هل الإيمان حي بدون حماس؟

الإيمان بلا حماس وعمل صالح كالبذرة التي لم تُسقَ؛ وإن وجدت، لا تزهر ولا تحيا حقًا. حياة الإيمان تكمن في ديناميكيته، وحب الله، وتجلياته في الأعمال والأخلاق.

إجابة القرآن

هل الإيمان حي بدون حماس؟

في تعاليم القرآن الكريم السامية، الإيمان ليس مجرد اعتقاد ذهني أو إقرار لفظي؛ بل هو حالة شاملة وديناميكية للوجود الإنساني تترافق مع حماس وشغف داخليين، وتتجلّى في جميع أبعاد الحياة. سؤال: «هل الإيمان حي بدون حماس؟» يقودنا إلى عمق طبيعة الإيمان في الإسلام. الإجابة الحاسمة، بناءً على الآيات الإلهية، هي أن الإيمان الحقيقي بدون حماس وشغف لا يمكن أن يكون له حياة مثمرة ومؤثرة. الإيمان هو كالبذرة التي إذا زُرعت في تربة القلب، فإنها تحتاج إلى ماء الحياة المتمثل في الشغف والحماس الإلهي لتزدهر وتؤتي ثمارها. القرآن الكريم يربط الإيمان باستمرار بالعمل الصالح وبالحركة الداخلية. على سبيل المثال، في سورة العصر المباركة (الآيات 1-3) نقرأ أن جميع البشر في خسران، إلا «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ». هذه الآية تبيّن بوضوح أن الإيمان لا يكتمل معناه إلا بأربعة عناصر: الإيمان القلبي، العمل الصالح، التواصي بالحق، والتواصي بالصبر. فالعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر، كلها مظاهر خارجية لإيمان حيوي ومفعم بالحماس. الإيمان الذي يظل حبيسًا في القلب دون أن يكون له أثر في السلوك والأفعال، هو كالمصباح الذي لا زيت فيه؛ لا ينير ولا يمنح الدفء. هذا الشغف والحماس هو القوة الدافعة التي تدفع المؤمن نحو الطاعة، والإحسان، والعدل، والجهاد في سبيل الله. الشغف في الإيمان يعني الشوق المحب إلى رضا الرب، والتوق الشديد للتقرب إليه، والحماس لتحقيق أوامره في الحياة الفردية والاجتماعية. هذا الحماس يبقي قلب المؤمن حيًا ويقظًا. في سورة الأنفال، الآية 2، يقول الله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». هذه الآية تظهر بوضوح أن الإيمان الحقيقي مصحوب برجفة القلب عند ذكر الله (وجلت قلوبهم) وزيادة الإيمان عند تلاوة آياته (زادتهم إيمانًا). هذا «الوجل» و «زيادة الإيمان» هو بالضبط الشغف والحماس الداخلي الذي يحول الإيمان من مجرد اعتقاد جاف وبلا روح، إلى قوة حيوية. الإيمان بدون حماس يؤدي تدريجيًا إلى اللامبالاة، والضعف، وحتى النفاق. عندما لا يكون هناك حماس للعمل ورغبة في القرب من الله، تبدو الذنوب أسهل، ويصبح أداء الواجبات أصعب. يؤكد القرآن الكريم مرارًا على أهمية المجاهدة والسعي في سبيل الله؛ هذه المجاهدة لا يمكن أن تتحقق إلا بشغف وحماس داخلي. في سورة المائدة، الآية 54، نقرأ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ». هذه الآية ترسم صورة للمؤمنين الحقيقيين المفعمين بالحب الإلهي («يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ») وهذا الحب يدفعهم إلى الجهاد والثبات في سبيل الله دون خوف من لوم اللائمين. هذا المستوى من الالتزام والنشاط هو بالضبط الشغف والحماس الذي يبقي الإيمان حيًا وديناميكيًا. إذن، الشغف ليس جزءًا لا يتجزأ من الإيمان فحسب، بل هو معيار وعلامة على حيويته أيضًا. الإيمان الذي يوضع في سياق اللامبالاة والسكون، يتآكل تدريجيًا ويزول. حياة الإيمان تكمن في ديناميكيته، وحب الله، وتجليه في الأعمال والأخلاق. المؤمن الذي يمتلك الشغف والحماس، يسعى دائمًا إلى معرفة الله بشكل أعمق، والقيام بالأعمال الصالحة، وتجنب الذنوب، وخدمة الخلق. لديه شغف وشوق لإقامة الصلاة، وتلاوة القرآن، والإنفاق في سبيل الله. هذا الشغف يجعله مقاومًا للوساوس ويمنحه القوة ليظل ثابتًا على طريق الحق. بعبارة أخرى، الشغف والحماس هما وقود محرك الإيمان الذي يدفعه للحركة ولا يسمح له بالركود أو التوقف. بدون هذا الوقود، يتوقف محرك الإيمان ويفقد فعاليته. لذلك، يمكن القول إن الإيمان بدون شغف، ليس حيًا فحسب، بل هو في طريق الموت التدريجي؛ لأن الروح الحاكمة عليه، وهي الحب والشغف الإلهي، قد نُسيت.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك درويشان متجاوران. أحدهما كان دائمًا في عزلته، يظهر عليه الانشغال بالعبادة، وقلما يخالط الناس. ومع ذلك، كان قلبه ينزلق أحيانًا نحو هوى الدنيا، وكان يتوانى في العمل. أما الآخر، فرغم أنه لم يكن ببساطة مظهر الدرويش الأول وكان غالبًا ما يكون بين الناس، إلا أن قلبه كان ممتلئًا بحب الله وحماس لخدمة الخلق؛ كان يبادر في كل عمل يرضي الله ولا يدخر جهدًا. احتار الناس في أمر هذين الدرويشين: أيهما أقرب إلى حقيقة الإيمان؟ في أحد الأيام، مرّ شيخ عالم بتلك الديار، فسألوه. ابتسم الشيخ وقال: «الإيمان كالمصباح في القلب؛ إن لم يكن هناك حماس، فإنه لا زيت فيه ولا نور يُعطيه. ذاك الذي يبدو هادئًا في الظاهر ولكن قلبه خالٍ من همة العمل، مصباحه على وشك الانطفاء. أما ذاك الذي في غمرة صخب الحياة، قلبه يشتعل حبًا لله ويسعى في سبيله، فمصباح إيمانه وهاج ومضيء.» وهكذا أدرك الناس أن الإيمان بلا حماس، هو كريح تطفئ النار، لا تشعلها.

الأسئلة ذات الصلة