السلوك غير الأخلاقي لبعض المتدينين، من منظور القرآن، ينبع من النفاق، أو الفهم السطحي للدين، أو تفضيل أهواء النفس والدنيا على الإيمان الحقيقي. الدين الحق يربط الإيمان الصادق بالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة، وليس فقط بالمظاهر العبادية.
السؤال المطروح هو أحد أكثر المخاوف تحديًا وواقعية التي يواجهها العديد من الأفراد في المجتمعات المختلفة. إن ملاحظة السلوكيات غير الأخلاقية من قبل من يدّعون التدين يمكن أن يؤدي إلى الارتباك، والخيبة، وحتى التشكيك في جوهر الدين نفسه. ولكن، من منظور القرآن الكريم، هذه الظاهرة ليست إنكارًا لحقيقة الدين بحد ذاتها، بل هي علامة على السطحية أو النفاق أو عدم الفهم العميق للتعاليم الإلهية. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الإيمان الحقيقي ليس مجرد إقرار باللسان أو أداء ظاهري للعبادات، بل يجب أن يكون مصحوبًا بالعمل الصالح والأخلاق الحسنة. في الحقيقة، الهدف الأساسي للدين هو تزكية النفس، وتنمية الفضائل الأخلاقية، وإقامة مجتمع قائم على العدل والإحسان. أحد أهم الأسباب التي يطرحها القرآن لهذا التناقض هو قضية "النفاق". المنافق هو من يظهر الإيمان outwardly ولكنه يفتقر إلى الاقتناع الداخلي أو يسعى لتحقيق أهداف أخرى. قد يتظاهر هؤلاء الأفراد بالتدين لكسب مكانة اجتماعية، أو منفعة شخصية، أو حتى لإلحاق الضرر بالدين. يدين القرآن بشدة المنافقين، بل يعتبر مكانتهم في الآخرة أسوأ من مكانة الكفار، لأنهم بخداعهم يضرون بالمجتمع ويشوهون صورة الدين. في سورة البقرة، الآيات 14 إلى 16 تشير بوضوح إلى هذه الفئة، الذين يقولون ظاهريًا "آمنا"، ولكن في خلوتهم يتآمرون مع شياطينهم ويسخرون من الله. هذه الآيات تدل على أن السلوك غير الأخلاقي من شخص "متدين" قد ينبع من غياب الإيمان الحقيقي ووجود نوع من التظاهر الديني. سبب آخر هو عدم الفهم الصحيح والعميق لطبيعة الإيمان والعبادة. في القرآن، الإيمان ليس مجرد مجموعة من المعتقدات الجافة والجامدة؛ بل هو حالة قلبية يجب أن تنعكس في جميع أبعاد حياة الإنسان، بما في ذلك سلوكه وتصرفاته. العبادات مثل الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، هي وسائل للوصول إلى التقوى، وتزكية النفس، وتطهير الروح، وليست هي الهدف النهائي. إذا صلى شخص ولكنه ظلم الفقراء، أو صام ولكنه اغتاب، فإنه في الواقع لم يدرك روح العبادة. سورة الماعون تُظهر بجمال هذه النقطة، حيث تقول: "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون". هذه الآيات تدل على أن الصلاة نفسها، إذا لم تؤد بنية خالصة ومصحوبة بالاهتمام بحقوق الآخرين، يمكن أن تكون بلا أثر أو حتى مذمومة. في الواقع، التدين بدون أخلاق، هو كشجرة بلا أوراق أو ثمار؛ يبقى ظاهرها فقط. العامل الثالث هو سيطرة هوى النفس وحب الدنيا على الإيمان. يحذر القرآن مرارًا الإنسان من أن التعلق المفرط بالمال والمكانة وملذات الدنيا يمكن أن يحرفه عن طريق الحق ويدفعه نحو الفساد والسلوك غير الأخلاقي. عندما تصبح المصالح الشخصية، والشهرة، والسلطة، أو الثروة أولوية بالنسبة للفرد "المتدين"، فإنه يصبح مستعدًا لانتهاك المبادئ الأخلاقية وحتى الأوامر الدينية الصريحة. في هذه الحالة، يصبح الدين بالنسبة له أداة لتحقيق أهداف دنيوية، وليس طريقًا للقرب الإلهي وتزكية النفس. تؤكد آيات القرآن أن الحياة الدنيا ليست سوى متاع الغرور، وأن المؤمنين الحقيقيين هم الذين يؤثرون الآخرة على هذه الدنيا الفانية. هذا الميل نحو الدنيا ونسيان الهدف الأساسي من الخلق، يمكن أن يدفع الأفراد إلى سلوكيات غير أخلاقية مثل الرشوة، والكذب، والظلم، والخيانة، حتى لو أظهروا في الظاهر تدينًا. في الختام، يجب التأكيد على أن السلوك غير الأخلاقي لبعض الأفراد المتدينين لا ينبغي أن يُنسب إلى جوهر الدين نفسه. فدين الإسلام، بكل تعاليمه ومبادئه، هو دين الأخلاق، والعدل، والرحمة، والسلام. المشكلة ليست في الدين، بل في نقص الفهم، والعمل، والصدق الفردي. يدعو القرآن الكريم المؤمنين باستمرار إلى العمل الصالح، ومراعاة حقوق الآخرين، والإحسان، والصدق، والامتناع عن الظلم والفساد. المعيار الحقيقي للتدين من وجهة نظر القرآن هو التقوى والعمل الصالح. "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات، 49:13) يعني أن أكرمكم عند الله أتقاكم. والتقوى ليست مجرد الابتعاد عن المحرمات، بل تشمل أداء الواجبات ومراعاة مكارم الأخلاق. لذلك، كلما أظهر فرد يدعي التدين سلوكًا غير أخلاقي، فإن ذلك يدل على نقص في تدينه، وليس نقصًا في الدين. يجب على المجتمع أن يميز بين من يعيشون بإيمان حقيقي ومن يلتزمون بالمظاهر فقط. فهم هذه النقطة يساعدنا على تجنب الأحكام السطحية واتباع المسار الصحيح للتدين، وهو الجمع بين الإيمان الصادق والأخلاق الحسنة.
يُروى أنه في مدينة ما، كان هناك تاجر مشهور بورعه وتدينه، يرتاد المسجد والمحراب؛ فكل صباح يصلي مع الجماعة، وكل مساء يحضر مجالس الوعظ. كان الناس يرون فيه رجلاً ذا أخلاق حميدة. ولكن، في الخفاء، كان يغش في معاملاته وينقص في المكيال. وفي نفس المدينة، كان يعيش رجل بسيط القلب، لم يكن ظاهريًا كثير التردد على المسجد، ولكن كلما طلب منه أحد قرضًا، كان يساعد بلا توقع، ولم يكذب قط في كلامه، وكان صادقًا في تجارته. في يوم من الأيام، مر عالم حكيم بكليهما. فسأله الناس: "أيهما أحب إلى الله؟" ابتسم العالم وقال: "ذلك الذي يقلل من الكلام عن الدين ظاهريًا، ولكنه في العمل، يحيي حقيقة الدين؛ فإن صلاته ليست سوى إقامة الصدق والعدل."