من منظور قرآني، يُعتبر الامتناع عن مساعدة الآخرين، خاصة المحتاجين، عملاً مذمومًا جدًا، وفي بعض الحالات يُعد ذنبًا، مما يدل على ضعف الإيمان وإهمال الأوامر الإلهية بالتعاطف والتعاون، وقد يؤدي إلى عواقب أخروية.
في تعاليم القرآن الكريم السامية، يحتل مفهوم مساعدة الآخرين، وخاصة المحتاجين والضعفاء، مكانة عالية جدًا ويعتبر أحد الأركان الأساسية للإيمان والتقوى. من منظور القرآن، فإن الامتناع عن مساعدة الآخرين، خاصة في الظروف التي يمتلك فيها الفرد القدرة والاستطاعة اللازمتين وتوجد حاجة واضحة، ليس مجرد نقص أخلاقي فحسب، بل يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة ومضرة في الدنيا والآخرة، ولا يخرج عن نطاق 'الذنب' بمعنى عصيان الأوامر الإلهية. يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على أهمية الإنفاق والإحسان ومد يد العون للمساكين والأيتام والفقراء وابن السبيل والجيران. هذه التأكيدات في الواقع تعبر عن حقيقة أن المجتمع الإسلامي مبني على التعاون والتعاطف والمسؤولية المتبادلة. فعندما يثني الله في آيات عديدة على أعمال البر والعطاء، ويعد عليها أجورًا عظيمة، فإنه في المقابل، يلوم بشدة ويحذر أولئك الذين يمتنعون عن مساعدة خلقه. من أبلغ الآيات وأكثرها تأثيرًا في هذا السياق سورة الماعون. في هذه السورة، يسوي الله تعالى بين الذين يدعون اليتيم ولا يحضون على طعام المسكين وبين الذين يكذبون بالدين. ويتوعد بالويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، والذين يراءون، ويمنعون الماعون (أي المساعدة البسيطة والأشياء الضرورية اليومية). توضح هذه الآيات جليًا أن التقصير في فعل الخيرات والمساعدات البسيطة للآخرين يمكن أن تكون له عواقب وخيمة، وتدل على غياب الإيمان الحقيقي أو ضعفه. إن منع الماعون، الذي يعني أدوات الحياة الضرورية والمساعدات الصغيرة، ليس مجرد فعل غير مرغوب فيه، بل هو في سياق هذه السورة، علامة على عدم الإيمان بيوم القيامة وتكذيب بالدين. هذا التعبير القرآني يربط عدم المساعدة بالذنوب الكبيرة، لأنه ينبع من حالة نفسية وقلبية خالية من الشفقة والتعاطف. كما أن القرآن الكريم، في سورة البقرة، الآية 177، لا يحصر 'البر' (الخير والإحسان الحقيقي) في الأعمال التعبدية فقط، بل يشمل الإيمان بالله واليوم الآخر وإيتاء المال على حبه لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين، حتى مع حبهم لذلك المال. تعرف هذه الآية المساعدة المالية، إلى جانب الصلاة والزكاة، كعلامات رئيسية على التقوى والصدق في الإيمان. وبالتالي، فإن عدم القيام بهذه الأمور يمكن أن يعني عدم تحقيق 'البر' الحقيقي والابتعاد عن سبيل التقوى، وهو بحد ذاته نوع من الذنب والانحراف عن الصراط الإلهي المستقيم. إضافة إلى ذلك، في سورة النساء، الآية 36، يأمر الله تعالى بعد الأمر بعبادته وعدم الإشراك به شيئًا، مباشرة بالإحسان إلى الوالدين، وذي القربى، واليتامى، والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم (الضعفاء والعمال في يومنا هذا). هذا