نعم، الله معنا دائمًا وفي كل لحظة، حتى عندما لا ندرك قربه. هذا الحضور يدل على علمه المطلق، ورعايته، ورحمته اللامتناهية، وأي شعور بالبعد يأتي من جانبنا، لا من جانب الله.
الإجابة على هذا السؤال، من منظور القرآن الكريم، هي نعم قاطعة: الله معنا دائمًا وفي كل لحظة، دون أي شروط، حتى عندما لا نشعر بوضوح بحضوره وقربه وسط صراعات الحياة، أو الشدائد، أو لحظات الغفلة. هذه حقيقة أساسية في الإيمان الإسلامي، أن الله تعالى، يتجاوز الزمان والمكان وإدراكاتنا الحسية، وهو محيط بكل شيء وعليم به وقريب من كل شيء. هذا الحضور الإلهي ليس مجرد حضور مادي، بل هو حضور علمي، ورعائي، وقدرة، ورحمة. يقول الله تعالى صراحة في القرآن الكريم: "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (الحديد، الآية 4). هذه الآية تدل على أن حضور الله شامل ودائم، وأنه أينما كنا، فهو معنا ومطلع على أعمالنا. هذا العلم المطلق يشمل أفكارنا، ونوايانا، وحتى أعمق مشاعرنا الداخلية. حتى في أشد لحظات الوحدة والعزلة، لسنا وحدنا أبدًا، لأن الله أقرب إلينا من حبل الوريد، كما يقول في سورة ق، الآية 16: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ". هذا القرب هو قرب إحاطة علمية، وقوة، وتدبير، لا يغفل عنه لحظة واحدة. والسبب في أننا لا نشعر بهذا الحضور أحيانًا يعود إلى ضعفنا نحن، لا إلى غياب الله أو بعده. فالعوامل مثل الغفلة عن ذكر الله، والتركيز المفرط على الأمور الدنيوية، والانغماس في الذنوب، وعدم التفكر في آيات الله في الآفاق والأنفس، يمكن أن تلقي حجابًا على قلوبنا وأرواحنا، وتمنعنا من الإدراك الصحيح لهذا الحضور الدائم. إن الشعور بالبعد هو إحساس بشري قد ينشأ عن اليأس، أو خيبة الأمل، أو عدم وجود اتصال روحي كافٍ، لكن هذا الشعور لا يعني أبدًا غياب الله الفعلي. في الواقع، حتى في أصعب اللحظات والأزمات، تمتد يد العون الإلهية إلينا من خلال أسباب وعوامل متنوعة، فتنقذنا من الخطر، حتى لو لم ندرك نعمته في تلك اللحظة بسبب اضطرابنا. يشجعنا القرآن على ذكر الله دائمًا وإقامة صلة معه لكي يصبح هذا الشعور بالحضور أكثر وضوحًا. ففي سورة البقرة، الآية 186، يقول: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ". تدل هذه الآية على أن الله قريب جدًا من عباده ويستجيب دعوة الداعي إذا دعاه. ولذلك، فإن الشعور بالبعد هو مجرد تصور يمكن التغلب عليه بتقوية الإيمان، والتوبة، والدعاء، والعمل الصالح، مما يتيح لنا تذوق حلاوة الحضور الدائم للرب في الحياة. إن الغرض من هذه التذكيرات هو تعزيز روح الأمل، والتوكل، واليقين في قلوب المؤمنين. فمعرفتنا بأن الله معنا دائمًا تمنحنا القوة لمواجهة التحديات، ومقاومة الإغراءات، والبقاء ثابتين على طريق الحق. هذا الحضور الإلهي هو مصدر سلام لا ينتهي، لأننا نعلم أنه حتى عندما لا يرانا أحد، أو نشعر بالوحدة، فإنه شاهدنا، ورقيبنا، وداعمنا. لذا، حتى عندما يثقل قلب الإنسان بالهموم أو يشعر بالتعب من صخب الدنيا، أو عندما يرى لسبب ما حضور الخالق في حياته باهتًا، يجب عليه أن يعود إلى هذه الحقيقة الإيمانية: أنه كان دائمًا، وسيبقى دائمًا. ما علينا سوى إزالة حجاب الغفلة، وبقلب مليء بذكره واسمه، نستقبل حضوره. هذا الحضور هو نور يضيء كل ظلمة ويهدئ كل حزن. مع كل نفس، وكل نبضة قلب، وكل فكرة تمر بالذهن، الله معنا وناظر إلينا. هذا الاعتقاد ليس مريحًا فحسب، بل يترتب عليه مسؤولية أيضًا، لأننا نعلم أن لا شيء مخفي عن بصره، وأن أعمالنا ونوايانا تخضع دائمًا لتقييمه. لذا، يجب أن نقبل بيقين كامل أن الله ليس فقط دائمًا معنا، بل إنه يعلم ويستجيب لأعمق احتياجاتنا الروحية، حتى قبل أن نتمكن من التعبير عنها. هذا هو أقصى درجات اللطف، والكرم، والمحبة الإلهية التي لا تتركنا وحدنا أبدًا، وهو دائمًا ملجأنا وسندنا، سواء في اليسر أو العسر، في اليقظة أو النوم، وسواء أدركت حواسنا الخمس هذه الحقيقة العظيمة أم لم تدرك.
يُروى أن درويشًا بائسًا وحزينًا كان يعبر الصحراء ذات يوم. شعر بالضيق من وعثاء السفر ووحدته، متصورًا أنه لا يملك معينًا في هذا العالم. في تلك الأثناء، وصل إلى نبع ماء. شرب الماء ورفع رأسه، فإذا به يرى طائرًا صغيرًا بمنقار مكسور وجناح مجروح، يشرب الماء من النبع بصعوبة بالغة. فكر الدرويش: "كيف لهذا الطائر الضعيف أن يعيش في هذه الصحراء الموحشة وحيدًا؟ من يعينه؟" فجأة، جاء طائر آخر يحمل فاكهة في منقاره ووضع الفاكهة بجانبه. أكل الطائر الجريح من الفاكهة واكتسب قوة. عندما رأى الدرويش هذا المشهد، سجد من شدة الدهشة والعجب. أدرك أن الله، حتى في أبعد الأماكن وأكثرها عزلة، لا يغفل عن أي مخلوق ويرزقه ويعينه، حتى لو كان المخلوق نفسه غافلاً عن هذا الحضور. هذا الحادث أنار قلب الدرويش، وفهم أن حضور الحق ولطفه يشمله دائمًا، حتى في اللحظات التي لا يشعر فيها بحضوره بسبب الحزن والغفلة. وهكذا، بقلب سعيد ومليء بالأمل، تابع طريقه وهو يعلم أن الله معه دائمًا.