لم يذكر القرآن الشيشة بشكل مباشر، لكن بناءً على مبادئه العامة في تجنب إيذاء النفس، والحفاظ على الصحة، واجتناب الهلاك، والابتعاد عن الإسراف، فإن تدخين الشيشة الذي له أضرار مؤكدة، هو عمل مكروه ويتعارض مع التعاليم الإسلامية. يندرج هذا الفعل ضمن فئة 'الخبائث'.
في الإجابة على سؤال ما إذا كان تدخين الشيشة ضارًا بالجسم وما هو حكمه من منظور القرآن الكريم، يجب القول إن القرآن الكريم لم يذكر بشكل مباشر وباسم خاص «الشيشة» أو «التبغ». هذا لأن استهلاك التبغ والشيشة يعتبر ظاهرة حديثة نسبيًا في تاريخ البشرية ولم تكن موجودة وقت نزول القرآن. ومع ذلك، يقدم القرآن الكريم مبادئ وقواعد عامة واضحة جدًا يمكن من خلالها استنتاج الحكم الشرعي والأخلاقي للمسائل الجديدة التي تظهر بمرور الوقت. هذه المبادئ والأسس العامة هي دليلنا لفهم وجهة نظر الإسلام فيما يتعلق بأي شيء يخص صحة الإنسان. من أهم المبادئ القرآنية الأساسية في هذا الصدد ما جاء في سورة الأعراف، الآية 157، حيث يقول الله تعالى: «...وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ...». في هذه الآية الكريمة، يوضح الله سبحانه وتعالى المبدأ العام لـ«تحريم الخبائث» و«تحليل الطيبات». وتُطلق كلمة «الطيبات» على كل ما هو طاهر، مفيد، مستساغ، ونافع لجسد الإنسان وروحه، بينما تشير «الخبائث» إلى كل ما هو نجس، ضار، مؤذٍ، وخبيث. وبالنظر إلى الدراسات العلمية العديدة والمتفق عليها عالميًا والتي أثبتت بوضوح أن تدخين الشيشة يضر بصحة الإنسان ضررًا بالغًا ويسبب أمراضًا مميتة ولا رجعة فيها مثل أنواع مختلفة من السرطانات (الرئة، الفم، الحلق)، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكتات الدماغية والقلبية، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة، وغيرها الكثير، يمكن القول بقطع إن الشيشة تندرج ضمن فئة «الخبائث». فكل ما يعرض صحة الإنسان للخطر ويقوده نحو الهلاك لا يمكن أن يكون «طيبًا» أو طاهرًا. مبدأ قرآني آخر في هذا السياق بالغ الأهمية هو ما جاء في سورة البقرة، الآية 195، حيث يقول الله تعالى: «...وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ...». هذه الآية تنهى بوضوح عن قيام الإنسان بما يؤدي إلى تدميره أو إلحاق ضرر جسيم بنفسه. فجسم الإنسان أمانة من الله، وحمايته واجب شرعي. والإنسان مسؤول عن صحته، وليس له الحق في تعريض هذه الأمانة الإلهية للخطر أو تدميرها بأفعاله وسلوكياته. وبما أن تدخين الشيشة يعرض الفرد لمخاطر جسدية ونفسية خطيرة، ويقوده تدريجيًا نحو المرض والضعف، فإنه يعتبر مصداقًا واضحًا لـ«إلقاء النفس باليد إلى التهلكة». وهذا الهلاك قد يكون تدريجيًا وطويل الأمد، لكنه يؤدي في النهاية إلى إضعاف الجسد وتقليل جودة الحياة، بل وحتى الموت المبكر. كما أن دخان الشيشة ليس ضارًا للمستخدم فحسب، بل للأشخاص المحيطين به الذين يتعرضون للدخان السلبي، وهذا