هل وضع الأهداف العالية إيجابي من منظور القرآن؟

يشجع القرآن الكريم الأهداف العالية والنبيلة بشكل إيجابي، بشرط أن تتوافق مع مرضاة الله، وتساهم في تعمير الأرض وخير المجتمع، وأن تكون مصحوبة بالجهد والصبر والتوكل على الله.

إجابة القرآن

هل وضع الأهداف العالية إيجابي من منظور القرآن؟

من منظور القرآن الكريم، إن امتلاك الأهداف النبيلة والعالية ليس مجرد أمر إيجابي فحسب، بل هو أمر مؤكد ومُشجَّع عليه بشدة. هذا النهج في الحياة متجذر بعمق في الفهم القرآني لمكانة الإنسان ومسؤولياته والطبيعة الديناميكية للوجود. لا ينظر القرآن إلى الإنسان ككيان جامد، بل يدعوه إلى النمو المستمر والكمال والجهد الدؤوب في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك تحقيق الأهداف الدنيوية والأخروية. ومع ذلك، يجب أن تظل هذه الأهداف العالية دائمًا في إطار القيم الإلهية وتسعى إلى مرضاة الله، وأن تساهم في تعمير الأرض ورفاهية البشرية. أحد المفاهيم الأساسية التي يؤكد عليها القرآن هو «السعي» و«الجهد». يذكر القرآن صراحة أن جزاء كل شخص يتناسب مع سعيه وجهده، كما ورد في سورة النجم، الآية 39: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى". تشير هذه الآية بوضوح إلى أن تحقيق أي نتيجة، سواء في هذا العالم أو في الآخرة، يتطلب الاجتهاد والعمل. إن امتلاك أهداف عالية يولد هذا الدافع للسعي داخل الإنسان، ويحميه من الخمول والركود. يمكن أن يتجلى هذا السعي في طلب العلم، أو تعزيز العدل، أو تحسين الظروف الاقتصادية، أو أي مسعى حميد يؤدي إلى ارتقاء الفرد والمجتمع. علاوة على ذلك، يشجع القرآن المؤمنين على «فاستبقوا الخيرات»، أي التنافس في فعل الخيرات. في سورة البقرة، الآية 148، نقرأ: "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ". هذا الأمر بالتسابق في الخيرات هو بحد ذاته دليل على ضرورة تحديد أهداف عالية في مجال الفضائل الأخلاقية والأعمال الصالحة. لا ينبغي للمؤمن أن يكتفي بالحد الأدنى، بل يجب أن يطمح دائمًا لتحقيق مستويات أعلى من الكمال والتقوى. هذا التنافس في الخيرات، بدوره، يؤدي إلى تقدم المجتمع ورفعته، حيث يسعى كل فرد لتقديم أفضل ما لديه. تتجلى أهمية الأهداف العالية بشكل خاص في سورة القصص، الآية 77، حيث يقول الله تعالى: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا". تحدد هذه الآية توازنًا عميقًا بين الأهداف الدنيوية والأخروية. فمن ناحية، توجه البشرية نحو الهدف الأسمى للآخرة، ومن ناحية أخرى، تؤكد على ضرورة عدم إهمال نصيب الفرد المشروع في هذا العالم. "عدم نسيان نصيب المرء من الدنيا" يعني التخطيط، والسعي لتحسين الحياة، وكسب الرزق الحلال، وتعمير الأرض— وكل ذلك يتطلب تحديد الأهداف والتخطيط طويل الأمد. هذا المنظور لا يؤيد الزهد المفرط ولا المادية المحضة؛ بل يشير إلى طريق وسط يشمل السعي لكلا جانبي الحياة. الصبر والتوكل على الله هما أيضًا مكونان أساسيان في تحقيق الأهداف العالية من منظور قرآني. كل هدف سامٍ يتطلب المثابرة والمرونة في مواجهة التحديات وتجنب اليأس. ينصح القرآن مرارًا بالصبر والثبات، قائلاً: "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة 2:153). تمنح هذه الصحبة الإلهية الشخص قوة إضافية ليظل ثابتًا على مساره نحو أهدافه. علاوة على ذلك، فإن التوكل على الله يعني بذل أقصى الجهود ثم تفويض النتيجة إلى الله. هذا يقلل من القلق بشأن المستقبل ويوفر السلام، مما يمكن المرء من التحرك نحو أهدافه بنظرة أكثر إيجابية. لذلك، من منظور القرآن، الأهداف العالية ليست إيجابية فحسب بل ضرورية؛ ولكن يجب أن تتمتع هذه الأهداف بخصائص محددة: الشرعية، والبناء، والتوافق مع القيم الإلهية، وأن تؤدي في النهاية إلى الرخاء الدنيوي والأخروي. يجب أن تخدم الأهداف العالية رفع شأن الإنسانية، والعدالة، وتعمير الأرض، وليس مجرد المصالح الذاتية أو المادية المفرطة. من خلال تشجيع التأمل والتفكير والتخطيط، يرشد القرآن البشرية نحو آفاق أوسع وأكثر معنى في الحياة، داعياً إياهم لتحقيق الأفضل بطموحات عالية والتوكل على الله، وبالتالي أداء دورهم في الخلق على أكمل وجه.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في قديم الزمان، سأل ملك حكيمًا: "يا أيها الحكيم، ما هو سر النجاح والتقدم في الحياة؟" فأجاب الحكيم بابتسامة: "أيها الملك، كن كالفلاح الذي يزرع شتلة صغيرة في الربيع، ولكن في قلبه أمل في شجرة عظيمة ستوفر الظل والثمار لسنوات. إنه لا يفكر في اليوم فحسب، بل يفكر في الغد البعيد ويسعى لتحقيقه. إنه يعلم أن مطر الرحمة من الله، ولكن ما لم يحرث الأرض ويزرع البذور، فلن يتحول أي ماء إلى محصول. وهكذا، فإن الهمة العالية والتخطيط الجيد هما جناحي تحليق الإنسان نحو هدفه. الرزق من الله، ولكن الأيدي التي تسعى لكسبه والعقل الذي يخطط لتحقيق هذا الهدف، هما أيضًا هبات إلهية. هكذا يصل الإنسان، بأهداف عالية وجهد صادق، إلى الفضل الإلهي وتصبح حياته مثمرة."

الأسئلة ذات الصلة