لماذا يبدو بعض المؤمنين متشددين وعابسين؟

يؤكد القرآن الكريم على الرحمة والاعتدال والأمل واللطف، لا التشدد والعبوس. وظهور بعض المؤمنين بهذه الصفات غالباً ما ينبع من سوء فهم أو عوامل شخصية، وهو لا يتفق مع الروح الحقيقية للدين.

إجابة القرآن

لماذا يبدو بعض المؤمنين متشددين وعابسين؟

السؤال الذي طرحته عميق جداً ويتعلق بجانب مهم من فهم وتجربة الإيمان. للوهلة الأولى، قد يُشكل بعض الناس انطباعًا بأن الإيمان الحقيقي يتطلب التشدد والعبوس عند ملاحظة سلوكيات معينة من بعض المؤمنين. ولكن إذا رجعنا إلى تعاليم القرآن الكريم الأصيلة وسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم)، نجد أن الصورة المقدمة للمؤمن الحقيقي لا تتعارض مع العبوس والتشدد فحسب، بل تؤكد بشدة على صفات مثل الرحمة، اللطف، الاعتدال، الأمل، والبهجة. يصف القرآن الكريم دين الإسلام بأنه دين الفطرة، واليسر، والسهولة، وليس دين العسر والصعوبة. فالله تعالى يعرف نفسه بصفات مثل 'الرحمن' و'الرحيم' (الواسع الرحمة، الرحيم) ويأمر المؤمنين بأن يكونوا مرآة لصفاته. وهذا يعني أن المؤمن الحقيقي يجب أن يكون انعكاساً للرحمة الإلهية، لا للتنازع والعبوس. والنظر في آيات القرآن يظهر أن الغاية من رسالة الأنبياء هي هداية الناس نحو السعادة والطمأنينة، وليس فرض أعباء ثقيلة لا تطاق عليهم. في الواقع، النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم)، الذي هو القدوة الكاملة للمؤمنين، يوصف في الآية 159 من سورة آل عمران كالتالي: 'فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ'. هذه الآية توضح بجلاء أن الليونة والرحمة هما الأساس حتى في قيادة الناس وإرشادهم، وليست القسوة والتشدد. وتتجلى هذه الليونة واللطف ليس فقط في التعامل مع الآخرين، بل في نظرة الفرد إلى الحياة والعبادات أيضاً. ربما يمكن البحث عن جذور هذا الفهم الخاطئ أو ظهور السلوكيات المتشددة لدى بعض المؤمنين في عوامل متعددة لا تنبع بالضرورة من نص القرآن. أحد أهم الأسباب قد يكون سوء فهم التعاليم الدينية. فبعض الأفراد، بدلاً من التركيز على الجوانب المتوازنة والشاملة للدين، يركزون فقط على جانب أو بضعة جوانب محددة مثل الأحكام والمحرمات، ويتجاهلون الأبعاد الأخرى مثل الرحمة الإلهية، والمحبة، والأمل، ويسر الدين. يمكن أن يؤدي هذا المنظور أحادي الجانب إلى نظرة متشددة وجافة، والتي تقدم في النهاية صورة عابسة عن الدين والمتدينين. وهذا على عكس ما يؤكده القرآن الكريم دائماً على الاعتدال والوسطية، كما جاء في الآية 143 من سورة البقرة: 'وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا...'