للحفاظ على الحساسية تجاه الذنوب الصغيرة، يجب التحلي بالتقوى الإلهية وتذكر المحاسبة الدقيقة للأعمال يوم القيامة. كما أن التوبة والاستغفار الفوري بعد كل زلة، وتجنب الذنوب الخفية والظاهرة، يحافظان على يقظة الضمير.
الحساسية تجاه الذنوب، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، هي علامة على الإيمان العميق والتقوى الإلهية. القرآن الكريم، وإن لم يقدم قائمة مباشرة بالذنوب الصغائر والكبائر، فإنه يقدم من خلال تعاليمه العامة ومبادئه الأساسية إرشادات واضحة للحفاظ على هذه الحساسية وتقويتها. في المنظور القرآني، كل ذنب، حتى ما يبدو تافهاً في نظر الإنسان، هو نوع من التعدي على الأمر الإلهي وتجاوز للحدود التي وضعها الله. لذلك، فإن الحفاظ على الحساسية تجاه 'الصغائر' (الذنوب الصغيرة) له أهمية خاصة، لأن الإهمال فيها قد يؤدي تدريجياً إلى ارتكاب 'الكبائر' (الذنوب الكبيرة) أو قد يظلم القلب ويضعف الإيمان مع مرور الوقت. يؤكد القرآن بشدة على مفاهيم مثل التقوى، التوبة، الاستغفار، ومحاسبة النفس، وكلها أدوات لزيادة هذه الحساسية. أحد أهم المفاهيم القرآنية المحورية التي تساعد في الحفاظ على الحساسية تجاه الذنوب، حتى أصغرها، هو مفهوم 'التقوى'. التقوى لا تعني مجرد الخوف من الله، بل تعني اليقظة والوعي الدائم بحضور الله ورعاية حدوده وأحكامه في كل لحظة من الحياة. الشخص المتقي يرى الله حاضراً ورقيباً في كل فعل وقول، وهذا الإدراك نفسه يمنعه من أي زلة، مهما كانت صغيرة. يأمر الله المؤمنين بالتقوى في آيات عديدة، لأن التقوى هي ضمان النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة. على سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية 197، يقول تعالى: "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ" (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ۚ واتقون يا أولي الألباب). هذه الآية تبين أن التقوى هي خير زاد لرحلة الحياة، وهذا الزاد يشمل الابتعاد عن جميع الذنوب، سواء كانت صغيرة أو كبيرة. يؤكد القرآن أيضاً على حقيقة أن لا يغيب عن عين الله أي عمل، سواء كان خيراً أو شراً، وسوف يحاسب عليه في يوم القيامة. هذه الحقيقة وردت بوضوح في سورة الزلزلة، الآيتين 7 و 8: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾" (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ﴿٧﴾ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ﴿٨﴾). تقدم هاتان الآيتان صورة واضحة لدقة وعدالة الله في محاسبة الأعمال، وتعلمان الإنسان أنه لا يوجد عمل، مهما كان صغيراً، بلا أثر أو غفل عنه. عندما يدرك الإنسان أن نظرة محرمة، كلمة غيبة، فكرة شيطانية، أو لحظة إهمال لواجب، ستسجل في "كتاب أعماله"، فإنه يسعى جاهداً لتجنبها. طريقة أخرى للحفاظ على الحساسية هي 'التوبة' و'الاستغفار' الفوري بعد كل زلة. فالقرآن الكريم قد أبقى أبواب التوبة مفتوحة دائماً أمام العباد، داعياً إياهم إلى العودة وطلب المغفرة. في سورة آل عمران، الآية 135، يقول تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون). هذه