للتوقف عن المقارنة، ركز على الشكر لنعمك، واعلم أن لكل شخص رزقًا وحكمة إلهية فريدة. بدلاً من الحسد، اسلك طريق تزكية النفس، وتفكر في القيمة الحقيقية للآخرة.
الميل إلى مقارنة أنفسنا بالآخرين هو سلوك إنساني متأصل بعمق، وغالبًا ما يغذيه الضغوط الاجتماعية، والتصوير الإعلامي، والرغبة الفطرية في التقييم الذاتي. في حين أن الشكل الصحي من المقارنة يمكن أن يحفز النمو الشخصي في بعض الأحيان، إلا أن المقارنة غير الصحية والمستمرة بنجاحات الآخرين المتصورة، أو ممتلكاتهم، أو صفاتهم، يمكن أن تؤدي إلى عدم رضا عميق، وحسد، وقلق، وشعور متضائل بقيمة الذات. الإسلام، من خلال تعاليم القرآن الكريم، يقدم إرشادًا عميقًا حول كيفية التغلب على هذه العادة الضارة، لتعزيز بدلاً من ذلك عقلية الامتنان والقناعة والتركيز على رحلة الفرد الروحية الفريدة. في صميم المنهج القرآني للمقارنة يكمن فهم الحكمة الإلهية وعدل الله في خلقه ورزقه. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الله هو العليم الحكيم، وأنه يوزع نعمه (الرزق) وابتلاءاته بين خلقه وفقًا لخطته الكاملة. يتم تذكيرنا بأن مسار كل فرد، ومواهبه، وظروفه فريدة من نوعها، وليست معيارًا يجب أن يُقاس الآخرون عليه. كما يقول الله في سورة النحل (الآية 71): «وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ»؛ وهذا يعترف صراحة بالاختلافات المتأصلة في النعم الدنيوية، ويعلمنا قبول هذا التنوع كجزء من تصميم الله. إن مقارنة نصيبنا بنصيب الآخرين، بالتالي، هو التشكيك ضمنيًا في حكمة الله وعدله، وهو ما يتناقض مع مفهوم التوحيد (وحدانية الله). الله هو الخالق والمدبر للكون، وكل ما في خلقه يقوم على حكمة بالغة ونظام دقيق. قبول هذه الحقيقة هو الخطوة الأولى نحو التحرر من فخ المقارنة. أحد الترياقات الأساسية لسم المقارنة هو تنمية الشكر (الشكر). يحث القرآن المؤمنين على أن يكونوا شاكرين دائمًا للنعم التي لا تُحصى التي تلقوها، سواء كانت ظاهرة أو خفية. عندما نركز على ما نملكه بدلاً من ما نفتقده أو ما يملكه الآخرون، يتحول منظورنا من الندرة إلى الوفرة. يقول الله في سورة إبراهيم (الآية 7): «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ». هذا الوعد يسلط الضوء على الفوائد الروحية والمادية للشكر. التأمل بانتظام في نعم الفرد الشخصية – الصحة، الأسرة، الإيمان، المعرفة، الفرص – يساعد على تقليل جاذبية ما قد يملكه الآخرون. إنه يعزز القناعة، وهي حالة من السلام الداخلي والرضا بقضاء الله. تساعد القناعة الإنسان على الشعور بالغنى والاكتفاء الذاتي في جميع الظروف، وتمنعه من تدهور حياته بالسعي وراء أشياء لا يملكها. علاوة على ذلك، يتناول القرآن مباشرة العاطفة السلبية المتمثلة في الحسد (الحسد)، وهي نتيجة مباشرة للمقارنة غير الصحية. الحسد مرض مدمر للقلب لا يستهلك الحاسد فحسب، بل يغضب الله أيضًا. في سورة النساء (الآية 32)، يقول الله بوضوح: «وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ». هذه الآية بمثابة نهي مباشر عن التمني أو الحسد على النعم الممنوحة للآخرين. بدلاً من تمني ما يملكه الآخرون، يشجعنا الإسلام على الدعاء لتحسين أحوالنا بوسائل مشروعة والفرح بنعم إخواننا وأخواتنا. يوصي القرآن أيضًا بالاستعاذة بالله من شر الحاسد، كما جاء في سورة الفلق (الآية 5): «وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ». وهذا يؤكد الطبيعة الخبيثة للحسد والحاجة إلى الحماية الإلهية منه. بدلاً من النظر إلى الخارج، يوجه القرآن تركيزنا إلى الداخل، مؤكدًا على التزكية