لم يذكر القرآن الشيشة مباشرة، ولكن بناءً على مبادئه العامة مثل عدم إلحاق الضرر بالنفس، واستهلاك الطيبات وتجنب الخبائث، والابتعاد عن الإسراف، يعتبر تدخين الشيشة ضارًا وغير مرغوب فيه.
للإجابة على هذا السؤال الهام جدًا حول ما إذا كان تدخين الشيشة ضارًا بالجسم، وما هو موقفه من منظور التعاليم القرآنية، يجب أن نشير إلى أن القرآن الكريم، نظرًا لشموليته وخلوده، لم يتناول هذا الموضوع بشكل مباشر بذكر أسماء حديثة مثل "الشيشة" أو "التبغ". والسبب في ذلك واضح؛ لأن هذه المواد وطرق استعمالها لم تكن موجودة أو منتشرة على نطاق واسع في زمن نزول القرآن، وبالتالي لم تكن هناك حاجة للإشارة المباشرة إليها. ومع ذلك، فإن الشريعة الإسلامية وأحكامها مبنية على مبادئ وقواعد عامة وشاملة يمكن أن تكون دليلًا لنا في التعامل مع القضايا المستجدة والناشئة في أي زمان ومكان. هذه المبادئ مستنبطة من آيات القرآن وتشكل أساس الفقه الإسلامي واستنباط الأحكام الشرعية. أحد أهم المبادئ القرآنية الأساسية التي تنطبق مباشرة في هذا السياق هو مبدأ "عدم إلحاق الضرر بالنفس أو بالآخرين". فالله تعالى يأمر الإنسان صراحة في القرآن الكريم بألا يلقي بنفسه إلى التهلكة والدمار. هذا المبدأ الكلي هو أساس العديد من الأحكام في الإسلام التي تهدف إلى حفظ النفس وسلامة الإنسان. في سورة البقرة، الآية 195، يقول الله تعالى: "وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". تحدد هذه الآية قاعدة عامة بأن كل عمل يقود الإنسان إلى الهلاك الجسدي أو الروحي منهي عنه. واليوم، أثبت العلم الطبي والأبحاث العلمية العديدة في جميع أنحاء العالم بشكل قاطع أن استهلاك الشيشة، سواء بسبب المواد السامة والمسرطنة الموجودة في تبغها (حتى الأنواع التي تبدو "فاكهية" و"عطرية")، أو بسبب طريقة استخدامها واستنشاق كمية كبيرة من دخانها الكثيف، يضر بشدة بصحة الرئتين والقلب والجهاز الدوري وأعضاء الجسم الأخرى. يمكن أن يؤدي هذا الفعل إلى أمراض خطيرة ومزمنة مثل أنواع مختلفة من السرطان (الرئة، الفم، المريء، المثانة)، وأمراض القلب والأوعية الدموية (مثل النوبة القلبية والسكتة الدماغية)، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة (مثل التهاب الشعب الهوائية المزمن وانتفاخ الرئة)، وعدوى مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، بسبب الاستخدام المشترك للفوهات في العديد من الأماكن، يزداد خطر انتقال الأمراض المعدية. لذلك، واستنادًا إلى هذه الآية الكريمة والرأي القاطع للمختصين الطبيين، يعتبر تدخين الشيشة مصداقًا واضحًا لـ "إلقاء النفس إلى التهلكة"، وهو أمر منهي عنه في الإسلام. مبدأ آخر مطروح في القرآن ويعد أساسًا مهمًا في هذا النقاش هو مفهوم "الطيبات" (الأشياء النقية والمفيدة) و"الخبائث" (الأشياء النجسة والضارة). فالله في القرآن يأمر الإنسان دائمًا أن يستخدم الرزق الحلال والطيب (الطيبات) وأن يتجنب الأشياء النجسة والضارة (الخبائث). هذا المبدأ مؤكد في آيات متعددة. على سبيل المثال، في سورة الأعراف، الآية 157، يقول عن النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم): "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ". وبالنظر إلى المعرفة الطبية الحديثة التي أثبتت الأضرار المتعددة والجسيمة للشيشة، ومع الأخذ في الاعتبار أن الشيشة لا تقدم أي منفعة جسدية أو روحية مشروعة، يمكن تصنيفها بوضوح ضمن "الخبائث"، أي الأشياء النجسة والضارة التي يحظر استهلاكها. فجسد الإنسان أمانة إلهية يجب العناية بها جيدًا وتجنب أي ضرر أو أذى لها. وتشمل العناية بهذه الأمانة الابتعاد عن كل ما يضر بصحتها وعملها. بالإضافة إلى ذلك، فإن مسألة "الإسراف" و"التبذير" (المبالغة وإهدار المال والموارد) مذمومة بشدة في القرآن