الآية تبين أنه حتى بعد ارتكاب الذنب، سواء كان كبيراً أو صغيراً، فإن ذكر الله وطلب المغفرة الفوري يمنع بقاء أثر الذنب في الروح والقلب ويحافظ على حساسية الفرد. فالإصرار على الذنوب الصغيرة يحولها تدريجياً إلى ذنوب كبيرة ويجعل قلب الإنسان يتغافل عن قبحها. كما يؤكد القرآن على أهمية الابتعاد عن الذنوب، سواء كانت ظاهرة أو باطنة. ففي سورة الأنعام، الآية 120، نقرأ: "وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ" (وذروا ظاهر الإثم وباطنه ۚ إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون). هذه الآية توسع دائرة الذنب لتشمل جميع جوانب الحياة، من الأفكار والنوايا الخفية إلى الأفعال العلنية. هذا النهج يدفع بحساسية الفرد إلى طبقات أعمق من وجوده، ويلزمه بالابتعاد حتى عن الأفكار الخبيثة والوساوس الشيطانية التي قد لا تؤدي إلى فعل. الشيطان عادة ما يبدأ بإغراءات صغيرة وغير مهمة، وإذا تجاهلها الإنسان، فإنه يقوده تدريجياً نحو ذنوب أكبر. فالوعي بهذه "الخطوات الصغيرة" هو مفتاح حماية النفس من السقوط الكامل. باختصار، للحفاظ على الحساسية تجاه الذنوب الصغيرة، يقترح القرآن الطرق التالية: 1. التقوى الإلهية: تنمية حالة من الوعي الإلهي والرقابة الدائمة التي تجعل الإنسان يرى الله حاضراً ومراقباً في كل لحظة، وبالتالي يمتنع عن أي معصية، مهما كانت صغيرة. 2. تذكير المعاد وحساب الأعمال: تذكر أن كل ذرة عمل، خيراً كانت أو شراً، ستحاسب في يوم القيامة، هو دافع قوي لتجنب أي زلة. 3. التوبة والاستغفار الفوري: عدم الإصرار على الذنوب والعودة السريعة إلى الله بعد كل زلة، حتى أصغرها، ضروري لنقاء الروح والحفاظ على حساسية الضمير. 4. الابتعاد عن الذنوب الباطنة والظاهرة: الانتباه إلى أن الذنوب لا تقتصر على الأفعال الظاهرة فقط، بل تشمل أيضاً الأفكار والنوايا القلبية، مما يعمق حساسية الفرد. 5. المراقبة والمحاسبة الذاتية: التقييم المستمر لأعمال الفرد وأفكاره ومطابقتها مع التعاليم الإلهية يمنع الانحرافات الصغيرة. بالاعتماد على هذه المبادئ القرآنية، يمكن للفرد أن يحافظ على قلبه حياً وحساساً، حتى لا يحرفه أي ذنب، مهما بدا صغيراً في الظاهر، عن الصراط المستقيم لله. هذه عملية مستمرة تتطلب جهداً ويقظة دائمة.
يُروى أن رجلاً صالحاً وزاهداً كان يمشي ذات يوم في الصحراء، متأملاً في حال نفسه باستمرار. وهناك، رأى نملة تحمل حبة قمح على ظهرها، تجاهد لتوصلها إلى عشها. فكر الرجل في نفسه: "هذه النملة، مع أنها صغيرة وتافهة، لا تتوقف أبداً عن جهدها في جمع رزقها ولا تعتبر ذرة واحدة تافهة. فكيف لي أنا، الإنسان الذي يحمل مسؤوليات أكبر، أن أستخف بأي ذنب، مهما كان صغيراً؟" بهذه الفكرة، أشرق قلبه، ومنذ ذلك الحين، أظهر حساسية أكبر تجاه كل زلة، حتى أصغرها، وكان دائماً يسعى للاستغفار والتوبة. فقد أدرك أن قطرة قطرة المطر تكون السيول، وأن ذرة ذرة الذنب تكون جبل المعصية. هذه الحكاية تذكرنا بالنقطة المهمة أنه في طريق الكمال والسعادة، لا ينبغي إغفال أي عمل، صغيراً كان أو كبيراً، ويجب علينا دائماً أن نحرص على قلوبنا وأعمالنا.