. الأمة الوسط هي الأمة التي لا تفرط ولا تبالغ، وتسلك طريق الاعتدال في جميع شؤون الحياة. عامل آخر يمكن أن يؤدي إلى هذه الظاهرة هو اليأس من رحمة الله. ينهى القرآن الكريم بشدة عن اليأس من رحمة الله، ويقول في الآية 53 من سورة الزمر: 'قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ'. المؤمن الذي يؤمن بعظمة الرحمة الإلهية يكون دائماً مفعماً بالأمل والنشاط، وينعكس هذا الأمل في سلوكه ومظهره. فالعبوس والتشدد غالباً ما يكونان علامة على إغفال هذا البعد المهم من الرحمة والمغفرة. كما يمكن أن تؤثر العوامل النفسية والشخصية في ظهور هذه السلوكيات. فأحياناً، قد تتسبب المشاكل الشخصية، أو الضغوط الاجتماعية، أو حتى عدم القدرة على إدارة العواطف، في أن يظهر الفرد، حتى في تدينه الظاهر، توتراً وغلظة بدلاً من السكينة. ويجب ألا تُنسب هذه المشكلات إلى الدين، بل تكمن جذورها في السمات الفردية والعجز عن دمج التعاليم الروحية والأخلاقية للدين مع الحياة اليومية. يؤكد دين الإسلام دائماً على البعد الاجتماعي والإنساني من خلال توجيهاته مثل صلة الرحم، والإحسان إلى الوالدين، ومساعدة المحتاجين، والتعامل الحسن مع الناس. هذه التفاعلات الصحية القائمة على المحبة، بالتأكيد لا تترك مجالاً للعبوس والتشدد غير المبرر. فالمؤمن الحقيقي يجب أن يكون مصدر طمأنينة وأمان لمن حوله، لا مصدر خوف وقلق. أيضاً، في بعض الأحيان، يكون التشدد في الدين بسبب نوع من الغرور والتكبر غير الواعي، حيث يرى الفرد نفسه أفضل من الآخرين، وينظر باستعلاء إلى أخطاء الآخرين ونواقصهم. في حين أن القرآن الكريم نهى بشدة عن التكبر والغرور، واعتبر التواضع من صفات المؤمنين الصادقين. وخلاصة القول أن ما يجعل بعض المؤمنين يبدون متشددين أو عابسين لا ينبع من التعاليم القرآنية الأصيلة والسامية، بل هو في الغالب ناتج عن سوء الفهم، أو التجارب الفردية الناقصة، أو الضغوط الخارجية، أو السمات الشخصية. الإسلام دين الرحمة واليسر والاعتدال، وعلى المؤمن الحقيقي أن يكون انعكاساً لهذه الصفات الإلهية، وأن يقدم بوجه بشوش، وقلب رحيم، وروح مليئة بالأمل، وأن يكون مصدراً للطمأنينة لنفسه وللخير للمجتمع. لذلك، واجبنا هو أن نظهر الوجه الحقيقي للإسلام بالعمل بتعاليم القرآن الرحيمة والمعتدلة، وأن نبتعد عن أي تشديد غير مبرر أو عبوس لا يتوافق مع روح الدين، حتى تُفهم جماليات هذا المنهج الإلهي حق الفهم.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في زمن الشيخ أبي الحسن الخرقاني، كان هناك رجلان كلاهما يدعي الزهد والتقوى. كان أحدهما غارقاً في العبادة دائماً، وكان وجهه عابساً ومنقبضاً، حتى أن القليل من الناس كانوا يجرؤون على الاقتراب منه، وكأنه يكره العالم وأهله. أما الآخر، فرغم أنه كان يتحدث ظاهرياً عن العبادة أقل من الأول، إلا أنه كان يتمتع بوجه بشوش وقلب لطيف. كان يتحدث مع الجميع بلطف، ويساعدهم، وكان الابتسامة لا تفارق شفتيه. في أحد الأيام، سُئل الشيخ الخرقاني: «يا شيخ، أي هذين الرجلين أقرب إلى حقيقة الإيمان؟» فأجاب الشيخ بلطف: «الأقرب إلى طريق الحقيقة هو من كان باطنه مع الله وظاهره مع الخلق. أما صاحب الوجه العابس، فلو بدا زاهداً، ربما كان يطلب لذة القرب من الله لنفسه فقط، ولم ينشر نور الأمل للآخرين. أما من كان بوجه بشوش وكلام عذب، سبباً لطمأنينة الناس وفرحهم، فهو الذي وجد نور المحبة الإلهية في قلبه وينشرها في العالم. لأن رحمة الله على جميع العباد، والمؤمن الحقيقي هو تجلي لهذه الرحمة.»

الأسئلة ذات الصلة