع التقوى والخوف من الله وحبه، أم لمجرد أداء طقس أو اكتساب مكانة؟ كذلك، لفحص النية، يمكن الاستفادة من الطرق العملية. على سبيل المثال، السعي لأداء الأعمال الصالحة سراً ودون علم الآخرين هو تمرين ممتاز لتقوية الإخلاص. عندما يقوم الإنسان بعمل صالح دون انتظار ثناء الناس، تصبح نيته أنقى. تجنب التحدث عن الأعمال الحسنة للآخرين، إلا في الحالات التي يكون الهدف فيها نشر الخير وليس التباهي، هو أيضًا فعال للغاية. الدعاء والتضرع إلى الله لطلب إخلاص النية والبعد عن الرياء هو أحد أقوى الأدوات. وقد ورد في الروايات أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يطلب من الله أن يحميه من الرياء الخفي. وهذا يدل على أن حتى أولياء الله اهتموا بهذه المسألة بشكل خاص وطلبوا المساعدة من الله. في الختام، فحص النية عملية مستمرة ودائمة تستمر طوال حياة الإنسان. النية هي كالقلب النابض للأعمال؛ إذا مرض القلب، فإن الجسد كله يمرض. لذلك، مستلهمين من آيات القرآن وتعاليم النبي (صلى الله عليه وسلم)، يجب أن نسعى باستمرار لتنقية النوايا ووضع الأهداف فقط لرضا الخالق. قد يكون هذا الطريق مليئًا بالتحديات، ولكن ثماره، أي سلام القلب في الدنيا والسعادة الأبدية في الآخرة، لا تقدر بثمن. في كل مرة تفحص فيها نيتك، فإنك في الواقع تمهد طريقك إلى الله وتضمن أن الهدف الرئيسي لا يُنسى في كل خطوة من حياتك.
يُروى أنه في الأزمنة القديمة، كان يعيش في المدينة رجل ورع وزاهد، اشتهر بتقواه وزهده. كان يذهب إلى المسجد كل يوم، يصلي بهدوء ووقار، ثم يساعد الآخرين. ذات يوم، قال له رجل عالم، مشهور بذكائه وفطنته: 'يا سيدي الكريم، أعمالك طيبة جدًا وتستحق الثناء، ولكن أخبرني، كيف تحافظ على هذا الإلاص والثبات في أعمالك؟' أجاب الدرويش بابتسامة دافئة: 'يا عزيزي، كلما فعلت شيئًا، أسأل نفسي: هل سأفعل هذا لو لم يرني أحد سوى الله؟ إذا كان الجواب نعم، أعلم أن نيتي خالصة ولرضا الخالق، لا لمدح المخلوق. هذا السؤال الصغير أصبح نوري الهادي، مما يسمح لي دائمًا بفحص نيتي في مسيرة الحياة والابتعاد عن الرياء.'