لماذا أشعر بالظلم عند رؤية سعادة الآخرين؟

الشعور بالظلم تجاه سعادة الآخرين غالبًا ما ينبع من المقارنة وعدم فهم الحكمة الإلهية. ينصح القرآن بالتركيز على الشكر والصبر والقيم الأخروية بدلاً من ممتلكات الآخرين لإيجاد السلام الداخلي.

إجابة القرآن

لماذا أشعر بالظلم عند رؤية سعادة الآخرين؟

الشعور بالظلم عند رؤية سعادة الآخرين أو نجاحهم هو أحد التحديات الروحية والعاطفية الأكثر تعقيدًا وشيوعًا التي يواجهها العديد من البشر. ينبع هذا الشعور غالبًا من مقارنة الذات بالآخرين، ويمكن أن ينشأ عن سوء فهم للحكمة الإلهية ونظام القدر وتدبير الله. يتناول القرآن الكريم، ببصيرته العميقة والشاملة، هذه المسألة من زوايا متعددة ويقدم حلولاً للتغلب على هذا الشعور. أول نقطة يؤكد عليها القرآن هي أن توزيع الرزق، وكذلك الفرح والحزن، يتم بناءً على الحكمة والعدل الإلهي، وليس بناءً على فهمنا البشري المحدود. يقول الله تعالى في سورة الزخرف، الآية 32: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾. هذه الآية توضح بجلاء أن التقسيمات في الحياة الدنيا، بما في ذلك الثروة والمكانة، هي من تدبير الله وتستند إلى حكمة عميقة قد لا ندركها بالكامل. الهدف من هذه الفروق هو خلق التفاعل والتعاون بين البشر، وليس إثارة مشاعر الحسد أو الظلم. ثانيًا، يؤكد القرآن على الطبيعة الزائلة والمؤقتة للحياة الدنيا. غالبًا ما ينشأ الشعور بالظلم من اعتبارنا للقيم الدنيوية (مثل الثروة والجمال والمكانة الاجتماعية) كمقياس نهائي للسعادة والنجاح. بينما يعلمنا القرآن أن هذه ليست سوى زينة زائلة لهذه الدنيا. في سورة الكهف، الآيتين 45 و 46، يقول الله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾. تذكرنا هذه الآيات بأن ما نملكه في هذه الدنيا مؤقت، وأن القيمة الحقيقية تكمن في الأعمال الصالحة والإنجازات الأخروية التي هي باقية. عندما تتحول نظرتنا من الممتلكات الفانية إلى الأعمال الصالحة ورضا الله، تتلاشى مشاعر المقارنة والظلم. أحد الأمثلة البارزة لهذا الشعور وكيفية التعامل معه هو قصة قارون في سورة القصص. لقد حصل قارون على ثروة هائلة، لدرجة أن مفاتيح كنوزه كانت ثقيلة على مجموعة من الرجال الأقوياء. في الآيات من 79 إلى 82 من سورة القصص، يصف القرآن كيف تمنت مجموعة من الناس، عند رؤيتهم لثروته، لو أنهم كانوا مثل قارون ليتمتعوا بهذا الرخاء. هذا هو بالضبط شعور الظلم والحسرة الذي يدفع الإنسان إلى مقارنة نفسه بالآخرين وتمني ما يمتلكه الآخر. لكن مجموعة أخرى، الذين كانوا يتمتعون بالعلم الحقيقي، حذروهم بأن ثواب الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات خيرٌ بكثير. ثم خسف الله بقارون وبكل ثروته الأرض، وتعلم الذين تمنوا مكانته في الأمس درسًا من هذا الحدث، وفهموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. توضح هذه القصة بوضوح أن ما يبدو ظاهريًا مصدرًا للسعادة والنجاح، قد يكون باطنيًا سببًا للهلاك والابتلاء، وما نرى أنفسنا محرومين منه قد يكون بحد ذاته نعمة مخفية. للتغلب على هذا الشعور، يقدم القرآن حلولاً عملية: 1. القناعة والشكر: بدلاً من الحسرة على ما يملكه الآخرون، ركز على ما تملكه أنت (الصحة، العائلة، الإيمان، القدرات) وكن شاكراً. يقول الله في سورة إبراهيم، الآية 7: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾. الشكر يفتح الأبواب لمزيد من النعم ويعزز شعور الرضا. 2. الصبر والتوكل: كن صبوراً في مواجهة ما تعتبره نقصًا أو ظلمًا، وتوكل على حكمة الله وعدله. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 153: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. الصبر ليس فقط تحمل المصاعب، بل هو قبول قضاء الله والأمل بالفرج. 3. التركيز على الواجبات الشخصية والآخرة: بدلاً من الانشغال بحياة الآخرين، ركز على واجباتك ومسؤولياتك تجاه الله، والأسرة، والمجتمع. اعلم أن كل نفس مسؤولة عن عملها، وأن الجزاء والثواب لكل شخص بناءً على سعيه وجهده. بالتركيز على الآخرة وكسب رضا الله من خلال الأعمال الصالحة، تتضاءل الدنيا وممتلكاتها في نظر الإنسان، ويحل محل شعور الظلم الطمأنينة واليقين. في الختام، يمكن أن يكون هذا الشعور بالظلم علامة على الحسد، وهو مرض قلبي ينهى عنه القرآن (على سبيل المثال، الاستعاذة من شر حاسد إذا حسد في سورة الفلق). لعلاج هذا الشعور، يجب على المرء أن ينظر في نفسه ويعزز إيمانه، ويكتسب فهمًا أعمق للعدل الإلهي وحقيقة الحياة الدنيا. إن إدراك أن السعادة الحقيقية في الدنيا لا ترتبط بالضرورة بالثروة والقوة الظاهرة، وأن هذه الأمور الدنيوية قد تكون وسيلة اختبار وابتلاء للأفراد، يساعد الإنسان على التحرر من قيود المقارنة ويجد سلامًا في قلبه. يجب أن نعلم أن الله هو العادل المطلق، ولا يظلم أحدًا مثقال ذرة، وكل ما يعطيه أو يأخذه يكون في إطار حكمته وعدله.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في بستان سعدي، يُروى أن رجلاً فقيراً كان له جار ثري، وكلما رأى بريق حياة جاره، تنهد بحسرة وقال في نفسه: "أي عدل هذا، هو يعيش في رفاهية ورغد، وأنا في فقر وشقاء؟" وذات يوم، سمع أن جاره الثري قد مرض، وأنه لا ينام الليل من شدة الألم، وأنه رغم كل ثروته، لا شيء يريحه. عندما سمع الرجل الفقير هذا الخبر، رفع رأسه إلى السماء وقال: "يا إلهي! شكراً لك لأنك أنعمت علي بنعمة الصحة والسلام، فهما أغلى من أي كنز. الآن أدركت أن السعادة الظاهرية لا تعني دائمًا الرخاء الحقيقي، وأن عدلك أسمى من إدراكي." ومنذ ذلك الحين، واصل حياته بقلب مطمئن وشاكر.

الأسئلة ذات الصلة