نعم، الله على دراية كاملة بجميع معاناتنا، حتى أعمقها وأخفاها. هذا العلم مقرون برحمته وقربه، وهو مصدر للراحة والأمل لعباده.
بلا شك، الإجابة على السؤال: "هل الله على علم بمعاناتي؟" هي نعم قاطعة. يؤكد القرآن الكريم بوضوح وجمال على شمولية العلم الإلهي وحضوره المباشر في جميع جوانب الوجود، بما في ذلك أعمق المعاناة البشرية وأكثرها خفاءً. إن الله تعالى لا يعلم فقط بآلامنا الظاهرة والواضحة، بل يعلم حتى همسات القلب الداخلية، وأشواقنا، ومخاوفنا، والآلام التي لا ننطق بها، والتي قد لا يعلم بها أحد آخر. هذا العلم الإلهي ليس علمًا باردًا أو سلبيًا، بل هو مصحوب بالرحمة والشفقة والعناية الإلهية. يشير القرآن مرارًا وتكرارًا إلى حقيقة أن الله هو العليم، الخبير، البصير، والسميع؛ فهو الذي يعلم كل شيء، ومطلع على كل شيء، ويرى كل شيء، ويسمع كل شيء. في سورة ق، الآية 16، يقول الله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ". هذه الآية توضح بجلاء أن الله ليس فقط على علم بأفكارنا ووساوسنا الداخلية، بل إن حضوره في حياتنا يتجاوز أي قرب مادي. هذا القرب يعني الوعي الكامل واللحظي بكل كياننا، بما في ذلك آلامنا الجسدية والنفسية. تخيل أن ألمًا عظيمًا قد أصابك، سواء كان ذلك بفقدان عزيز، أو مرض عضال سلب منك قوتك، أو مشاكل مالية مرهقة، أو حتى شعور بالوحدة والعزلة وسط حشد من الناس. في مثل هذه اللحظات، قد يتجه ذهن الإنسان إلى التساؤل: هل يوجد أحد في هذا العالم يفهمني؟ هل هناك من يدرك عمق هذا الألم؟ يؤكد لنا القرآن نعم، هناك كيان لا متناهي في الوعي والمعرفة، وهو الله. فهو لا يعلم فقط بما نمر به، بل يرى حكمة ومصلحة وراء كل معاناة. فالمعاناة من المنظور القرآني ليست مجرد عذاب، بل يمكن أن تكون اختبارًا لتنقية الروح، ووسيلة لمغفرة الذنوب، أو سلمًا لرفع درجات الإيمان والصبر. في سورة البقرة، الآية 155، نقرأ: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ". هذه الآية تبين أن الابتلاءات جزء من السنة الإلهية، وأن الله على دراية تامة بكيفية وكمية هذه الابتلاءات وتأثيرها علينا. إن هذا الوعي الإلهي المطلق هو مصدر السكينة والأمل للمؤمنين. عندما نعلم أن خالق الكون، الذي يتحكم في كل تفاصيل العالم، على علم بألمنا، فإن هذا الشعور بالوحدة والعجز يتلاشى ويحل محله الاطمئنان. هذا الاطمئنان بأن آلامنا لن تذهب سدى، ودموعنا لن تراق عبثًا، ودعواتنا مسموعة. في سورة البقرة، الآية 153، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". هذه المعية من الله للصابرين هي نتيجة علمه ورحمته. إنه يعلم أن الصبر على المعاناة صعب، ولهذا، يقدم نفسه كمعين وناصر للصابرين. بالإضافة إلى ذلك، يبشرنا القرآن بأن بعد كل عسر يسرا. ففي سورة الشرح، الآيتين 5 و 6، يتكرر مرتين: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا". هذا التكرار ليس فقط تأكيدًا على هذا الوعد الإلهي، بل يظهر أن الله على علم بعمق الصعوبات ويعرف إلى أي مدى يحتاج الإنسان إلى هذا الوعد المطمئن. إنه الذي يعلم مقدار الألم والصعوبة، يوعد بالفرج والتيسير. من هذا المنظور القرآني، لم تعد المعاناة مجرد بلاء ومصيبة، بل هي فرص للتقرب أكثر من الله وفهم أعمق لحكمته. عندما نكون في أوج الألم، نتذكر أن هناك إلهًا هو "حسيب" (كافٍ وحاسب)، "شافي" (شافٍ)، "قريب" (قريب)، و"مجيب" (مجيب الدعاء). إنه على دراية بكل تفاصيل معاناتنا ويعرف الحل الأمثل لنا. هذا العلم الإلهي لا يعني مجرد الوعي السلبي، بل يعني الإرادة لتخفيف الألم والتعويض والتوجيه نحو ما هو خير ومصلحة لنا. لذلك، ليس فقط الله على علم بمعاناتنا، بل هو أفضل رفيق، وأفضل معزٍ، وأفضل دليل في طريق تجاوز هذه المعاناة. هذا اليقين بعلم الله المطلق ورحمته التي لا حدود لها، يزيد من قدرة التحمل على المعاناة ويفتح نافذة من الأمل في غياهب الظلمات. هذه هي أكبر نعمة إلهية، أن نعلم في أوج الشدة أننا لسنا وحدنا، وأن هناك من يعلم كل شيء وقادر مطلق على حل المعضلات. هذا الفهم للعلم الإلهي يساعد الإنسان على عدم اليأس في مواجهة الصعوبات، بل بالتوكل والدعاء، يعود إليه. إنه يعلم أن دعواتنا الخفية، وأناتنا الليلية، وحتى صمتنا المؤلم، لا شيء منها خفي عن نظره الثاقب وعلمه وسمعه. إنه أفضل مستمع وأعلم حافظ أسرار. لذلك، كلما شعرنا بالألم والمعاناة، فبدلاً من الاستسلام لليأس، يجب أن نعتمد على هذا الوعي الإلهي ونعلم أن عينًا بصيرة وأذنًا سامعة تراقب أحوالنا، وأن الفرج سيأتي منه في نهاية المطاف، لأنه على علم بآلامنا ولا يتخلى عن عباده أبدًا.
يُروى أن رجلاً درويشًا، ذات يوم، أنهكه الفقر والجوع الشديد، فلجأ إلى ركن في الصحراء، وقلبه مثقل بالهموم. كان يتمتم لنفسه: "آه، كل هذه المعاناة والشدائد، هل من أحد يعلم بحالي؟" في تلك اللحظة، مر شيخ حكيم من المكان. رأى الدرويش ينوح وسأله عن حاله. فقص الدرويش عليه ضيقه. ابتسم الشيخ وقال: "يا شاب، أتظن أن إله العالم لا يعلم بحالك؟ لو كان كذلك، فمن أين كان رزقك يأتي، ومن كان يحفظ هذه الروح التي في جسدك؟ نعم، إن الله أعلم بكل ما يدور في قلبك وروحك. وحين تيأس من كل الجهات، فإنه يعلم سرك وجهرك ويدبر أمرك." عندما سمع الدرويش هذا الكلام، شعر بالهدوء، وأدرك أن عينًا ساهرة ترعاه، فانفتح قلبه بالأمل في المستقبل.