أيضًا يتنافى مع الروح العامة للإسلام التي تؤكد على عدم إيذاء الآخرين. علاوة على ذلك، فقد ذم القرآن الكريم «التبذير» أو الإسراف. ففي الآيتين 26 و 27 من سورة الإسراء نقرأ: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا». استهلاك الشيشة، بالإضافة إلى أضرارها الجسدية والنفسية، يشمل أيضًا نفقات مالية. إن إنفاق المال في سبيل لا يجلب نفعًا، بل يجلب ضررًا وخسارة جسيمة ويدمر الأمانة الإلهية (الجسد)، هو مثال واضح للإسراف والتبذير. فالمال والممتلكات هي أيضًا أمانات إلهية يجب إنفاقها في سبيل ما يرضي الله وما هو نافع للإنسان. إنفاقه في سبيل الشيشة التي هي مصدر للضرر والمرض، هو نوع من الجحود لنعم الله ومرافقة للشيطان في التبذير. بناءً على هذه المبادئ القرآنية العامة والأدلة العلمية التي لا يمكن إنكارها، فإن الغالبية العظمى من الفقهاء وعلماء الإسلام في العصر الحديث قد اعتبروا استهلاك الشيشة والتبغ محرمًا أو على الأقل مكروهًا تحريميًا (مكروه بشدة ويقترب من الحرام). وهم يرون أن كل ما يضر بالجسد ضررًا مؤكدًا ويقينيًا، لا يجوز في إطار تعاليم الإسلام، واستنادًا إلى الآيات المذكورة. لقد أكد الإسلام دائمًا وبشدة على الحفاظ على النفس، والعقل، والدين، والنسل، والمال. وكل عمل يضر بهذه الأركان الخمسة يعتبر مرفوضًا ومكروهًا. فصحة الجسد هي أساس قدرة الإنسان على أداء واجباته الدينية والدنيوية، وخدمة الأسرة والمجتمع، والوصول إلى الكمال الروحي. لذا، بالاعتماد على تعاليم القرآن المتجذرة، يمكن استنتاج أن تدخين الشيشة، نظرًا لأضراره المؤكدة والمثبتة، هو عمل غير مستحب ويتعارض مع تعاليم الإسلام التي تركز على الصحة، ويُنصح بشدة بالابتعاد عنه ليتمكن الإنسان من عيش حياة أكثر صحة وإنتاجية ويصون أمانة وجوده الإلهية.
يُروى أنه في العصور القديمة، كان هناك شاب يُدعى هوشمند (بمعنى ذكي) شديد الولع بالمجالس والترفيه. وكلما قيل له إن الإفراط في بعض الملذات، كالدخان المتصاعد من الأنبوب، له عواقب وخيمة، لم يقبل. كان يقول دائمًا: «هذه لحظة وتمضي، فما الضير في قليل من المتعة؟» حتى ذات يوم، حضر مجلسًا شيخ حكيم من أصحاب سعدي. تحدث هوشمند بغرور عن مجالسه. فأجاب الشيخ بابتسامة لطيفة: «يا شاب، المتعة الزائلة كخمر تبدو حلوة، ولكن في خفاياها سم كامن. ألم تسمع قول سعدي: 'القلب الذي لا يأكل في هذه الحديقة سوى الحزن، كيف يأمل أن يجد اللؤلؤ من الصدفة؟' جسد الإنسان حديقة يجب أن تُروى بماء الصحة، لا بدخان الفساد. ومتى زرع البستاني بذور الضرر فيها، فلن يحصد إلا المرض والندم.» غرق هوشمند في التفكير بعد هذا الكلام، وتأمل في نفسه: «إذا فقدت صحتي، فأي متعة ستبقى لي؟» ومنذ ذلك اليوم، بدلًا من نفخة دخان، اتجه إلى استنشاق الهواء النقي وممارسة الرياضة، ووجد أن صحته هي أثمن جوهرة يجب أن يحافظ عليها. أدرك أن الحكمة تكمن في الحفاظ على النعمة، لا في إتلافها.