هل الإحسان المفرط مضر؟

الإحسان محمود في الإسلام، ولكن يجب أن يكون مصحوبًا بالحكمة والعدل والاعتدال. فالإحسان المفرط أو في غير محله الذي يؤدي إلى الضرر، أو ترويج الظلم، أو تجاهل الحقوق، يمكن أن يكون مضرًا ويتعارض مع التعاليم القرآنية.

إجابة القرآن

هل الإحسان المفرط مضر؟

في تعاليم القرآن الكريم الغنية والشاملة، يحتل الإحسان (الرحمة، البر) مكانة سامية للغاية، وهو صفة بارزة من صفات الله تعالى وسمة مميزة للمؤمنين. فالله تعالى يصف نفسه بـ«الرحمن الرحيم»، ووصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأنه «رحمة للعالمين». هذا يدل بوضوح على أن مبدأ الإحسان والشفقة ليس مجرد معتمد، بل يشكل أساس الإيمان والسلوك الإسلامي. ومع ذلك، يطرح السؤال: هل الإحسان «المفرط» يمكن أن يكون ضارًا؟ القرآن الكريم لا يستخدم مباشرة مصطلح «الإحسان المفرط»، ولكن من خلال التأكيد على مفاهيم أساسية مثل الاعتدال (الوسطية)، والحكمة، والعدل، وتجنب إلحاق الضرر بالنفس أو بالآخرين، يمكننا الإجابة على هذا السؤال. من منظور القرآن، كل فضيلة، حتى الإحسان، تصل إلى كمالها عندما تكون مصحوبة بالحكمة والعدل، ولا تتجاوز حدود الاعتدال. يأمر القرآن الكريم المؤمنين دائمًا بالسير على الطريق الوسط والاعتدال، وتجنب أي نوع من أنواع الإفراط أو التفريط. هذا المبدأ الذي هو مبدأ «الوسطية» يسري في جميع أبعاد حياة المسلم، من العبادات إلى المعاملات الاجتماعية. والإحسان ليس استثناءً من هذه القاعدة. فالإحسان الحقيقي هو الذي يتم في مكانه الصحيح، وبقدر مناسب، وبنية خالصة، ويؤدي إلى نمو وصلاح الفرد والمجتمع، وليس إلى الفساد والضرر. إذا كان الإحسان بدون مراعاة للحكمة وعواقبه، فإنه يمكن أن يؤدي إلى أضرار. على سبيل المثال، الإحسان إلى الظالم قد يؤدي إلى تقوية الظلم والاضطهاد، أو الإحسان في غير محله لشخص يستغله، قد يجعله أكثر ثباتًا في مساره الخاطئ ويمنحه الفرصة لإلحاق الضرر بنفسه أو بالآخرين. في مثل هذه الحالات، الإحسان غير المشروط، لا يكون مفيدًا فحسب، بل قد يكون ضارًا للشخص المحسن، وللشخص الذي يتلقى الإحسان، وحتى للمجتمع بأسره. هنا يبرز دور «الحكمة» و«العدل». يؤكد الله تعالى في القرآن على أهمية الحكمة تأكيدًا كبيرًا، ويقول: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا» (البقرة: 269). أي أن من أُوتي الحكمة فقد أُوتي خيرًا كثيرًا. والحكمة هنا تعني البصيرة، والفهم الصحيح، والقدرة على وضع كل شيء في موضعه. والإحسان بدون حكمة قد يتحول إلى سذاجة أو غفلة. فالشخص الحكيم يعرف متى يكون محسنًا، وكيف يحسن، وما هي الحدود التي يجب أن يراعيها حتى لا ينتهي إحسانه بضرر لنفسه أو للآخرين. في بعض الأحيان، لتحقيق الخير الحقيقي لشخص ما، قد يكون هناك حاجة إلى الحزم، والنهي عن المنكر، أو حتى مواجهة الأخطاء. هذا الحزم، في جوهره، يمكن أن ينبع من أعمق مستويات الإحسان، لأن هدفه هو الإصلاح والتوجيه، وليس