هل يوصي القرآن بشكر النعم؟

نعم، يوصي القرآن الكريم مرارًا بشكر النعم، ويعتبره ركنًا أساسيًا من الإيمان. الشكر يؤدي إلى زيادة النعم ويشمل شكر القلب واللسان والعمل (الاستخدام الصحيح للنعم).

إجابة القرآن

هل يوصي القرآن بشكر النعم؟

نعم، بالتأكيد! في القرآن الكريم، مسألة شكر النعم الإلهية ليست مجرد توصية، بل هي تأكيد متكرر كواجب مهم وركن أساسي من أركان الإيمان. شكر النعم هو أحد أهم التعاليم القرآنية وحجر الزاوية في العلاقة الصحيحة بين العبد وربه. يدعو الله تعالى في آيات عديدة، بصراحة وبلهجة ودية ومُعلِّمة، عباده إلى شكر نعمه التي لا تُحصى، ويبين النتائج والبركات المترتبة على هذا الفعل. الشكر في القرآن مفهوم متعدد الأوجه لا يقتصر على مجرد قول "الحمد لله"، بل يشمل ثلاثة أبعاد رئيسية: شكر القلب، وشكر اللسان، وشكر العمل. شكر القلب يعني أن الإنسان بكل وجوده ومعرفته الكاملة، يدرك الخالق والمُنعم الحقيقي، ويعلم أن كل نعمة وصلت إليه هي من جانبه، وأنه لا قوة سواه تشارك في العطاء والرزق. هذا النوع من الشكر هو أساس النوعين الآخرين. عندما يمتلئ قلب الإنسان بهذه المعرفة، ينفتح لسانه بشكل طبيعي على التسبيح والشكر. شكر اللسان هو قول "الحمد لله" و"سبحان الله" وغيرها من الأذكار والعبارات التي تعبر عن الثناء والاعتراف بالنعم الإلهية. ولكن الأهم من ذلك كله هو شكر العمل، ويعني الاستخدام الصحيح والجيد للنعم في المسار الذي قصده الله تعالى لها. أي أن نستخدم الصحة والعلم والثروة والقوة والأسرة وكل ما أعطانا الله في طاعته وخدمة خلقه والارتقاء بالقيم الإلهية. فمثلاً، إذا كان لدينا ثروة، يجب أن ننفق جزءًا منها في سبيل الله؛ وإذا كان لدينا علم، أن نستخدمه في توجيه الناس وحل مشاكلهم؛ وإذا كانت لدينا صحة، أن نستغلها في فعل الخيرات والعبادة. التقصير في الاستخدام الصحيح لهذه النعم يعتبر نوعًا من الكفران والجحود. يُبين القرآن الكريم بوضوح أن الشكر يؤدي إلى زيادة النعم والبركات الإلهية. في الآية 7 من سورة إبراهيم، يعد الله: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾. هذه الآية هي وعد إلهي صريح وتحذير حازم. الزيادة في النعم لا تعني فقط زيادة الماديات، بل تشمل أيضًا زيادة السلام الروحي والبركة في الحياة والتيسير في الأمور والتوفيق الإلهي. في المقابل، فإن كفران النعمة لا يؤدي فقط إلى فقدان النعم الموجودة، بل يتبعه العذاب والمشقة. هذا العذاب يمكن أن يتجلى في الدنيا والآخرة. أحد أهم أسباب تأكيد القرآن على الشكر هو تذكير الإنسان بمكانته أمام الخالق. الإنسان نسيان، وأحيانًا بسبب الانغماس في الروتين اليومي، يعتبر النعم من حوله أمرًا بديهيًا. القرآن، بدعوته إلى الشكر، يزيل هذا النسيان ويلفت انتباه الإنسان إلى خالقه الرحيم. هذا يجعل الإنسان يشعر بحاجة أكبر إلى الله ويعتبر نفسه دائمًا عبدًا فقيرًا إليه. هذا الشعور بالعبودية يزيل الغرور والتكبر من الإنسان ويدفعه إلى التواضع. كما يساعد شكر النعم الإنسان على تقدير جهود الآخرين، وهذا الشعور بالتقدير يحسن العلاقات الاجتماعية ويبني مجتمعًا أكثر صحة ولطفًا. يدعو القرآن الإنسان مرارًا وتكرارًا للتفكير في خلق نفسه والنعم التي أنعم الله بها عليه، لتقوية حس الشكر فيه. على سبيل المثال، في سورة النحل (الآية 78) يقول: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. هذه الآية تبين بوضوح أن الغرض من خلق الحواس والقوى الإدراكية هو الشكر. وجود الإنسان نفسه، وحواسه الخمسة، وقدراته الجسدية والعقلية، كلها نعم تستحق الشكر. باختصار، الشكر في القرآن ليس مجرد توصية، بل هو أمر ومبدأ حياة. يمكن اعتباره علامة على الإيمان الحقيقي، وطريقًا لزيادة النعم، ووسيلة للتقرب إلى الله. الإنسان الشاكر يعيش دائمًا في سلام داخلي ورضا إلهي، وستكون حياته مليئة بالبركة والراحة. لذلك، يجب أن يكون السعي لشكر الله من عمق القلب، باللسان وبالعمل، من أولويات كل مسلم ليتحقق له الفلاح في الدنيا والآخرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في روضة السعدي (بستان) أن في أحد الأيام في بغداد، كان أحد الصالحين يتجول. لم يكن يملك حذاءً، وكانت قدماه مجروحتين من الشوك والأوساخ، مما أثار حزنه. كان يقول لنفسه: "لماذا يجب أن أُحرم من هذه النعمة؟" وفي هذه الأثناء، رأى في سوق الكوفة رجلاً ليس لديه قدمان على الإطلاق، ومحرومًا من نعمة المشي، وكان يتحرك بصعوبة بالغة مستعينًا بيديه. في تلك اللحظة، استدرك الرجل الصالح على الفور وأدرك مدى جحوده العظيم. فسجد شكرًا فورًا وقال: "يا إلهي! كنت جاحدًا لعدم امتلاكي حذاءً، في حين أنك منحتني نعمة امتلاك القدمين التي حُرم منها الآخرون. ألف شكر لك لأنك فضلتني بهذا الشكل." هذه القصة الجميلة تعلمنا أنه يجب علينا دائمًا أن ننظر إلى ما نمتلكه ونكون شاكرين، بدلاً من الحسرة على ما نفتقر إليه والوقوع في الجحود.

الأسئلة ذات الصلة