لا، الظلم في الدنيا ليس دليلاً على عدم وجود الله؛ بل هو نتيجة لاختيارات الإنسان وإرادته الحرة، والتي ستتم تسويتها بالعدل الكامل في يوم القيامة. الله هو العدل المطلق ولا يظلم عباده أبدًا، بل البشر هم من يظلمون أنفسهم بأفعالهم.
إن السؤال عن وجود الظلم في العالم وعلاقته بحضور الله، هو أحد أعمق التحديات الفكرية التي واجهها كثير من البشر على مر التاريخ. من منظور القرآن الكريم، هناك إجابة قاطعة وواضحة لهذا السؤال: لا، إن الظلم الموجود في الدنيا ليس دليلاً على عدم وجود الله، بل هو بحد ذاته تأكيد على العدل الإلهي وعلى خطته الأوسع للوجود. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الله تعالى عادلٌ مطلق، ولا يظلم عباده أبدًا. وما يُشاهد في العالم من ظلم وجور إنما ينبع من اختيار الإنسان وإرادته الحرة، وهو أيضًا جزء من الحكمة الإلهية في شكل اختبارات الحياة، التي ستظهر نتيجتها النهائية في الدار الآخرة. في الإسلام، تُعد صفة 'العدل' من أهم صفات الله تعالى. فالله هو العدل بذاته ومصدره. تصرح الآية 44 من سورة يونس بوضوح: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ». هذه الآية تبين بوضوح أن أي ظلم أو جور يقع في الدنيا هو نتاج أفعال الإنسان واختياراته. لقد وهب الله الإنسان العقل والفطرة، وأرسل الأنبياء والكتب السماوية ليرشده إلى طريق الحق والعدل. والإنسان، بما منحه الله من إرادة حرة، مخيّر في أن يسلك سبيل الصلاح أو الفساد. فعندما ينحرف البشر عن هذا الهدى الإلهي، وبدلًا من إقامة العدل، يتجهون نحو الظلم والطمع والتعدي على حقوق الآخرين، يظهر هذا الظلم. هذا الوضع لا يعني أبدًا غياب الله أو عدم اكتراثه؛ بل هو دليل على مسؤولية الإنسان ونتائج أعماله. تعتبر الرؤية القرآنية العالم دار مرور واختبار، وليست الوجهة النهائية. فالحياة الدنيا هي امتحان كبير ليتضح من هو أحسن عملًا. يقول الله تعالى في الآية 7 من سورة هود: «هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا». في هذا الاختبار، يواجه البشر تحديات وصعوبات، وحتى مظالم. يمكن لهذه الصعوبات أن تكون للظالم فرصة للرجوع والتوبة، وللمظلوم ميدانًا للصبر والاحتساب والتوكل على الله. وإذا لم يُعاقب الظالم ظاهرًا في الدنيا، أو لم ينل المظلوم حقه بشكل فوري، فهذا لا يعني تجاهل الظلم، بل يعني تأجيل إقامة العدل الكامل والنهائي إلى دار أخرى. إن السبب الأهم لرفض فكرة أن الظلم دليل على عدم وجود الله، هو وجود 'يوم الحساب' و 'يوم القيامة'. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن يومًا سيأتي تُحاسب فيه جميع أعمال البشر، صغيرة كانت أم كبيرة، ولن يبقى ظلم بلا قصاص. تشير الآية 17 من سورة غافر إلى هذه الحقيقة: «الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ». هذه الآية تبشر بأن العدل الإلهي المطلق سيُطبّق بكل معناه في الآخرة. فالذين ظلموا في الدنيا سينالون جزاء أعمالهم، والذين ظُلموا سيستردون حقوقهم، ويُكافأون على صبرهم. هذه الرؤية لا تؤكد وجود الله فحسب، بل تكشف عن حضوره كأعدل وأحكم قاضٍ في الوجود، بشكل أوضح من أي وقت مضى. إضافة إلى ذلك، تقتضي الحكمة الإلهية أن بعض الأحداث، حتى الظالمة منها، قد تكون بمثابة مقدمة لخير وصلاح أكبر لا يستطيع البشر بعقولهم المحدودة إدراكه. فالله عليم ومسيطر على جميع أبعاد الوجود، وكل فعل في نظام الكون، مهما بدا ظاهريًا غير مرغوب فيه، يتجه في النهاية نحو الكمال والهدف الأسمى للخلق. لذا، فإن المظالم في العالم ليست دليلًا على غياب الخالق أو عجزِه. بل هي دليل على حرية تصرف الإنسان، ومسؤوليته، وأيضًا وجود نظام عدل مطلق في الآخرة، حيث ستُصفى جميع الحسابات. الإيمان بهذه الحقيقة يريح قلوب المظلومين ويردع الظالمين، ويقوي أسس الإيمان بالله تعالى.
في يوم من الأيام، سأل ملكٌ ظالم وزيرًا حكيمًا: «لماذا، رغم كل هذه القوة التي أمتلكها وأفعل ما أشاء، لا أجد سلامًا في قلبي ودائمًا ما أقلق بشأن مستقبلي؟» أجاب الوزير بابتسامة هادئة: «أيها الملك، عدل الله دقيق للغاية، حتى أن ورقة لا تسقط من شجرة إلا بإذنه، ولا تختفي ذرة في الكون عن بصره. ورغم أن المظالم تحدث أحيانًا في الدنيا ويبدو أن الظالمين ينجحون، إلا أن هذه سحب عابرة لا تغطي شمس الحقيقة. العدل الإلهي سيلحق بكل ظالم في النهاية، وستُسترد حقوق المظلومين. هذه المظالم ليست سوى امتحان واختبار لأهل الدنيا، وليست دليلًا على غيابه. الله موجود دائمًا، وهو عليم وبصير بكل شيء، وسيأتي يوم يحاسب فيه على كل عمل ويجازي عليه.» فكر الملك في هذه الكلمات وقرر أن يسلك طريق العدل.