الكريم. الإسلام يؤكد دائمًا على الاعتدال وتجنب الإفراط في جميع الأمور. في سورة الإسراء، الآية 27، جاء: "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا". إن استهلاك الشيشة، بالإضافة إلى أضرارها الجسدية والروحية التي تلحق بالفرد والمجتمع، غالبًا ما يرتبط بتكاليف باهظة، والتي من وجهة النظر الشرعية، إذا أنفقت على شيء ضار ولا يحقق منفعة حلالة وعقلانية، فإنها تعتبر نوعًا من الإسراف والتبذير. فهذه الأموال والوقت الذي ينفق على تدخين الشيشة كان يمكن استخدامه في طرق أكثر فائدة وبناءة للفرد أو الأسرة (مثل توفير الاحتياجات الأساسية، التعليم، أو الرعاية الصحية) أو المجتمع (مثل مساعدة المحتاجين أو الاستثمارات المنتجة). ومن ثم، فإن تجنب الإسراف في أي أمر، بما في ذلك الإنفاق المفرط على المواد الضارة، هو من تعاليم القرآن والإسلام الحيوية. وإجمالًا، على الرغم من أن القرآن الكريم لا يشير مباشرة إلى كلمة "الشيشة"، إلا أنه بالاستناد إلى المبادئ العامة والأساسية التي تؤكد على حفظ النفس، والصحة، والنقاء، والابتعاد عن الضرر والإسراف، يمكن استنتاج أن تدخين الشيشة هو فعل يتعارض تمامًا مع روح ومقاصد الشريعة الإسلامية السامية. فالفقهاء الإسلاميون المعاصرون والمراجع الدينية، في ضوء الإجماع العلمي الواسع على ضرر الشيشة والسجائر، غالبًا ما يعتبرونها محرمة أو على الأقل مكروهة تحريمًا شديدًا (بمعنى قريبة من الحرام). إن الهدف الأسمى للإسلام دائمًا هو الحفاظ على جودة حياة الإنسان في جميع أبعادها، بما في ذلك الصحة الجسدية والنفسية التي يعتبرها الإسلام من أعظم النعم الإلهية. لذلك، فإن كل ما يضر بهذه الصحة مرفوض من منظور القرآن والسنة النبوية، وعلى المسلم أن يجتنبه. إن حماية نعمة الصحة والحفاظ عليها يعتبر شكرًا عمليًا للخالق، وتدخين الشيشة لا يعرض الصحة للخطر فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى انتهاك الحقوق الفردية والاجتماعية وفرض تكاليف علاجية باهظة على الفرد والمجتمع. وهذا بدوره يتعارض مع تعاليم القرآن التي تؤكد على المسؤولية وحفظ المصالح العامة. لذلك، بناءً على التعاليم الأساسية والمبادئ الكلية للقرآن الكريم، فإن تدخين الشيشة ممارسة ضارة وغير جائزة وغير مرغوب فيها، ويجب الابتعاد عنها للحفاظ على أمانة الله في الجسد والروح بصحة وعافية.
في حكايات سعدي العذبة، يُروى أن ملكًا ثريًا ولكنه مريض كان يعاني من آلام لا حصر لها. استدعى العديد من الأطباء إلى سريره، لكن لم يتمكن أي منهم من شفائه. ذات يوم، وصل طبيب حكيم وذو خبرة إلى بلاط الملك. طلب منه الملك أن يجد علاجًا لمرضه. بعد فحص الملك والاستماع إلى حالته، قال الطبيب بوجه بشوش وكلمات لطيفة: "أيها الملك! ألمك ينبع من أنك تأكل وتشرب ما يرضي هواك، لا ما يقوي جسدك ويزيد من صحتك. طالما أن الهوى يغلب العقل والملذات العابرة تنتصر على العافية، فلن يزول الألم." فكر الملك في هذه الكلمات. وتابع الحكيم: "الصحة جوهرة ثمينة، وإهمالها يؤدي إلى الندم. أحيانًا، سعيًا وراء اللذات العابرة، يعرض الإنسان نعمة أعظم مثل الصحة للخطر. وكما قال سعدي: 'لا تهتم بما تأكل؛ اهتم بكيف تعيش'. هذه الحياة وهذا الجسد أمانة يجب تقديرها، وعلى المرء أن يسعى للحفاظ عليها وصيانتها." عند سماع هذه الكلمات الحكيمة، عقد الملك العزم على أنه من الآن فصاعدًا، بدلًا من اتباع أهوائه، سيتجه نحو ما هو مفيد لجسده وروحه ويتجنب كل ما هو ضار. وبعد فترة، باتباع نصائح الحكيم، استعاد الملك صحته تدريجيًا، وقدر العافية أكثر من أي وقت مضى، وأدرك أن المتعة الحقيقية تكمن في الصحة والاعتدال، لا في الإفراط والضرر. تذكرنا هذه الحكاية بأن الحكمة تكمن في الامتناع عن المضرات وتقدير النعم الإلهية، بما في ذلك الصحة، حتى لو بدت ممتعة في الظاهر.