الذاتية (تزكية النفس) والسعي لتكون أفضل نسخة من أنفسنا، في المقام الأول من أجل الله. إن مقياس نجاحنا الحقيقي ليس في التنافس مع الآخرين على المكاسب الدنيوية، بل في تقوانا (التقوى)، وأعمالنا الصالحة، وقربنا من الله. علم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): «انظروا إلى من هو أدنى منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم». هذا التوجيه النبوي، المتجذر في المبادئ القرآنية، يشجعنا على رؤية ظروفنا بامتنان من خلال ملاحظة من لديهم أقل، بدلاً من تنمية عدم الرضا من خلال ملاحظة من يبدو أن لديهم المزيد. إن المنافسة النهائية هي في المسارعة إلى الأعمال الصالحة والسعي لرضا الله، كما هو مذكور في سورة المائدة (الآية 48): «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ». هذا السباق الروحي فردي؛ إنه يتعلق بتجاوز حدود الفرد، وليس التفوق على الآخرين. علاوة على ذلك، فإن فهم الطبيعة العابرة لهذه الحياة الدنيا (الدنيا) مقارنة بـالآخرة الأبدية (الآخرة) أمر بالغ الأهمية. إن الكثير من المقارنات التي ننخرط فيها تدور حول الممتلكات المادية، أو المكانة، أو الإنجازات الدنيوية الزائلة. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا من الانخداع ببريق هذا العالم ويذكرنا بأن النجاح الحقيقي والمكافأة النهائية محجوزة للآخرة. يقول الله في سورة الكهف (الآية 46): «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا». عندما يكون هدفنا الأسمى هو إرضاء الله وتحقيق جنته، تصبح المزايا المؤقتة للآخرين في هذا العالم أقل أهمية. يوفر هذا التحول في المنظور سلامًا وحرية هائلين من دائرة المقارنة التي لا هوادة فيها. لتطبيق هذه التعاليم القرآنية عمليًا، يمكن للمرء أن: 1. يمارس الذكر اليومي (ذكر الله): تذكر الله ونعمه باستمرار يساعد على الحفاظ على عقلية الامتنان. 2. يؤدي الصلاة بانتظام (الصلاة): الصلاة هي اتصال مباشر مع الله، وتوفر العزاء والقوة، وتذكرنا بهدفنا. 3. يتأمل في خلق الله المتنوع: ملاحظة التنوع في الطبيعة والبشرية يمكن أن يعزز تقدير حكمة الله ويقلل من الرغبة في توحيد الجميع. 4. يقضي الوقت مع الأقل حظًا: يوفر هذا فحصًا قويًا للواقع ويعزز الامتنان لنعم الفرد. 5. يركز على النمو والأهداف الشخصية: يضع أهدافًا فردية وقابلة للقياس للتحسين الروحي والفكري والجسدي، بغض النظر عما يفعله الآخرون. 6. يطلب العلم: فهم التعاليم الإسلامية حول القناعة والحسد والقضاء الإلهي يساعد على ترسيخ هذه المفاهيم في القلب. في الختام، يتطلب التحرر من قيود المقارنة مع الآخرين تحولًا عميقًا في المنظور، متجذرًا بعمق في المبادئ القرآنية. إنه يستلزم تنمية الامتنان الصادق لأرزاق الله الفريدة، وتجنب الحسد بنشاط، والتركيز على رحلة الفرد الروحية، وفهم القيمة الحقيقية للآخرة على إغراءات الدنيا. من خلال تبني هذه التعاليم، يمكن للمؤمنين تحقيق السلام الداخلي، والقناعة، وعلاقة أقوى مع خالقهم، وعيش حياة هادفة ومرضية بعيدًا عن قلق التحقق الخارجي.
يُحكى أن درويشاً، على الرغم من فقره، كان يجلس في ركنٍ راضياً، ويقول بقلبٍ مطمئن: "يا ربي، ما لديّ يكفيني، ولا أطلب أكثر." فسأله رجل: "ألا تشعر بالحسد تجاه الأغنياء ومن يملكون المزيد من متاع الدنيا؟" فرد الدرويش بابتسامة لطيفة: "ما أملكه يسد حاجتي، وأولئك الذين لديهم ثروة عظيمة يحملون عبئاً ثقيلاً. لماذا أتمنى أن أحمل عبء الآخرين؟ أنا مرتاح من حملي." تعلمنا هذه الحكاية أن السعادة الحقيقية تكمن في القناعة، وليس في مقارنة ما نملك بما يملكه الآخرون.