كيف نواجه الإغراءات؟

يُعتبر الصبر والتقوى من القيم الأساسية التي ينطلق منها المؤمن في حياته اليومية. إن القرآن الكريم، ككتاب هداية للمسلمين، يسلط الضوء على أهمية هاتين القيمتين، حيث نرى أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالتحلي بالصبر والإلتزام بالتقوى كوسائل لتحقيق السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة. يُعد الصبر بمثابة حائط صد يقاوم به الإنسان مصاعب الحياة، بل هو الأساس المتين الذي يُبنى عليه كل سلوك إيجابي في مسيرة الفرد. إن معرفة ما يعنيه الصبر لا تقتصر على التحمل فحسب، بل تشمل أيضاً القدرة على التعامل مع الفشل والإخفاق وعدم التسرع في اتخاذ القرارات. يقول بعض الفلاسفة إن الصبر هو فن الانتظار. في هذا السياق، يُظهر القرآن الكريم في العديد من آياته كيف أن الصبر في الشدائد يُعدّ مفتاحاً لمنح الحياة طعماً ومعنى. أنواع الصبر عديدة، منها صبر المصابرة، وهو القدرة على الاستمرار في العمل والجهد بغض النظر عن التحديات. كما يتضمن الصبر القلبي، والذي يُظهر قدرة المؤمن على التحكم في مشاعره الداخلية والابتعاد عن اليأس والإحباط. ومن ذلك ما جاء في سورة البقرة، آية 153: 'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.' هنا، يُشير الله إلى أهمية الاعتماد على الصلاة كوسيلة لإيجاد القوة اللازمة للصبر. كما نجد أن الصلاة ليست مجرد طقوس تقام، بل هي صلة مباشرة بين العبد وربه. فعندما يتوجه المؤمن إلى الله، يجد السكينة في قلبه، مما يساعده على تجاوز الصعوبات. إن الصلاة هي عبارة عن ملاذ روحي يفتح الأبواب لنا ويمنحنا الطمأنينة في أوقات الأزمات. إن اللجوء إلى الله بالدعاء والصلاة يُعتبر وسيلة للتخفيف من الأثقال التي نحملها في قلوبنا. الأكاذيب الحياتية قد تأخذنا إلى الزاوية، لكن الصلاة والتحلي بالصبر يمنحاننا القوة لنخرج من تلك الزاوية. لكن! ماذا عن التقوى؟ إن التقوى تتجاوز مفهوم الخوف من الله إلى حالة من التفاعل والارتباط القلبي به. فهو شعور يعكس مدى قرب الإنسان من خالقه، ويبدد مخاوفه ويقوي عزيمته. لقد بيّن الله في سورة آل عمران، في الآية 200، أنه يجب علينا أن 'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَاقِبُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.' إن هذه الآية تدفعنا ليس فقط للصبر الفردي بل للتعاون ومساندة بعضنا البعض كجماعة. فهي تبرز أهمية الروابط الاجتماعية في الإيمان والدين. في سياق تعزيز التقوى والصبر، نجد أن علينا اختيار المحيط الذي نتواجد فيه بعناية. ليس من الصعب أن نرى كيف يؤثر الحشد من حولنا على تصرفاتنا وأفكارنا. إن وجود الأصدقاء والأحباء الذين يشجعوننا على الالتزام بالقيم الدينية يعكس مدى قوة العلاقات التي نبنيها. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: 'مرافقة الرجال الصالحين تصنع الإنسان الطيب.' هذه الكلمات تلخص خلاصة تأثير العلاقات الإيجابية على النفس الإنسانية. وعليه يمكن القول أن البيئة المحيطة تعمل كعامل محفز للنمو الروحي مستدام. إن تعزيز القيم الإسلامية ليس بالأمر السهل، ولكن من المهم أن ننظر إلى كيفية تطبيق ذلك في حياتنا اليومية. قد يتطلب الأمر منا تخصيص أوقات للصلاة، والتأمل في القرآن، وممارسة الذكر. كذلك من المهم أن نحدد مجموعة من القيم التي نريد تعزيزها في أنفسنا ونراجع أنفسنا بانتظام لنكون على المسار الصحيح. إن الصعوبات التي تواجهنا في الحياة ليست إلا اختبارات تقربنا من الله لو أحسنا التعامل معها. من خلال تطبيق الصبر والتقوى، نتعلم كيف نتعامل مع الأزمات بشكل ذكي. في أوقات الشدة، يكون الصبر هو السبيل لنمو الذات وبلوغ النجاح. يقول الله سبحانه وتعالى: 'إن مع العسر يسرا'، مما يذكرنا بأن الله قد خلق لنا الأوقات الصعبة كمراحل للفحص والاختبار، وأنه سوف يمنحنا الفرج قريبًا بإذنه. إن هذه الرسالة تدعونا دائماً إلى التفاؤل، وأن نؤمن بأن الأمور ستتحسن بإذن الله. في نهاية المطاف، يُتوقع منا كمسلمين أن نبذل الجهد لتعزيز علاقتنا بالله، والعمل بجد لتحقيق قيمتي الصبر والتقوى في كل جوانب حياتنا. إن وجود هذه القيم في حياتنا ليس بالأمر السهل، ولكنه بالتأكيد يستحق كل جهد نبذله. إذ أنه مع كل خطوة نتخذها باتجاه التعلق بالله، نكون أكثر قدرة على مواجهة مُغريات الحياة ونكون في طريق النجاح في الدنيا والآخرة. إن الصبر والتقوى هما دليلا النجاح في جميع المجالات، سواء كانت اجتماعية أو مهنية أو روحية، لذا ينبغي أن تكون هذه القيم محور حياتنا اليومية.