هل الإيمان بدون عمل صالح مقبول في القرآن؟

يوضح القرآن الكريم بجلاء أن الإيمان والعمل الصالح لا ينفصلان، وأن الخلاص يعتمد على الجمع بينهما. يجب أن يتجلى الإيمان الحقيقي في السلوك والأفعال البشرية؛ وإلا، فإن الإيمان بدون أعمال لا يُقبل.

إجابة القرآن

هل الإيمان بدون عمل صالح مقبول في القرآن؟

في تعاليم القرآن الكريم السامية، تُعَد العلاقة بين الإيمان (التصديق القلبي واليقين) والعمل الصالح (الأفعال الحسنة والمستقيمة) من المفاهيم الأساسية والمحورية التي تم التأكيد عليها مراراً وتكراراً. يُظهر استعراض الآيات القرآنية العديدة بوضوح أن الإيمان والعمل الصالح ليسا فقط لا ينفصلان، بل هما متكاملان، ويشكلان أساس الفلاح والسعادة للإنسان في الدنيا والآخرة. في الحقيقة، لا يعتبر القرآن الكريم الإيمان مجرد ادعاء لفظي أو تصديق ذهني فحسب؛ بل ينظر إليه على أنه قوة دافعة يجب أن تتجلى في جميع أبعاد حياة الإنسان، بما في ذلك السلوكيات والأخلاق والتفاعلات الاجتماعية. فبدون العمل الصالح، يُشبه الإيمان شجرة لها جذور ولكن لا تثمر، أو جسداً بلا روح يفتقر إلى الحياة والحركة. تكررت عبارة «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) أكثر من خمسين مرة في القرآن الكريم. وهذا التكرار المتعدد بحد ذاته يشهد على الأهمية الجوهرية والوحدة لهذين المفهومين. على سبيل المثال، في سورة العصر المباركة (الآيات 1-3)، وهي من أشمل سور القرآن في بيان طريق النجاة، يقول الله تعالى: «وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِی خُسْرٍ إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ». توضح هذه السورة بجلاء أن جميع البشر في خسران وضياع، إلا أربع فئات: الذين آمنوا، والذين عملوا الصالحات، والذين تواصوا بالحق، والذين تواصوا بالصبر. هذه الآية وحدها تكفي لإثبات الرابطة الوثيقة بين الإيمان والعمل الصالح؛ لأن الإيمان وحده بدون العمل الصالح لا ينجي الإنسان من الخسارة. العمل الصالح في المنظور القرآني لا يقتصر على العبادات الفردية مثل الصلاة والصيام والحج، بل يشمل كل عمل حسن ومقبول يُؤدى بنية خالصة ابتغاء مرضات الله. يمكن أن تشمل هذه الأعمال إقامة العدل، والصدق، والأمانة، ومساعدة المحتاجين، والإحسان إلى الوالدين، ومراعاة حقوق الجيران، وتجنب الغيبة والنميمة، والسعي لإصلاح المجتمع. وبعبارة أخرى، العمل الصالح هو كل ما يؤدي إلى خير الفرد والمجتمع ويتوافق مع أوامر الله ونواهيه. الإيمان هو المحرك الذي يدفع الإنسان إلى القيام بهذه الأعمال الصالحة، والعمل الصالح بدوره هو دليل وشهادة على صدق الإيمان. وعد القرآن الكريم صراحة بمكافآت عظيمة وجنة خالدة لـ«الذين آمنوا وعملوا الصالحات». وتشمل هذه المكافآت راحة القلب في الدنيا والسعادة الأبدية في الآخرة. على سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية 277، يقول الله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ». هذه الآية لا تجمع بين الإيمان والعمل الصالح فحسب، بل تحدد أيضاً أمثلة ملموسة للعمل الصالح مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وتعلن أن نتيجتهما هي الأجر الإلهي والتحرر من أي خوف أو حزن. تُظهر هذه الآيات بوضوح أن الإيمان وحده، بدون دعم عملي، لا قيمة له عند الله؛ لأنه إذا كان الإيمان حقيقياً، فستظهر نتائجه وآثاره العملية في حياة الفرد حتماً. الهدف من خلق الإنسان وإرسال الأنبياء، بناءً على تعاليم القرآن، هو تحقيق حياة متوازنة وصالحة تترافق فيها العقيدة القلبية بالأعمال الصالحة. لقد خلق الله البشر ليختبر «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» (أيكم أحسن عملاً) (سورة الملك، الآية 2). تُشير هذه الآية إلى أن معيار التفوق البشري والتقييم ليس مجرد ادعاء بالإيمان، بل جودة أعمالهم وحسنها. حتى إبليس آمن بوجود الله، لكنه عصى الأمر الإلهي ورفض السجود لآدم، مما يدل بحد ذاته على عدم قيمة الإيمان بدون تسليم وعمل. وكذلك المنافقون، فقد ادعوا الإيمان ظاهراً، لكن أعمالهم ونواياهم السيئة كانت تكذب إيمانهم. في الختام، يمكن الاستنتاج أن الإيمان والعمل الصالح في منظور القرآن الكريم هما وجهان لعملة واحدة يكتملان معاً. الإيمان هو بذرة الفلاح، والعمل الصالح هو ثمرتها. فبدون الثمرة، لا قيمة للبذرة، وبدون البذرة، لا تظهر الثمرة. يعتبر القرآن الإنسان ناجحاً وفائزاً عندما يكون إيمانه راسخاً في أعماق روحه، وهذا الإيمان يدفعه إلى القيام بالأعمال الصالحة والابتعاد عن السيئات. وهذا التناغم والترابط بين العقيدة القلبية والسلوك العملي هو مفتاح النجاح في الدنيا ودخول السعادة الأبدية في الآخرة. وبالتالي، فإن الإجابة القاطعة بناءً على آيات القرآن هي أن الإيمان بدون عمل صالح غير مقبول ولا يعتبر كاملاً أو منجياً. فالإيمان الحقيقي، دائماً ما يكون مصحوباً بمظهر خارجي وعملي، وهذا المظهر يتجلى في شكل الأعمال الصالحة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في قديم الزمان، كان رجل زاهد يُدعى عبد الله يعيش في زاوية من المدينة. كان يقضي أيامه ولياليه في الذكر والعبادة، ويدعي أنه يتمتع بأعلى درجات الإيمان. لكن جيرانه كانوا يشتكون من قسوة أخلاقه وعدم مبالاته بمشاكل الآخرين. في أحد الأيام، مر شيخ حكيم بجوار منزله. رأى عبد الله مشغولاً بالصلاة، وفي الوقت نفسه، كان طفل يبكي عند الباب، ولا أحد يلتفت إليه. تنهد الشيخ وقال: «يا عبد الله، أي إيمان هذا الذي يبقى فقط في المحراب والسجادة، ولا يتجاوز جدران المنزل، ولا يستجيب لصرخة مظلوم؟ يقول الشاعر سعدي: «العبادة ليست سوى خدمة الخلق / لا بالتسبيح والسجادة والرقعة». الإيمان الحق، ثمرته حسن السلوك ومد يد العون؛ وإلا، فإن الدعاء بلا عمل، مثل رسم على الماء لا يبقى له أثر.

الأسئلة ذات الصلة