هل من الممكن أن يكون الله قد نسيني؟

الله سبحانه وتعالى لا ينسى أبداً، لأن النسيان نقص لا يليق بكماله الإلهي وعلمه يحيط بكل شيء. وشعور الإنسان بالنسيان غالبًا ما ينبع من المصاعب، اليأس البشري، أو وساوس شيطانية، وليس من نسيان الرب.

إجابة القرآن

هل من الممكن أن يكون الله قد نسيني؟

إن الشعور بأن الله تعالى قد نسي شخصًا ما هو إحساس إنساني، وفي بعض الأحيان يكون عميقًا ومزعجًا للغاية، ينتاب الإنسان في لحظات الشدة، اليأس، أو الابتعاد الروحي. غالبًا ما ينبع هذا الشعور من تصورات خاطئة لدينا عن الذات الإلهية وتفسير غير دقيق لعلاقة الخالق بالمخلوق. رداً على هذا السؤال من منظور القرآن الكريم، يجب أن نقول بحزم أن الله لا ينسى عبده أبداً، ولا بأي حال من الأحوال. فمفهوم "النسيان" بمعناه البشري كفقدان الذاكرة أو الإهمال أو عدم الانتباه، هو نقص موجود فقط في الكائنات الناقصة والمحدودة مثل البشر. أما ذات الرب المتعال فهي كمال مطلق، وعليم بكل شيء، وحاضر ومراقب لكل شيء، ومنزه عن كل عيب أو نقص. النسيان يدل على محدودية ونقص، وهاتان الصفتان لا يمكن أن تُنسبا أبداً للذات الإلهية التي لا نهاية لها وكاملة. علمه لا حدود له ويشمل كل شيء، من بداية الخلق إلى نهايته، من أكبر المجرات إلى أصغر ذرة مخفية في الأرض والسماء. الله لا يغفل عن مخلوقاته فحسب، بل هو على علم بجميع تفاصيل وجودهم وحياتهم. وهذا اليقين بعدم نسيان الله هو أساس الطمأنينة الروحية والتوكل عليه. يؤكد القرآن الكريم بوضوح في آيات عديدة على هذه الحقيقة، مبيناً أن الله لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا ينسى ولا يغفل عن شيء. في سورة مريم، الآية 64، يقول صراحة: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا"، أي "وما كان ربك بنسّاء". هذه الآية وحدها تقدم إجابة قاطعة لقلق العبد. فالنسيان ليس مستحيلاً على الله فحسب، بل إن علمه لا حدود له، وإحاطته بكل شيء مطلقة. إنه يعلم كل الأفعال، والأفكار، والهمسات، وحتى أصغر حركات مخلوقاته. في سورة طه، الآية 52، نقرأ: "قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي کِتَابٍ ۖ لَّا یَضِلُّ رَبِّي وَلَا یَنسَیٰ"، أي "(موسى) قال: علمها عند ربي في كتاب؛ لا يضل ربي ولا ينسى." هذه الآية تظهر أن العلم الإلهي يشمل الماضي والحاضر والمستقبل، ولا شيء يخفى عن بصره. جميع أعمال الإنسان، خيرها وشرها، مسجلة في اللوح المحفوظ وعند الرب ولا تُنسى أبداً؛ وهذه النقطة تضمن أيضاً العدل الإلهي يوم القيامة. فإذا كان الله لا ينسى، فلماذا يشعر الإنسان أحيانًا بهذا الشعور؟ ينشأ هذا الإحساس غالبًا بسبب الظروف التي يمر بها الإنسان. فعندما يواجه الفرد مشكلات كبيرة، مصائب، أو خيبات أمل متتالية، قد يتكون لديه هذا التصور الخاطئ بأن الله قد تخلى عنه أو نسيه. هذه وسوسة يلقيها الشيطان لإيئاس العبد من رحمة الله. في الحقيقة، هذه الابتلاءات والمصاعب ليست علامة على النسيان، بل هي غالبًا فرص للنمو، والعودة إلى الله، وتطهير الذنوب. يقول الله في القرآن: "وَلَنَبْلُوَنَّکُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 155)، أي "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين." هذه الآيات تشير إلى أن الابتلاءات جزء من الخطة الإلهية لتربية الإنسان وتهذيبه، وليس الهدف منها إهلاك العبد أو نسيانه، بل رفعته وتساميه. الله قريب جداً من الإنسان، حتى أنه يقول بنفسه في سورة ق، الآية 16: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِیدِ"، أي "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد." هذا القرب يعني الإحاطة الكاملة والوعي المطلق بوجود الإنسان في كل لحظة ومكان. فكيف يمكن لمن هو قريب إلى هذا الحد أن ينسى؟ هذا التعبير يوضح أقصى درجات الاهتمام والإحاطة الإلهية. كما أن آيات القرآن تدعو الإنسان باستمرار إلى تذكر الله وذكره. في سورة البقرة، الآية 152، يقول: "فَاذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ وَاشْکُرُوا لِی وَلَا تَکْفُرُونِ"، أي "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون." هذه الآية وعد صريح لا مثيل له: إذا ذكر العبد ربه، فإن الله سيذكره. والمقصود بذكر العبد لله هو الطاعة والعبادة والدعاء والتوسل، بينما المقصود بذكر الله للعبد هو منحه الرحمة والهداية والعون وتحقيق الحاجات. لذلك، كلما شعرت بأنك منسي، فإن أفضل حل هو أن تكون أكثر ذكرًا لله، وأن تصلي، وتدعو، وتقرأ القرآن، وتتحدث إليه. هذه الأعمال ستقوي صلتك بالخالق وتعيد إليك شعور الطمأنينة والسكينة. وهذا بحد ذاته تذكير بأن العلاقة متبادلة؛ فكلما اقترب الإنسان من الله، زاد شعوره بفضله ورحمته. وعليه، فإن الشعور بالنسيان من قبل الله لا ينبع من نقص في الذات الإلهية، بل من نقص في فهم العبد وإيمانه أو من وساوس شيطانية. فالله دائم الحضور، ومراقب، وسميع، وعليم. إنه يسمع دعوات عباده ويستجيب لهم، حتى لو كانت الاستجابة بطريقة لا يتوقعها الإنسان في البداية. إنه يعلم جميع احتياجاتنا، الظاهرة والخفية، ولا يخرج شيء عن علمه وقدرته. واجبنا هو أن نؤمن برحمته وعدله في كل الظروف، ونطلب منه العون، ونصبر. إن الله حكيم، وكل ما يقدره لعبده لا بد أن يكون فيه خير، حتى لو بدا في البداية صعبًا وشاقًا. لذا، الجأوا بقلوب مطمئنة إلى ربكم الرحيم الدائم اليقظة، واعلموا أنه لن يترككم وحدكم أبداً ولن ينساكم، وسيبقى دائماً ملاذكم وسندكم.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في أحد الأيام، ضلّ عابر سبيل منهك ويائس طريقه في صحراء قاحلة، بعد أن انفصل عن قافلته. غمره العطش واليأس، وقال في نفسه: "لعل الله قد نسيني في هذا القفار!" وفي أوج يأس، وقع بصره على شجيرة يابسة، ومن تحتها كانت تتدفق قطرات ماء صغيرة. بشدة الدهشة، شرب من الماء واستعاد قوته. ثم قال لنفسه: "أيّها الجاهل! كيف ظننت أن من هو أقرب إليك من حبل الوريد، سيتخلى عنك في هذا الصحراء؟ كيف ينسى عبده وهو الذي يخرج الماء من قلب الصخر؟" ومنذ ذلك اليوم، لم يفقد أمله في فضل الله تعالى، وعلم أن ربه معه دائمًا.

الأسئلة ذات الصلة