هل الدعاء لأمور الدنيا محظور؟

الدعاء لأمنيات الدنيا ليس ممنوعًا بل هو مُشجع في القرآن الكريم، شريطة أن يكون بنية حسنة وتوازن بين الدنيا والآخرة. فالله، الوهاب والرزاق، يحب أن يسأله عباده جميع حاجاتهم، ما لم يؤدِ ذلك إلى نسيان الهدف الأسمى من الحياة وهو العبادة والسعادة الأخروية.

إجابة القرآن

هل الدعاء لأمور الدنيا محظور؟

في تعاليم القرآن الكريم الغنية والشاملة، لا حرج على الإطلاق في الدعاء لأمنيات ورغبات الدنيا، بل إن هذا الأمر يُشجّع عليه في كثير من الأحيان. فالدين الإسلامي، على عكس بعض المفاهيم الخاطئة، لا يذم الحياة الدنيا بالكلية؛ بل يعتبرها ميدانًا لزرع الفضائل والإعداد للحياة الآخرة. والله تعالى يُعرّف نفسه بأنه "الوهاب" (الكثير العطاء) و"الرزاق" (الرازق)، ويطلب من عباده أن يطلبوا منه كل حاجاتهم، مادية كانت أو معنوية. يمكن استنتاج هذا المبدأ الأساسي من مختلف آيات القرآن وسيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). أحد أجمل مظاهر هذه الجوازية يظهر في سورة البقرة، الآية 201، حيث يعلّم الله المؤمنين دعاءً شاملاً: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". هذه الآية تشير بوضوح إلى أن طلب "الحسنة" (الخير) في الدنيا ليس فقط جائزًا، بل هو جزء من الأدعية المستحبة والمقبولة عند الله. هذه الحسنة يمكن أن تشمل الصحة، الرزق الحلال، العائلة الصالحة، الطمأنينة، النجاح في العمل، العلم النافع، وكل ما يحسن حياة الإنسان الدنيوية. وكذلك، في الآية 200 من نفس السورة، يعاتب الله فئة من الناس دعاؤهم مقتصر على الدنيا، وهم غافلون عن الآخرة: "وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ". هذه الآية تبين أن الإشكال ليس في طلب الدنيا بحد ذاته، بل في "حصر" الطلب على الدنيا و"الغفلة المطلقة" عن الآخرة. بعبارة أخرى، الإسلام يدعو إلى التوازن. فالدنيا هي مزرعة الآخرة؛ هي وسيلة لتحقيق الكمالات الروحية والأهداف السامية. فالمال الحلال يمكن أن يكون وسيلة للإنفاق، ومساعدة المحتاجين، وبناء مجتمع أفضل. والصحة والعافية يمكن أن تكون فرصة للمزيد من العبادة، وخدمة الخلق، واكتساب العلم. لذلك، فإن الرغبات الدنيوية تكون مشروعة ومستحبة عندما تكون مصحوبة بنية حسنة وتُستخدم كوسيلة لرضا الله والسعادة الأخروية. وفي سورة الأعراف، الآية 32، ينتقد القرآن الكريم صراحة من يحرمون زينة الله الطيبة الحلال: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ". هذه الآية تؤكد حقيقة أن الاستمتاع بنعم الدنيا، ما دام من خلال طرق حلال ومعتدلة ومصحوبة بالشكر، لا حرج فيه إطلاقاً، بل هو علامة على فضل الله. الأنبياء عليهم السلام، الذين هم قدوة الكمال في العبودية، كانوا يدعون لأمور الدنيا. فسيدنا سليمان (عليه السلام) طلب من الله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده ("رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي"، سورة ص، آية 35). وسيدنا زكريا (عليه السلام) في سن الشيخوخة طلب من الله ذرية طيبة ("رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً"، سورة آل عمران، آية 38). وسيدنا أيوب (عليه السلام) دعا لشفاء مرضه ("أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"، سورة الأنبياء، آية 83). هذه الأمثلة توضح بجلاء أن طلب الخير وقضاء الحاجات في الدنيا ليس مذمومًا؛ بل كان منهج الأنبياء والأولياء الصالحين. النقطة الأهم في الدعاء الدنيوي هي نية الإنسان وهدفه. فإذا كان الدعاء لزيادة الرزق بهدف مساعدة الآخرين، أو تعزيز العدالة، أو تحقيق الاستقلال المالي لعبادة أكثر خشوعًا، فلا حرج فيه، بل هو عين الفضيلة. أما إذا كان طلب الدنيا مجرد رفاهية مفرطة، أو تكبر، أو غفلة عن ذكر الله، فهنا يكمن الإشكال. بعبارة أخرى، المشكلة ليست في الدنيا نفسها، بل في التعلق المفرط وغير الصحيح بها. في الختام، الدعاء لأمنيات الدنيا ليس جائزًا فحسب، بل هو علامة على التوكل على الله وإقرار بقدرته وكرمه. فالله يحب أن يسأله عباده وأن يمدوا أيديهم إليه بحاجاتهم. لكن هذا الدعاء يجب أن يكون مصحوبًا بالاجتهاد المشروع والتخطيط العقلاني، ويجب ألا يؤدي أبدًا إلى نسيان الهدف الأساسي من الخلق، وهو عبادة الله والسعادة الأخروية. فالتوازن بين الدنيا والآخرة هو دائمًا المفتاح الرئيسي للنجاح في الحياة من منظور الإسلام.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

جاء في بستان سعدي أن درويشًا كان يعيش في حي الفقر بقناعة لا حدود لها. كان كل يوم يرفع يديه إلى السماء، لا يدعو إلا لرزقه اليومي ليتحرر من منة الخلق. فسأله شيخ: "لماذا لا تدعو دعاءً أكبر؟ لماذا لا تطلب من الله ملكًا أو كنزًا؟" ابتسم الدرويش وقال: "أيها الشيخ، إني أخشى إن أعطوني ملك الدنيا أن يغفل قلبي عن ذكر الحق وأبتعد عن العبودية. دعائي هو أن يكون رزقي حلالًا وطيبًا لأكون به مطمئن القلب ويقظ الفكر لذكر ربي. إن الدنيا كالماء المالح؛ كلما شربت منها ازددت عطشًا، ولا ينفع منها إلا ما يروي عطش العبودية، لا أن تغرق فيها وتضل طريق الآخرة." فسر الشيخ بكلامه وعلم أن الدرويش لم يكن يأنف من طلب الدنيا، بل كان يخشى الوقوع في شباكها، وكان يسخر دعاءه لخير الدنيا من أجل الآخرة.

الأسئلة ذات الصلة