لا، وفقاً لتعاليم القرآن، مجرد الوسوسة بالذنب، دون فعل أو نية قاطعة، لا تعتبر ذنباً. إنها اختبار إلهي، ومقاومتها تكسب الأجر والثواب.
في التعاليم النيرة للقرآن الكريم، تم توضيح الفروق الدقيقة بين النية والوسوسة والفعل بحكمة إلهية. والسؤال عما إذا كانت مجرد الوسوسة بالذنب، دون اتخاذ أي إجراء عملي، تُعدّ ذنباً في حد ذاتها، هو أمر محوري يمكن أن يجلب راحة البال ومنظوراً صحيحاً للمؤمن. من المنظور القرآني، الإجابة على هذا السؤال واضحة: لا، مجرد الوسوسة بالذنب، طالما أنها لا تؤدي إلى عزم قاطع أو فعل ملموس، لا تُعتبر ذنباً. وهذا بحد ذاته دليل على رحمة الله الواسعة بعباده. يشير القرآن الكريم، مصدر الهداية للبشرية، مراراً وتكراراً إلى دور الشيطان ووساوسه. فالشيطان، العدو اللدود للإنسان، يسعى بشتى الطرق ليصرفه عن المسار المستقيم. وتصوّر آيات عديدة هذه الوسوسة الشيطانية. على سبيل المثال، في سورة الناس (الآيات 4-6) يقول الله تعالى: «مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ». هذه الآيات توضح بجلاء أن الوسوسة هي قوة خارجية يلقيها الشيطان في قلب وعقل الإنسان. إن مجرد وجود هذه الوسوسة ليس جزءاً من جوهر البشرية، بل هو محاولة من العدو للانحراف. وبالتالي، فإن مجرد مرور هذه الوسوسة بذهن المرء لا يعني ارتكاب ذنب؛ بل هي اختبار وتحدٍ. علاوة على ذلك، في سورة الأعراف (الآيات 200-201)، يعلّمنا الله أيضاً كيفية مواجهة هذه الوساوس: «وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ». هذه الآيات تشير إلى أن وسوسة الشيطان هي حقيقة لا مفر منها ويواجهها الجميع، حتى المتقون. ولكن الاستجابة الصحيحة لها هي اللجوء إلى الله وذكره. لو كانت الوسوسة بحد ذاتها ذنباً، لكان الأمر بالاستعاذة وذكر الله بلا معنى. بل إن هذه الآيات تدل على أن الوسوسة نفسها ليست ذنباً، بل هي اختبار يقاس فيه رد فعل الإنسان. نقطة أساسية أخرى في هذا السياق هي مفهوم «النية» و«الفعل». في الإسلام، يُحتسب الذنب غالباً بناءً على «الفعل» أو «النية القاطعة لتنفيذ الفعل». أما الأفكار والخواطر العقلية العابرة التي تدخل الذهن دون إرادة الإنسان أو اختياره، ولا تصل إلى مرحلة اتخاذ القرار والتنفيذ، فلا تُحاسب عليها. هذا المبدأ ينبع من الرحمة والعدل الإلهيين، إذ إن العديد من الأفكار غير المرغوب فيها والمزعجة خارجة عن سيطرة الإنسان. في سورة البقرة، الآية 284، يقول الله تعالى: «لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». هذه الآية تسببت في البداية بقلق بين الصحابة، إذ بدت وكأنها تشير إلى أن حتى الأفكار القلبية ستُحاسب. لكن في الروايات والتفاسير الموثوقة، وبالنظر إلى الآية التي تليها (البقرة 2:286: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا...»)، وكذلك الآية التي تسبقها (2:285)، تم توضيح أن المقصود من المحاسبة على «ما في الأنفس» ليس الخواطر العابرة والوساوس غير المرادة، بل «القرارات القاطعة» و«النيات المستقرة» و«أفعال القلوب» (كالغل والحسد والرياء وما شابه) التي يوطّنها الإنسان في قلبه ويجعلها أساساً لأفعاله. في الواقع، ما يُحاسب عليه هو النية والعزم الذي يعقده الإنسان لارتكاب الذنب، وليس مجرد مرور الوسوسة بذهنه. فإذا وسوس له الشيطان ولكنه جاهدها في قلبه ولم يستسلم لها، فإنه لم يرتكب ذنباً فحسب، بل إنه خاض جهاد النفس في هذه المعركة وسيُثاب على ذلك. هذا الفهم للآيات القرآنية يتفق تماماً مع مفهومي العدل والرحمة الإلهيين. فالله لا يحاسب الإنسان على أمور خارجة عن نطاق إرادته وقدرته. الوسوسة غالباً ما تكون تحريضاً خارجياً قد لا يتمكن الإنسان من السيطرة عليه في البداية، ولكن قوة اختياره في الاستجابة لهذه الوسوسة هي المهمة. فهل يتجاهلها؟ هل يلجأ إلى الله؟ أم ينمّيها في قلبه ويوصلها إلى مرحلة القرار والفعل؟ طالما أن الإجابة هي الخياران الأولان، فلا يسجل ذنب. إذن، مجرد الوسوسة بالذنب ليست ذنباً في حد ذاتها، بل هي اختبار إلهي وجزء من الصراع الدائم للإنسان مع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء. هذه الوساوس يمكن أن تكون فرصاً للنمو الروحي، وتقوية الإيمان، وممارسة اللجوء إلى الله. فالمؤمن، بذكر الله والاستغفار، يمكنه السيطرة على هذه الوساوس ومنعها من أن تؤدي إلى أفعال ونوايا آثمة. إنها رحمة الله بنا أنه لا يعاقبنا على الأفكار غير المرغوبة، بل يحملنا مسؤولية اختياراتنا الواعية وأفعالنا. في النهاية، التركيز على مقاومة الوسوسة واختيار الطريق الصحيح سيؤدي إلى القرب من الله والمكافآت الأخروية. هذا الفهم القرآني يخفف العبء عن كاهل الإنسان ويمكّنه من مواجهة تحدياته الداخلية براحة أكبر، على أمل أنه مع كل مقاومة، يخطو خطوة نحو النقاء والقرب الإلهي.
يُروى أنه في العصور القديمة، عاش ناسك اشتهر بقناعته وضبط النفس. ذات يوم، بينما كان يسير بجانب نهر، رأى جوهرة ثمينة مكشوفة من الأرض. همست نفسه الأمارة بالسوء في أذنه أن يأخذ هذا الثراء وينجو من مصاعب الحياة. للحظة، توقف، واستقرت الوسوسة في قلبه. لكنه، الذي جاهد نفسه لسنوات، تذكر الله فوراً ولجأ إليه. علم أن هذه الوسوسة من الشيطان واختبار إلهي. فبسرعة أعرض عنها وقال: «يا إلهي، أنت تعلم ما يجول في قلبي، وأنا أستعيذ بك من أن تُحيدني هذه الوسوسة عن الصراط المستقيم.» ترك الجوهرة ومضى في سبيله، ومنذ ذلك الحين وجد سكينة أعمق في قلبه. أدرك أن الوسوسة ليست ذنباً، بل هي ميدان لإظهار الثبات والإيمان.