هل الصمت دائمًا علامة على السكينة؟

الصمت ليس دائمًا علامة على السكينة. السكينة هي طمأنينة داخلية من الله يمكن أن تظهر في حالات مختلفة؛ أحيانًا في الصمت للتأمل، وأحيانًا في قول الحق، وكلاهما ينبع من قلب مطمئن.

إجابة القرآن

هل الصمت دائمًا علامة على السكينة؟

«هل الصمت دائمًا علامة على السكينة؟» يدعونا هذا السؤال إلى تأمل عميق في معنى الصمت وعلاقته بالمفهوم القرآني «السكينة». الإجابة المختصرة على هذا السؤال هي «لا» قاطعة. فالصمت بحد ذاته وفي جميع الظروف لا يعني بالضرورة الهدوء والاطمئنان القلبي؛ لأن الصمت يمكن أن ينبع من جذور مختلفة ويشير إلى حالات داخلية متنوعة، بعضها لا يرتبط بالسلام الحقيقي على الإطلاق، بل قد يكون مؤشرًا على القلق، أو الخوف، أو عدم اليقين، أو اللامبالاة، أو حتى الغضب المكبوت. لفهم هذا الأمر، يجب علينا أولاً الخوض في مفهوم «السكينة» في القرآن الكريم. السكينة مصطلح قرآني يعني الهدوء والطمأنينة والوقار واليقين القلبي الذي يمنحه الله لعباده المؤمنين. هذا السلام الداخلي ليس صمتًا خارجيًا بحتًا، بل هو حالة من الثبات والاستقرار الروحي الذي يمنح الإنسان قوة المقاومة والثقة عند مواجهة الصعوبات والتحديات والمخاوف والفتن. يشير الله في آيات متعددة إلى إنزال السكينة على قلوب المؤمنين، مثل الآية 4 من سورة الفتح: «هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا» (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم. ولله جنود السماوات والأرض؛ وكان الله عليمًا حكيمًا). هذه الآية توضح بجلاء أن السكينة هبة إلهية وحالة من زيادة الإيمان، وليست مجرد انعدام الكلام. السكينة تزين قلبًا يتوكل على الله في كل الظروف ويخلو من أي تقلب أو قلق، وهي حالة قد تظهر في الصمت للتأمل أو في أوج التعبير عن الحق. الصمت، كفعل خارجي أو امتناع عن فعل، يمكن أن يحمل معاني متعددة: 1. الصمت الإيجابي والبناء: يمكن أن يكون هذا النوع من الصمت علامة على الحكمة، أو التفكير العميق، أو التأمل في الآيات الإلهية والخلق، أو ضبط النفس، أو الاستماع الدقيق والتعاطفي للآخرين، أو تجنب الكلام اللغو والباطل، أو الغيبة، أو الكذب، أو الأقوال التحريضية، أو حتى الأدب والاحترام في حضرة الكبار أو عند سماع كلام الله. يدعو القرآن الكريم المؤمنين إلى الإعراض عن اللغو والكلام الباطل (مثل الآية 3 من سورة المؤمنون: «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»). يمكن لمثل هذا الصمت أن يوفر مساحة للتفكير العميق، والتواصل مع الذات ومع الخالق، واستعادة السلام الداخلي. هذا الصمت، الذي ينبع من التوازن والهدوء الداخلي، يمكن أن يساهم في ظهور السكينة وتقويتها. في هذه الحالة، يتجنب الفرد، بتحكمه في لسانه، الأخطاء اللفظية التي تسبب القلق والندم والذنب، وبالتالي يفسح المجال للنمو الروحي وراحة القلب. الصمت أثناء الدعاء والمناجاة الليلية، والصمت للاستماع إلى الوحي الإلهي أو الكلام الحكيم من الأئمة والعلماء، والصمت للتفكير في الخلق وعظمة الله، كلها أمثلة على الصمت البناء الذي يساعد على تعميق السكينة في قلب الإنسان. هذه الأصمات غالبًا ما تكون مصحوبة بحضور القلب والوعي، مما يؤدي إلى البصيرة والسلام الداخلي. 2. الصمت السلبي والمدمر: هذا النوع من الصمت ليس فقط لا يعد علامة على السكينة، بل يمكن أن تكون له جذور غير صحية وغالبًا ما ينبع من ضعف أو نقص أو حالة داخلية غير مرغوبة. على سبيل المثال: * الصمت الناجم عن الخوف أو الضعف: أحيانًا يصمت الناس خوفًا من العواقب، أو خوفًا من حكم الآخرين، أو عدم قدرتهم على الدفاع عن الحق ومواجهة الظلم. هذا الصمت ليس مريحًا، بل يمكن أن يؤدي إلى معاناة داخلية، وندم، وشعور بالذنب، وقلق مزمن. يدعو القرآن الكريم المؤمنين إلى الثبات على الحق والشهادة بالعدل، حتى لو كان ضد أنفسهم أو أقاربهم (مثل الآية 135 من سورة النساء: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ»). الصمت أمام الظلم والفساد، ليس مذمومًا فحسب ووصف في الروايات بصمت الشيطان، بل يمكن أن يجعل الفرد شريكًا في الجريمة، وهو بالتأكيد ليس علامة على السكينة الإلهية. الصمت بدافع الخوف أو المصلحة الزائدة يتعارض مع روح الإيمان والشجاعة. * الصمت الناجم عن اللامبالاة أو الكبر: يختار بعض الأفراد الصمت بدافع اللامبالاة تجاه ما