مجرد الرضا اللحظي. على سبيل المثال، إذا لم يواجه الطفل أبدًا عواقب أفعاله بسبب الإحسان المفرط من الوالدين، وتمت تلبية جميع رغباته غير المعقولة، فإنه في النهاية لن ينشأ نشأة صحيحة، وسيكون هذا الإحسان ضارًا به على المدى الطويل. كذلك، يؤكد القرآن على أهمية «العدل» في جميع الأمور، فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» (النساء: 135). هذه الآية تظهر بوضوح أن الإحسان والعواطف تجاه الأقارب لا ينبغي أن يتقدم على العدل. إذا كان الإحسان المفرط يعني تجاهل حقوق الآخرين، أو عدم تطبيق العدالة، أو دعم الباطل، فإنه مذموم بالتأكيد ويمكن أن يسبب ضررًا كبيرًا للمجتمع ولنظامه الأخلاقي. فالمجتمع الذي يتغاضى فيه عن تطبيق القوانين والعدالة باسم الإحسان، سرعان ما يتدهور. لذلك، يجب أن يتم الإحسان في إطار العدل والإنصاف. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن الكريم على عدم المساعدة في الإثم والعدوان: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (المائدة: 2). هذه الآية توضح بجلاء أن مساعدتنا ودعمنا يجب أن يكون دائمًا في سبيل الخير والصلاح. إذا كان إحساننا، وإن كان بنية حسنة، يؤدي إلى مساعدة المذنب في ذنبه أو مساعدة الظالم في ظلمه، فإن هذا الإحسان ليس صحيحًا فحسب، بل هو مثال على التعاون في الإثم. في هذه الحالة، يمكن أن يسهم الإحسان المفرط، أو الأصح أن نقول الإحسان في غير محله وبدون بصيرة، في انتشار الفساد والظلم في المجتمع. أخيرًا، المفهوم العام «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»، وهو من أصول الفقه الإسلامي ومستمد من روح آيات القرآن، يؤكد على أن أي فعل، حتى لو بدا حسنًا، إذا أدى إلى ضرر أو خسارة، فإنه مرفوض. لذلك، تكتسب الرحمة قيمتها الكاملة فقط عندما تكون مصحوبة بالذكاء والبصيرة والعدل ومراعاة المبادئ الإلهية. الإحسان الحقيقي بناء وموجه، وينفع الفرد والمجتمع، وليس أداة للخداع أو استمرار الأخطاء.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك تاجر طيب القلب وكريم للغاية، يُساعد كل محتاج دون أن يسأل عن استحقاقه أو نواياه. في أحد الأيام، سرق منه خادم. وبدلًا من معاقبة الخادم، غفر له التاجر بلطف كبير، ومنحه مكافأة، على أمل أن يندم على فعله. لكن الخادم استغل هذا اللطف، وأصبح أكثر جرأة، وكرر السرقة مرارًا وتكرارًا. في أحد الأيام، قال له صديق التاجر الحكيم: «يا صديقي، إحسانك محمود، لكن الإحسان الذي لا يصحبه حكمة وبصيرة، قد يكون ظلمًا في حد ذاته. أنت بهذا العفو في غير محله، لم تُصلح الخادم فحسب، بل شجعته على الاستمرار في طريقه الخاطئ. أحيانًا، قليل من الحزم هو عين الإحسان، لأنه يُنقذ المرء من السقوط». عند سماع هذا، أدرك التاجر أن الإحسان الحقيقي هو الذي يدل على طريق الصواب، لا الذي يمهد الطريق للخطأ. ومنذ ذلك الحين، مزج إحسانه بلمسة من الحكمة والحزم، ليُرضي القلوب ويُقيم العدل.

الأسئلة ذات الصلة