للتخلص من الحسرة الدنيوية ، يجب التركيز على الروحانية والقيم الإلهية مع الابتعاد عن التعلق بالماديات.
الحسرة والندم في ما يتعلق بالأمور الدنيوية هي من التحديات التي يواجهها العديد من الأفراد في حياتهم. إن الشعور بالندم يمكن أن يؤثر بشكل كبير على حياة الإنسان ويعيق تقدمه وعطائه. عندما ننظر حولنا، نجد أن العديد من الأشخاص يعانون من عدم الرضا تجاه ما حققوه أو ما لم يتمكنوا من تحقيقه في مجالات مختلفة مثل العمل، العلاقات، أو المال. لذا، من المهم أن نفهم كيف يمكن أن نواجه هذه المشاعر ونبحث عن طرق للتغلب عليها. القرآن الكريم يتحدث بإسهاب عن أهمية التركيز على القيم الروحية والأخلاقية، وهي بدورها عناصر حيوية يمكن أن تساعد الأفراد في التغلب على مشاعر الندم. في سورة آل عمران، يقول الله تعالى في الآية 185: "كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ...". هذه الآية تحمل في طياتها رسالة عميقة تذكّرنا بأن الحياة فانية وأن الوجود الحقيقي والمستمر يكمن في الآخرة. إن الاعتراف بأن الحياة قصيرة يمكن أن يساعد الأفراد على إعادة تقييم أولوياتهم وتوجيه طاقاتهم نحو ما هو أبعد من الجانب المادي. علاوة على ذلك، يشير القرآن في سورة التوبة، الآية 38، إلى ضرورة تعزيز الإيمان وأداء الأعمال الصالحة، مما يدل على ضرورة التفوق على الندم الدنيوي من خلال السلوك الحميد والاستقامة في العبادة. فعندما يتوجه الشخص نحو عبادة الله ويكرّس جهوده لأفعال إيجابية، فإن آلام الندم الدنيوي تتضاءل بشكل طبيعي. فلنتأمل في بعض الأمثلة؛ عندما يقوم الشخص بتعزيز العلاقات الإيجابية مع الآخرين، سواء كانت هذه العلاقات مع الأسرة، الأصدقاء، أو الزملاء، فإنه يبني شبكة دعم قوية تعزز من شعوره بالانتماء وتقلل مشاعر الوحدة والندم. فعلاقاتنا مع الآخرين هي من أفضل النعم التي يمكن أن ننعم بها، وتعمل على تعزيز سعادتنا الداخلية. كذلك، يمكن للأعمال الخيرية أن تلعب دورًا رئيسيًا في تخفيف مشاعر الندم. فعندما نتبنى سلوك العطاء ومساعدة الآخرين، نشعر عادة بالسعادة والرضا. فعندما نُعطي جزءًا من وقتنا أو مالنا لدعم القضايا الإنسانية أو لمساعدة المحتاجين، فإن ذلك يبث في نفوسنا شعورًا بالمعنى والهدف، والذي قد يساعد على محو أفكار الندم التي قد تطرأ في حياتنا. الشعور بالندم غالبًا ما ينطلق من التعلق بالماديات، وهو أمر طبيعي نظرًا لطبيعة حياتنا اليومية التي تدفعنا للتماهي مع الممتلكات ورغباتها. لكن، التخلي عن التعلق بالماديات ليس مفيدًا فحسب، بل يمكن أن يُشعر الشخص بالسعادة الداخلية والرضا. إن النقاط الثلاثة السالفة الذكر تعكس كيف يمكن للفرد أن يجد السعادة من خلال توصيل نفسه بقيم أعلى. وفي جوهر الأمر، يمكن القول بأن الإيمان بوعود الله واستخدام الوقت فيما ينفع هو السبيل لتقليل مشاعر الندم الدنيوي بشكل كبير. فكلما تمسكنا بمبادئ الإيمان، وجعلنا من الأعمال الصالحة هدفًا لنا، فإننا نبتعد عن دائرة الندم كثيرًا. هذا ويتطلب الأمر من كل فرد أن يسعى إلى تحقيق توازن بين متطلبات الحياة الدنيوية والرغبة في الوصول إلى الآخرة. قد يكون البحث عن النجاح المادي أمرًا مشروعًا، لكن إذا تم التركيز على الماديات على حساب الروحيات، يمكن أن ينتهي الأمر بالتسبب في الندم والحسرة. لذا، من المهم أن نتعلم كيف نُحقق أهدافنا وننخرط في الحياة الاجتماعية، مع الاحتفاظ بإيمان قوي وبذل المزيد من الجهد في الأعمال الصالحة. وفي النهاية، إن القيم الروحية والأخلاقية في حياة الإنسان هي التي تمنحنا القوة والصبر للتغلب على مشاعر الندم. إن التوجه نحو الإيمان والعمل الصالح هو ما يعيد لنا التوازن ويدفعنا نحو السعادة الحقيقية. إن الحياة ليست فقط حول تحقيق الأهداف الدنيوية، بل هي فرصة لبناء النفس والروح، مما يجعلهما يتطلّعان باستمرار نحو العلاء في الدارين. فلنستفد من وقتنا، ولنستخدمه في كل ما هو خير، ونسعى لتحقيق الرضا والسعادة في كافة جوانب حياتنا.
كان هناك رجل يُدعى أمير يفكر باستمرار في النعم الدنيوية ويعتبر فقدانها أكبر حسرة في حياته. في يوم من الأيام، كان يجلس بجوار البحر وينظر إلى السماء، اقتربت منه سيدة مسنّة وسألته: "لماذا أنت حزين جدًا؟" شارك أمير أحزانه معها. ابتسمت السيدة وقالت: "لا تنسَ أن الحياة الأبدية في الآخرة، أطلق سراح حزنك واذهب إلى القيام بأعمال صالحة." ظلت تلك الكلمات متمسكة بقلب أمير، وقرر من ذلك اليوم فصاعدًا أن يعمل فقط من أجل رضا الله.