قد تنشأ المسافة عن العبادة من أسباب متعددة ولا تعني بالضرورة ضعف الإيمان؛ فقد تكون نتيجة لتحديات دنيوية وضغوط الحياة.
في القرآن الكريم، تُعتبر العبادة والاتصال بالله من الأعمدة الأساسية للإيمان، وهي الجوانب التي تُمثل جوهر حياة المسلم. فالإسلام لا يُنظر إليه كعقيدة فحسب، بل كنمط حياة يسير المؤمنون في اعتناقهم له. ولعبادة الله تعالى دور محوري في توجيه الإنسان إلى الطريق الصحيح، فتقرب المسلم إلى خالقه يملأ حياته بالسكينة والطمأنينة. إذ تُعد العبادة، حسب مفهوم الإسلام، وفقًا لما أقره الله ورسوله، الأداة التي تنأى بالناس عن الشكوك وتُقربهم إلى الله وتحفظهم من السقوط في براثن الشك والإحباط. إن العبادة لا تقتصر على الصلاة والصوم فقط، بل تشمل كل ما يُقرّب العبد إلى الله، سواء أكان ذلك بعمل الخير، إغاثة الملهوفين، أو تطوير النفس والإرتقاء بالروح. فهي حالة دائمة من الاتصال بالله، تسهم في تعزيز الإيمان وتجديد العقيدة. لكن، في عصرنا الحديث، يعاني الكثير من الناس من ضغوط الحياة والانشغالات اليومية التي قد تبعدهم عن ممارسة عباداتهم. فعلى سبيل المثال، الضغوط المتزايدة في العمل ومتطلبات الحياة الأسرية يمكن أن تُسبب انشغالًا كبيرًا، مما يُقلل من التركيز على العبادة. يتجلى ذلك بشكل واضح في سورة مريم، الآية 60، إذ يقول الله تعالى: 'وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ عَنْ سُهُولَةٍ عَدَانَ وَكَمَا جَعَلْنَاهُمْ فِي قَلَقٍ مَظَلِّمٍ'. تُبرز هذه الآية كيف يمكن أن تكون مشاغل الحياة عائقًا حقيقيًا أمام المؤمنين، فالفرص لضياع الصلوات وترك العبادات تزداد بزيادة الهموم. إن الحياة الحضرية تُظهر تنوعًا في الممارسات وأساليب المعيشة، لكنها تطرح تحديات جديدة على الأفراد. فالتكنولوجيا، على سبيل المثال، تُعتبر من أهم مبررات الانشغال المزمن، وتخلق بيئة من التشتت وعدم التركيز. فكثير من الناس يشعرون أن الوقت الذي يقضونه على الإنترنت أو في الأجهزة الحديثة يُقلل من فرصهم في العبادة. لذا يحاول البعض البحث عن طرق للعودة إلى العبادة والتقرب إلى الله، لكنهم قد يشعرون بالإحباط الشديد. من جهة أخرى، يجب أن ندرك أن البعد عن العبادة لا يعني بالضرورة فقدان الإيمان، بل قد يكون نتيجة للضغوط الحياتية التي تمنع الإنسانية من ممارسة عباداتهم بالشكل الصحيح. ففي سورة التوبة، الآية 108 يقول الله تعالى: 'الَّذِينَ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَحْصُنُوهُمْ وَأَعْلِمُوهُمْ مُؤْمِنَاً'. تؤكد هذه الآية أهمية النية وصدق القلب في العبادة، مما يدل على أنه حتى لو كان الشخص بعيدًا عن العبادة، فإنه يمكن له العودة والتقرب من الله عبر العمل الجاد والنوايا الحسنة. ومن الأمور الأساسية التي يجب التفكير فيها هي كيفية التعامل مع الأفراد الذين يشعرون بالإبعاد عن العبادة. ينبغي أن يكون هناك دعم مجتمعي ونفسي يساعد هؤلاء الأفراد على استعادة مكانتهم في عالم العبادات. فالأسرة تلعب دورًا محوريًا في تشجيع أفرادها على عباد الله، بل وفي ترسيخ القيم الدينية في نفوسهم. عندما نساعد الآخرين على العودة إلى العبادة، نُعبر عن الحب والدعم وليس الحكم. كل شخص لديه تحدياته وطريقته في البحث عن الإيمان، لذلك نحن بحاجة إلى فهم هذه المعاناة والبحث في سُبل تخفيف الضغوط. الفكرة الأساسية هنا هي دعم الشخص نفسيًا وجعلهم يشعرون بالقبول والتفهم. في النهاية، يجب أن ندرك أن العودة إلى العبادة ليست عملية مفاجئة بل تحتاج إلى جهود متكاملة ومستمرة. نحتاج جميعًا إلى التفكير بطريقة إيجابية، انطلاقًا من أهمية إنشاء روتين يومي يشمل الصلاة وتلاوة القرآن الكريم، إذ إن التقرب إلى الله لا يأتي بطرق مُعقدة، بل يمكن أن يحدث من خلال البساطة والنية السليمة. من المهم أن ندرك أن العبادات تأتي في أشكال عديدة، سواء كانت من خلال الصلاة، الذكر، أو حتى التأمل في آيات الله وخلقه. وعندما نسعى جميعًا إلى تحسين علاقتنا بالخالق، ينبغي أن نكون رحماء مع أنفسنا، فقد نمر بأوقات صعبة تشعرنا بالابتعاد. لذا لنحاول دائمًا أن نُذكر أنفسنا بأهمية العبادة، وأن نسعى لتحسين علاقتنا بجميع أشكالها. العبادة ليست مجرد طقوس، بل هي أسلوب حياة يعكس تواصلنا مع الله ورغبتنا في الابتعاد عن الملذات الزائلة. ولذلك، نأمل جميعًا أن تكون العبادة دافعًا قويًا يعيد لنا حيويتنا الروحية ويُقوي إيماننا الدائم.
كان الشيخ محمود جالسًا في المسجد يومًا ما عندما لاحظ شابًا يبدو عليه الحزن. لقد ابتعد عن العبادة، ملئ بالشكوك. برفق قال الشيخ: 'لا تنظر إلى مسافتك عن الله، ولكن انظر إلى النوم الذي أنت فيه، عالقًا في قبضة العالم. أبحث دائمًا عن العودة واطلب المغفرة. الله سيحتضنك دائمًا.' شعر الشاب بسلام كبير بهذه الكلمات وقرر العودة إلى العبادة.