المشاعر الطيبة الحقيقية التي تهدي الإنسان إلى الله والخير هي من لدنه سبحانه. لكن ليس كل شعور يبدو جيدًا، خاصة إذا أدى إلى الإثم أو الضرر، هو من عند الله، بل قد يكون وسوسة شيطان أو هوى نفس يتطلب التمييز بمعيار القرآن.
السؤال المطروح يعد من أعمق المسائل وأكثرها أهمية في فهم علاقة الإنسان بخالقه. للإجابة على هذا السؤال من منظور القرآن الكريم، يجب أن نصل إلى فهم شامل لمفهوم 'الخير' و'الشر'، والهداية الإلهية، والوساوس الشيطانية. يؤكد القرآن صراحة أن كل خير وبركة تصيب الإنسان هي من عند الله، ولكن يجب الانتباه إلى أن هذا الخير ليس بالضرورة يعني كل 'شعور جيد' عابر قد يختبره الإنسان في لحظة معينة. فبعض المشاعر التي تبدو جيدة في ظاهرها، قد تكون على المدى الطويل أو من الناحية الروحية، ضارة بالإنسان أو تنبع من مصدر آخر غير الإرادة الإلهية. في آيات القرآن، يُعرّف الله تعالى بصفته المصدر الأساسي والنهائي لكل خير وفضل. ففي سورة النساء، الآية 79، يقول الله سبحانه وتعالى: «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ»، وهذا يعني أن 'كل ما يصيبك من خير فمن الله، وما أصابك من شر فمن نفسك'. توضح هذه الآية بجلاء أن الحسنات، أي الخيرات، تنبع من المصدر الإلهي. وتشمل هذه 'الخيرات' المشاعر النقية، السكينة القلبية، المودة، الرحمة، الشعور بالرضا عن فعل الخير، لذة العبادة والشكر. على سبيل المثال، في سورة الروم، الآية 21، يقول الله: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، وهي تشير إلى السكينة والمودة والرحمة التي وضعها الله بين الزوجين؛ هذه أمثلة لمشاعر عميقة وإيجابية تُعد من آيات الله وفضله. بالإضافة إلى ذلك، فإن السعادة والفرح الناتجان عن الإيمان، والعمل الصالح، وذكر الله، هي من أمثلة الشعور الجيد الحقيقي الذي ينبع من الله. يقول الله في سورة يونس، الآية 58: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ»، وهذا يعني 'قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون'. تؤكد هذه الآية أن الفرح الحقيقي والقيم هو الذي ينشأ عن الفضل والرحمة الإلهية. ولكن المسألة تزداد تعقيدًا عندما نصل إلى المشاعر التي قد تمنح الإنسان شعورًا جيدًا ظاهريًا أو في لحظة ما، ولكن في الحقيقة قد تكون لها جذور شيطانية أو نفسية تؤدي إلى الفساد والضلال. يشير القرآن الكريم في مواضع عديدة إلى دور الشيطان في تزيين الأعمال القبيحة وإضلال الإنسان. فالشيطان بوساوسه يجعل الذنب والمعصية تبدوان جميلتين ومحببتين في نظر الإنسان. ففي سورة فاطر، الآية 6، يقول الله: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ»، وهذا يعني 'إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير'. هذا يشير إلى أن أي شعور جيد يقود الإنسان إلى معصية الله، أو الظلم، أو التكبر، أو الحسد، أو الشهوات المحرمة، حتى لو كان ممتعًا للنفس في تلك اللحظة، فإنه ليس من مصدر إلهي. بل هو خداع ووسوسة من الشيطان، وهدفه هو إبعاد الإنسان عن الصراط المستقيم. وكذلك، فإن النفس الأمارة بالسوء يمكن أن تكون مصدرًا لمشاعر خادعة. فقد تميل نفس الإنسان إلى اللذات العابرة والآثام، وتجد فيها شعورًا جيدًا. في سورة الزخرف، الآية 36، نقرأ: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ»، وهذا يعني 'ومن يعرض عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين'. توضح هذه الآية أن الابتعاد عن ذكر الله وعدم التمييز الصحيح يفتح الباب لتأثير الشيطان وتزيين الأفعال الخاطئة. إذًا، ما هو معيار التمييز بين الشعور الجيد الإلهي والشعور الجيد الشيطاني أو النفسي؟ المعيار هو توافق هذا الشعور ونتيجته مع التعاليم الإلهية. فإذا كان الشعور يؤدي إلى التقرب من الله، وزيادة الإيمان، والسكينة الحقيقية، والعمل الصالح، ومساعدة الآخرين، والسعي للعدل، والصدق، والتواضع، وغيرها من الفضائل الأخلاقية، فإن هذا الشعور الطيب هو من عند الله. أما إذا كان شعور ما (وإن بدا حلوًا في البداية) يؤدي إلى التكبر، أو الظلم، أو الذنب، أو الغفلة عن الله، أو عدم الرضا بالقدر، أو أي صفة مذمومة، فإن هذا الشعور من وسوسة الشيطان أو النفس الأمارة بالسوء، ويجب الابتعاد عنه. يجب على المؤمن أن يسعى دائمًا، مستعينًا بالله، باليقظة والتفكر، لتنقية قلبه حتى يتمكن من التمييز بين الإلهامات الرحمانية والوساوس الشيطانية. هذا التمييز حيوي ليس فقط للصحة النفسية والعاطفية للفرد، بل ولنموه الروحي وسعادته الأبدية. في الختام، كل شعور جيد يؤدي إلى خير الإنسان وصلاحه الحقيقي في الدنيا والآخرة، ويكون في سبيل مرضاة الله، هو من فضل وكرم الله الذي لا ينتهي.
في يوم من الأيام في شيراز، كان هناك تاجر ثري لكنه جشع، يشعر برضا وفخر كبيرين من عمله الذي كان يدر أرباحًا طائلة من خلال حيل غير مشروعة. في كل مرة تزداد ثروته، ينتابه شعور زائف بالسعادة، وكان يظن أن هذا من فضل الله. في نفس المدينة، كان هناك خباز مسن يكسب رزقه ويعيل أسرته بجهد كبير وعمل شريف. كان يواجه أحيانًا صعوبات في الحياة، لكن كل رغيف خبز يكسبه بنزاهة يجلب شعورًا بالسلام الحقيقي والبركة إلى قلبه، وكان ينام كل ليلة بقلب مطمئن. يقول سعدي: «اطلب الكيمياء في الطين الخام، لا في المال الحرام، وكن قنوعًا». مرت الأيام، وعصفت عواصف المصائب بقصر أحلام التاجر الجشع، فدفعته إلى هاوية الندم والحسرة، لأن أساس سعادته كان مبنيًا على سراب. أما الخباز، فعلى الرغم من بساطة حياته، كان يبدأ كل صباح بقلب هادئ ويقين راسخ بفضل الله، ولم يتركه الشعور الجيد الذي نبع من طهارة ورزقه الحلال أبدًا. هنا ندرك أن ليس كل شعور يبدو جيدًا هو من عند الله، بل الشعور الذي يقربنا من الحقيقة والسكينة والرضا الإلهي هو الشعور الإلهي النقي.