يحيط بهم، أو مشاكل المجتمع، أو حقوق الآخرين، أو بدافع الكبر والتعالي، ويرون أنفسهم أسمى من المشاركة في النقاشات أو إظهار الاهتمام للآخرين. هذا الصمت يتعارض أيضًا مع السكينة، التي هي علامة على التعاطف والالتزام والإيمان، ويؤدي إلى العزلة والبعد عن الرحمة الإلهية. * الصمت الناجم عن الغضب المكبوت أو الضغينة: أحيانًا يكون الصمت قناعًا للغضب أو الاستياء الذي لا يستطيع الفرد التعبير عنه بطريقة صحية. هذا الصمت لا يجلب السلام؛ بل يظل مشتعلًا كالنار تحت الرماد داخل الإنسان، ويسلبه هدوءه ويضر بالعلاقات. هذا الصمت ينبع من أمراض القلب، لا من الطمأنينة الإلهية. * الصمت الناجم عن الجهل: من يصمت بسبب الجهل ولا يسعى لتحصيل العلم، ويصمت في مقام بيان الحق والحقيقة، لن ينال أبدًا سكينة المعرفة وقد يضل نفسه والآخرين. القرآن الكريم يؤكد على أهمية الصمت في مكانه، وضرورة الكلام الحق والصواب. يقول الله تعالى في الآية 70 من سورة الأحزاب: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا» (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا). هذه الآية تبين أن الإيمان بالله يقترن بـ «قول سديد» (كلام صحيح ومحكم ومناسب، كلام يستحق ويليق ويهدي إلى الصواب)، وليس بالضروري الصمت المطلق. في كثير من الأحيان، يتطلب التعبير عن الحقيقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقديم النصيحة الصادقة، وحتى الدفاع عن الحق، التحدث. وهذا الكلام، إذا صدر من قلب مطمئن وبدافع إلهي، هو بحد ذاته من علامات السكينة والسلام الداخلي. فالذي يمتلك السكينة يتكلم الحق بهدوء ودون خوف، وفي صمته أيضًا، يختبر التفكير والهدوء. الشخص صاحب السكينة يتمتع بتوازن بين الكلام والصمت، ويستخدم كل منهما في مكانه الصحيح؛ فلا يكثر الكلام بلا داعٍ ولا يصمت حيث يجب أن يتكلم. في الختام، يمكن القول إن السكينة هي حالة داخلية وروحية تنبع من العلاقة العميقة بين الإنسان والله وتتدفق في كيانه. هذا الهدوء يتجلى في لحظات الصمت الهادف، وفي لحظات التحدث المصحوبة بالحكمة والحق. لذلك، لا ينبغي أن يقتصر تركيزنا على الصمت الخارجي فقط، بل يجب أن نركز على تنمية وتقوية هذا السلام الداخلي (السكينة) الذي وعد به الله. الصمت الثمين هو الذي ينبع من سلام داخلي، والكلام الثمين هو الذي يصدر من قلب مطمئن وإيمان صادق. ليس الصمت بحد ذاته غاية، بل هو وسيلة يمكن أن تخدم السلام والنمو الروحي، بشرط أن يكون مصحوبًا بنية صحيحة ومن قلب قد وجد السكينة. قد يكون الشخص الذي يمتلك السكينة صامتًا تمامًا ومفكرًا في بعض الأحيان، وفي لحظات أخرى، يتحدث بحزم ودون تردد لإقامة الحق والعدل. كلا الحالتين يمكن أن تكونا من علامات السكينة في قلبه، لأنهما تنبعان من ثباته ويقينه ورضاه بقضاء الله وأمره. وبالتالي، الأهم من الصمت أو الكلام هو جودته ومصدره الداخلي: هل ينبع من الهدوء والطمأنينة الإلهية، أم من القلق والنقص؟ السكينة الحقيقية تكمن في التوازن والحكمة التي تظهر أفضل مسار في كل من الكلام والصمت.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في قديم الزمان، كان هناك رجلان يعيشان بطريقتين مختلفتين. أحدهما كان يُدعى «الصامت»، وكان دائم الصمت؛ أثنى عليه الناس وقالوا: «ما أهدأ هذا الرجل وما أشد سكينة قلبه، لقد حفظ لسانه ووصل إلى سلام داخلي». ولكن أحد الشيوخ الحكماء، الذي يمتلك بصيرة في القلوب، راقب حاله عن كثب. فأدرك أن صمت «الصامت» لم يكن نابعًا من سلام داخلي، بل من خوفه من أحكام الناس وعدم قدرته على التعبير عن الحق. كان قلبه كبحر هائج، خالٍ من السكينة. في المقابل، كان هناك رجل آخر يُدعى «المنير القلب»، الذي كان قليل الكلام، ولكن كلما نطق، كانت كلماته تنبع من ينبوع الحكمة واللطف، ولم يكن يتكلم أبدًا بكلام لغو أو مؤذٍ. فقال الشيخ الحكيم: «السلام الحقيقي ليس في صمت اللسان، ففي بعض الأحيان، يربط الخوف والجهل اللسان أيضًا. السكينة الحقيقية تكمن في حضور القلب واليقين الذي يضعه الله في قلب المؤمن، ويتجلى هذا السلام في الصمت الهادف وفي الكلام الصادق اللطيف. فلا تدع مظهر الصمت يخدعك عن حقيقة السكينة». تقودنا هذه القصة إلى أن السكينة هي حالة داخلية يمكن أن تتجلى ليس فقط في الصمت، بل في كل فعل وتفاعل سليم، بشرط أن يكون نابعًا من مصدر النور والسلام الإلهي.

الأسئلة ذات الصلة