لمقاومة اليأس، آمنوا برحمة الله الواسعة ولا تيأسوا منه أبداً، فالقنوط ذنب عظيم. استعينوا بالصبر والصلاة والتوكل على الله، واعلموا أن مع العسر يسراً، فالله دوماً مع عباده الصابرين الراجين.
اليأس آفة خفية وسم زعاف للروح البشرية، يمكن أن يعيق الإنسان عن الحركة، والسعي، والأمل في المستقبل. في تعاليم القرآن الكريم النقية، يحتل الثبات أمام اليأس وتنمية روح الأمل مكانة عالية جداً. فالقرآن صراحةً يعتبر اليأس والقنوط من رحمة الله ذنباً كبيراً وصفة من صفات الكافرين. هذه المسألة ليست مجرد توصية أخلاقية، بل هي مبدأ اعتقادي يشكل أساس إيمان المؤمن. وقد أكد الله تعالى مراراً وتكراراً في كتابه لعباده أن رحمته واسعة، وأنه لا ينبغي لهم أبداً أن ييأسوا منها. من أقوى الآيات في هذا الصدد قول الله تعالى في سورة يوسف، الآية 87: «وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ». هذه الآية تعد اليأس صراحةً من صفات الكافرين وتحذر المؤمنين من الوقوع في هذا الهاوية. لأن اليأس، في الواقع، يعني عدم الثقة في قدرة الله وحكمته ولطفه، وهذا يتنافى مع روح التوحيد والإيمان. كما في سورة الزمر، الآية 53، يخاطب الله عباده المذنبين بلهجة مليئة بالمحبة والأمل: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». هذه الآية لا ترفض اليأس من مغفرة الذنوب فحسب، بل تحمل رسالة أوسع بأن لا ينبغي لأي إنسان أن ييأس من رحمة الله وفضله تحت أي ظرف من الظروف، سواء كان ذلك بسبب ذنوبه أو بسبب مشاكله ومصائبه في الحياة. فالله في كل الأحوال غفور رحيم، وباب التوبة والعودة إليه مفتوح دائماً. وللثبات العملي أمام اليأس، يقدم القرآن أيضاً حلولاً عملية. الحل الأول والأهم هو «الصبر». فالصبر في القرآن يعني التحمل والمقاومة النشطة في مواجهة الصعوبات، لا الخمول والسكون. في سورة البقرة، الآية 153 نقرأ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ». الصبر هو جسر للعبور من الصعوبات والوصول إلى الفرج. وصحبة الله للصابرين تبشر بالنصر النهائي. هذا الصبر يكتمل بالـ «صلاة» و«الدعاء». الصلاة هي اتصال مباشر مع الخالق، والدعاء هو التعبير عن العجز والحاجة إلى بابه. وهذان هما مصدر عظيم للسكينة والقوة الروحية التي تبعث الروح المتعبة واليائسة حياة جديدة. فعندما يطمئن قلب الإنسان بذكر الله، لا يجد اليأس مكاناً له. «التوكل على الله» هو ركيزة أساسية أخرى في مكافحة اليأس. التوكل يعني أن الإنسان بعد بذل قصارى جهده وتدبيره، يفوض الأمر لله ويثق في حكمته. نعلم أن جميع الأمور بيده، وهو خير المدبرين. هذا الشعور بالثقة يرفع الحمل الثقيل من القلق والاضطراب عن كاهل الإنسان ويملأه بالسكينة والطمأنينة. فالحياة الدنيا مليئة بالابتلاءات والاختبارات؛ أحياناً بالفقر، وأحياناً بالمرض، وأحياناً بفقدان الأحباء، وأحياناً بالفشل. لكن القرآن يعلمنا أن هذه كلها مؤقتة ولها هدف أسمى. سورة الشرح تقول بلهجة مطمئنة: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا». تكررت هذه الآية مرتين لتأكيد حتمية هذا الوعد الإلهي. فالمصاعب زائلة ويتبعها الفرج. هذا الوعد هو نور في ظلام اليأس. علاوة على ذلك، فإن «تذكر نعم الله» و«الشكر» يمكن أن يكونا فعالين في دفع اليأس. ففي بعض الأحيان، يغرق الإنسان في المشاكل وينسى آلاف النعم الموجودة في حياته. الانتباه إلى الصحة، والأسرة، والأصدقاء، والأمن، وجميع النعم التي وهبها الله لنا، يمكن أن يغير نظرتنا ويحل محل اليأس إحساساً بالأمل والشكر. إجمالاً، طريق الثبات أمام اليأس هو طريق يبدأ من قلب الإيمان، ويستمر بالصبر والسعي، ويتعزز بالدعاء والتوكل، وينتهي بالسكينة والرضا الإلهي. يجب ألا ننسى أبداً أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد، وهو دائماً مستعد للاستماع والمساعدة، شريطة أن نمد إليه يد الأمل ولا نيأس من رحمته. هذا المسار هو مسار مليء بالنور والأمل يحمي المؤمن من كل عواصف اليأس.
يُروى أنه في زمان ليس ببعيد، كان هناك تاجر مرموق يُدعى 'أمين' يعيش في أرض طيبة. كانت حياته تسير على ما يرام حتى فجأة، عصفت به عاصفة شديدة دمرت كل ممتلكاته، مما أغرقه في حزن ويأس لا حدود له. اعتزل أمين، يائساً ومحبطاً، الناس والأسواق. دعاه أصدقاؤه إلى الصبر والتوكل، لكنه لم يستطع أن ينهض. في أحد الأيام، جاء شيخ حكيم علم بحاله لزيارته وقال بلطف: «يا أمين، هل سمعت قصة الطائر المحبوس في القفص؟ بالرغم من أنه في القفص، إلا أنه لا ينسى متعة التحليق في السماء والتغريد في البساتين. إنه يفكر في اليوم الذي ستُفتح فيه أبواب القفص. حالك أنت كذلك؛ فبالرغم من أن عاصفة قد عصفت بك، فهل في هذا العالم سواك لم يرَ الحزن؟ تذكر أن ربك هو رب اليسر كما هو رب العسر. فلماذا تيأس من رحمته؟» تأثر أمين بسماع هذه الكلمات وفكر بعمق في رسالة الشيخ الحكيم. تذكر أن الله قد قال في القرآن إن مع العسر يسراً. ومنذ ذلك اليوم، بدأ أمين، بقلب مفعم بالأمل، في العمل والاجتهاد مرة أخرى، وبمساعدة الله، لم يستعد ممتلكاته المفقودة فحسب، بل تحول إلى إنسان آخر أدرك قيمة الأمل والتوكل في أصعب الظروف. وهكذا، تعلم أمين درس الحياة العظيم: أن اليأس فخ الشيطان، والأمل هو الجناح الذي يحمل الإنسان نحو السعادة.