نسيان الذنب دون توبة واستغفار علامة على الغفلة وليس الطهارة. الطهارة الحقيقية تتحقق بالتوبة النصوح، وذكر الله، ومحاسبة النفس.
للإجابة على سؤال ما إذا كان نسيان الذنب علامة على الطهارة أم الغفلة، يجب التأكيد على أن نسيان الذنب، بمعنى تجاهله وإهماله، ليس علامة على الطهارة من منظور تعاليم القرآن الكريم السامية. بل في كثير من الحالات، يمكن أن يكون مؤشرًا على 'الغفلة' والإهمال للمسؤوليات الإلهية والإنسانية. الطهارة الحقيقية في الإسلام (تزكية النفس) هي عملية نشطة، واعية ومستمرة تتحقق من خلال 'التوبة النصوح' (التوبة الخالصة)، و'الذكر' (ذكر الله)، و'محاسبة النفس' (التقييم الذاتي). يدعو القرآن الكريم البشر مرارًا وتكرارًا إلى تذكر أفعالهم، سواء كانت حسنة أو سيئة، ويؤكد على المساءلة والمسؤولية أمام الله. إن نسيان الذنب دون ندم، واستغفار، وتغيير السلوك، يمكن أن يؤدي إلى تكراره ويخلق حاجزًا بين العبد وربه. لذلك، مجرد نسيان الذنب دون المرور بمراحل التوبة والتطهير، هو علامة على عدم الوعي والابتعاد عن سبيل الكمال الروحي. يؤكد القرآن الكريم بوضوح على أهمية 'التذكر' و'التوبة' لتحقيق الفلاح والطهارة. في الحقيقة، مسار الطهارة ليس عبر النسيان المتعمد وتجاهل الأخطاء، بل عبر 'العودة الواعية' إلى الله وتصحيح مسار الحياة. عندما يرتكب الإنسان ذنبًا، تظهر نقطة سوداء في قلبه. هذه النقطة تُطهّر بالتوبة والاستغفار، وليس بنسيانها. فنسيان الذنب دون توبة يشبه من يخفي جرحًا تحت ملابسه ويتصور أنه شفي، بينما العدوى لا تزال تنتشر. تذكر الذنب (بعد التوبة وطلب المغفرة، وليس بطريقة تؤدي إلى اليأس والإحباط) يمكن أن يكون بمثابة تحذير ويمنع الإنسان من تكراره. هذا التذكر هو علامة على اليقظة الروحية، وليس الغفلة. الغفلة، مفهوم ورد ذمه كثيرًا في القرآن. فالغافلون هم الذين يُعرضون عن ذكر الله، وعن آياته الإلهية، وعن هدف خلقهم. ونسيان الذنوب دون الشعور بالندم والسعي لتعويضها هو بحد ذاته نوع من الغفلة. يسعى الشيطان دائمًا إلى تصغير الذنب في عين الإنسان وإغفاله عن تذكر ذنوبه وحاجته إلى التوبة. هدف الشيطان هو أن يغرق الإنسان في مستنقع الذنوب ويفقد الأمل في رحمة الله، أو أن يظن أن ذنوبه لا قيمة لها. يعلمنا القرآن الكريم أننا يجب أن نكون دائمًا حذرين من أفعالنا ونعلم أن كل شيء يسجل ويحفظ، وسنحاسب عليه يوم القيامة. هذا الوعي يمنع الغفلة ويدفع الإنسان نحو التوبة والاستغفار. التوبة، بمعنى العودة، هي فعل إرادي وواعي يتضمن ثلاثة أركان أساسية: أولاً، الندم على الذنب؛ ثانيًا، العزم القاطع على تركه؛ وثالثًا، الإصرار على عدم العودة إليه في المستقبل. وإذا كان هناك حق للعباد، فإن إعادته أو طلب المسامحة منه شرط للتوبة. عندما يتوب العبد بصدق وإخلاص، يغفر الله تعالى، الغفور الرحيم، ذنوبه. في هذه المرحلة، هو الله الذي بفضله وكرمه 'يستر' الذنب و'يمحوه'، وليس أن ينساه الإنسان. في الواقع، الطهارة بعد الذنب لا تتحقق بنسيان ذلك الذنب، بل بـ 'محو' أثر الذنب من صحيفة الأعمال بفضل التوبة والمغفرة الإلهية. قد يتذكر الإنسان الذنب، ولكنه لم يعد يحمل عبء الذنب، وتزول خجلته من الذنب بعد التوبة الخالصة. يشير القرآن الكريم في آيات عديدة إلى أن كل عمل، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، مسجل، وسيرى الإنسان ذلك يوم القيامة. هذا يدل على أن الله ليس غافلاً عن أفعالنا، وأن نسياننا لا يؤثر على الحساب الإلهي. لذلك، فإن سبيل النجاة والطهارة ليس في نسيان الذنب، بل في مواجهته بشجاعة، والإقرار بالخطأ، والتوبة الخالصة، والاستغفار من الله. هذه العملية لا تمحو الذنوب فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى النمو الروحي والمعنوي للإنسان، وتضعه على طريق التقوى والقرب من الله. نسيان الذنوب دون هذه العملية يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الانحدار والابتعاد عن رحمة الله، لأنه يعيق صحوة الضمير والشعور بالمسؤولية. لذا، فإن ما يدل على الطهارة هو اليقظة تجاه الذنوب، والندم عليها، والسعي الصادق لكسب رضا الرب، وليس إخفائها أو تجاهلها من خلال النسيان. في الختام، يمكن القول أنه على الرغم من أن الله تعالى عند مغفرة الذنب يمحوه من منظوره ولا يذكره للعبد يوم القيامة (إذا تاب توبة نصوحًا)، إلا أن هذا لا يعني أن العبد نفسه يجب أن ينسى ذنبه. بل على العكس، فإن تذكر العبر الماضية والأخطاء السابقة يمكن أن يقوي الإرادة لعدم تكرار الذنب ويزيد من الشكر لله على فرصة التوبة والمغفرة. هذا التذكر ليس للحسرة واليأس، بل لتعلم الدروس والمضي قدمًا في سبيل الكمال. إذن، نسيان الذنب إذا كان يعني الإهمال واللامبالاة، فهو غفلة؛ أما إذا كان المقصود هو أن الله يسترها ويمحوها بعد التوبة، فهذا من ألطاف الله ورحمته.
جاء في گلستان سعدي أن ملكًا عادلاً نام ذات ليلة فرأى في منامه أن ملاكًا منحه لوحًا ذهبيًا. كان مكتوبًا على اللوح: 'الطهارة تنبع من اليقظة لا من النسيان!' استيقظ الملك وسأل وزيره: 'ما معنى هذا القول؟' فأجاب الوزير بحكمة: 'أيها الملك! بعض الناس، عندما يرتكبون خطأ، ينسونه ويتوهمون أن النسيان يمحو الذنب. بينما الذنب كالشوكة في القلب، إن لم تُخرج، فسدت. أما الذين يتذكرون خطاياهم ويندمون عليها، ويتوبون، ولا يعودون إليها أبدًا، فإن قلوبهم تطهر. فالطهارة تأتي من الوعي والندم والعودة، لا من الغفلة والنسيان.' أدرك الملك هذه الحكمة وعلم أن الطهارة تكمن في تذكر الإنسان لذنوبه ليجتنب تكرارها، وبأن يزيل الصدأ من قلبه بالتوبة والاستغفار. ومنذ ذلك الحين، أصبح يحاسب نفسه أكثر، ويتذكر أخطائه الماضية ليتعظ منها، ولا يسلك طريق الغفلة أبدًا.