الربط الوثيق بين عبادة الله والإحسان إلى خلقه يظهر أن هذين الأمرين لا ينفصلان، وأن التقصير في أحدهما يؤثر سلبًا على الآخر. فالإهمال لحقوق هذه الفئات هو مثال واضح على القسوة وعدم الرحمة، وهي صفات لا يحبها الله، بل يذم من يتصف بها. ويشير القرآن الكريم أيضًا إلى أهمية الإيثار والتضحية بالنفس. في سورة الحشر، الآية 9، يثني الله على الذين يقدمون الآخرين على أنفسهم رغم حاجتهم، ويُوقون شح أنفسهم. وتعتبر هذه الآية الإيثار من صفات المفلحين. وبالتالي، فإن عدم المساعدة، في مقابل الإيثار، هو علامة على صفة الشح والبخل في النفس التي حذر الله المؤمنين منها، واعتبرها عائقًا أمام الفلاح. فكيف يمكن لمن لم يُوقَ شح نفسه أن يدعي الفلاح؟ وهذا يدل على أن البخل وعدم المساعدة يشكلان عائقًا كبيرًا في المسيرة الروحية للإنسان. بشكل عام، يمكن القول إن عدم مساعدة الآخرين في الإسلام، خاصة في الحالات التي يمتلك فيها الفرد القدرة المالية أو الجسدية لتقديم المساعدة وهناك حاجة ماسة، ليس فقط عملاً غير مستحسن ومذموم، بل يمكن أن يندرج ضمن الذنوب الكبيرة أو الصغيرة التي تبعد الإنسان عن الرحمة والمغفرة الإلهية. الإسلام دين يقوم على العدالة الاجتماعية، والتعاطف، والتضامن. فمن يمتلك القدرة على المساعدة ويدير ظهره للمحتاجين، فإنه في الواقع يضر بهذه الأسس ويتجاهل الحقوق الإلهية والإنسانية. وفي يوم القيامة أيضًا، سيُسأل الإنسان عن أعماله، بما في ذلك مدى مساعدته وعونه للآخرين، وسيُحاسب عليها. لذا، فالمؤمن الحقيقي هو الذي لا يكتفي بأداء واجباته الدينية، بل يكون سباقًا وفاعلًا في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك مساعدة بني البشر، وأن يكون قلبه مفعمًا بالمحبة والرحمة. وهذا الفعل لا يعود على الفرد فقط بالثواب الأخروي، بل يؤدي أيضًا إلى بناء مجتمع أكثر صحة وتماسكًا، ويعزز المحبة والإخاء بين الناس.
يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، عاش رجل ثري في مدينة كانت جدران بيته عالية وقلبه خالياً من الشفقة. كان يملك ثروة وفيرة، ولكنه ظل غافلاً عن حال جيرانه الفقراء وأيتام المدينة، ولم يمد يد العون أبدًا. في يوم من الأيام، مر درويش بقبعة قلندرية من ذلك الحي. وقد شم رائحة البخل والقسوة من بيت الرجل الثري، فنادى: «يا صاحب هذا الدار الشاهقة، اعلم أن مال الدنيا كالمياه في الجدول، إن حُبِس ركد وفسد، وإن جرى وسقى الأراضي بقي طازجًا. الكنز الذي تخفيه في باطن الأرض قد ينفع غيرك يومًا، لكن الكنز الذي تزرعه في قلب محتاج يبقى في صحيفة أعمالك إلى الأبد.» لم يضحك الرجل الثري لكلام الدرويش، لكن قلبه اهتز قليلاً. مرت الأيام وأصابه مرض عضال. أنفق كل ماله على العلاج ولم يجد أي راحة. حينها تذكر كلمات الدرويش وأدرك أن قلبه كان كبئر جافة. بعد ذلك، أنفق ما تبقى من ماله في سبيل الله وسعى لمساعدة الآخرين. وعندها فقط استعاد عافيته الروحية ووجد مكانة جديدة بين الناس، وأدرك أن عطر الحياة الزكي لا يأتي من رائحة المال، بل من عبير الإحسان للآخرين.