نعم، من منظور القرآن الكريم، النجاح الدنيوي هو دائمًا اختبار إلهي ليقاس مدى شكر الإنسان وتواضعه وكيفية استخدامه للنعم في سبيل الله. هذا الاختبار يمثل فرصة للنمو الروحي وإثبات الإيمان.
من منظور التعاليم السامية للقرآن الكريم، نعم، النجاح الدنيوي ليس مجرد امتحان محتمل، بل هو في الواقع، دائمًا وبعمق، اختبار إلهي. فالحياة الدنيا بكل تقلباتها، وكل ما يوهب لنا وكل ما يؤخذ منا، كلها أجزاء من اختبار كبير وشامل يهدف إلى قياس إيماننا وتقوانا وشكرنا وكيفية تصرفاتنا. يقول الله تعالى في آيات عديدة إن خلق الموت والحياة هو لابتلاء البشر ليتبين أيهم أحسن عملاً. هذا الاختبار لا يقتصر على المصائب والشدائد فقط، بل النعم والثروة والقوة والمكانة الاجتماعية والأولاد وحتى الصحة البدنية، كلها بشكل أو بآخر هي امتحانات إلهية. يذكر القرآن الكريم بوضوح أن الأموال والأولاد، وإن كانوا زينة الحياة الدنيا، إلا أنهم في الوقت نفسه فتنة للإنسان. كلمة "فتنة" هنا تعني الاختبار ووسيلة للقياس، وليس مجرد الشر أو السوء. في سورة الأنفال الآية 28 نقرأ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (واعلموا أن أموالكم وأولادكم وسيلة اختبار لكم، وأن الأجر العظيم عند الله). هذه الآية تبين صراحة أن الثروة والأولاد، اللذان يُعتبران من المظاهر الرئيسية للنجاح الدنيوي، جزء من الاختبار الإلهي. الهدف من هذا الاختبار هو معرفة ما إذا كان الإنسان، عند مواجهة هذه النعم، سيشكر أم سيكفر؟ هل سيتكبر ويتعالى بسببهما أم سيتواضع؟ هل سيستخدمهما في سبيل الله ومساعدة المحتاجين أم سيحتكرهما ويتجه نحو الفساد؟ يمكن دراسة الامتحان الإلهي في النجاح الدنيوي من جوانب متعددة. أولاً، اختبار الشكر: هل يدرك الإنسان أن النعم التي تلقاها هي من الله ويشكره، أم يظن أنها نتيجة جهده وذكائه فقط ويتفاخر؟ (سورة إبراهيم الآية 7: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ - لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). ثانيًا، اختبار التواضع وتجنب التكبر: النجاح والقوة يمكن أن يجرا الإنسان بسهولة إلى وادي الغرور والاستكبار. قصة قارون في القرآن هي مثال بارز لشخص نسب ثروته الهائلة إلى علمه وقدرته وغفل عن التواضع والشكر، وفي النهاية خسف به وبماله الأرض (سورة القصص الآيات 76-82). هذه القصة تحذير جاد بأن النجاح الدنيوي يمكن أن يصبح بلاءً إذا لم يرافقه التوجه الصحيح والتواضع. ثالثًا، اختبار الإنفاق والعدل: هل يستخدم الإنسان ثروته وقوته لمساعدة المحتاجين، وإقامة العدل في المجتمع، ودفع الأهداف الإلهية، أم يقتصر استخدامها على مصالحه الشخصية وملذات الدنيا؟ النجاح الحقيقي من منظور الإسلام ليس فقط في كسب الثروة والقوة، بل في كيفية استخدامهما في سبيل رضا الله. النبي سليمان (عليه السلام) هو مثال ساطع للأنبياء الذين، على الرغم من امتلاكهم لمُلك لا مثيل له ونعم وفيرة، كانوا دائمًا شاكرين ومتواضعين، ويستخدمون قوتهم في سبيل الله (سورة النمل الآية 40: ﴿هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْأَكْفُرُ﴾). لقد علموا أن هذا النجاح العظيم هو بحد ذاته اختبار إلهي. رابعًا، اختبار التعلق بالدنيا والغفلة عن الآخرة: قد يكون النجاح الدنيوي جذابًا ومغريًا لدرجة تجعل الإنسان ينسى الهدف الأساسي من الخلق والدار الآخرة. قد ينشغل الإنسان بجمع الثروات وملذات الدنيا وينسى حقيقة فناء الدنيا وحساب الآخرة. يحذر القرآن بشدة من هذه الغفلة ويذكرنا بأن الحياة الدنيا ليست سوى لعب ولهو، وأن الدار الآخرة خير للمتقين. لذلك، فإن النجاحات الدنيوية هي أدوات لقياس ما إذا كان الإنسان سيتعلق بها أم سيعتبرها درجات للوصول إلى السعادة الأخروية. في الختام، النجاح الدنيوي في نظر القرآن هو فرصة؛ فرصة للنمو، لإثبات الإيمان، للشكر، لخدمة الخلق، ولنيل رضا الله. ولكن هذه الفرصة تأتي دائمًا مع مسؤولية واختبار عظيم. فكلما زادت النعم والنجاحات، زادت المسؤولية وصعب الاختبار. لذلك، فإن إدراك حقيقة أن كل نوع من النجاح هو امتحان من الله، يساعد الإنسان على البقاء متواضعًا حتى في أوج نجاحاته، وأن يكون شاكرًا، وأن يحترم حقوق الآخرين، وأن لا يغفل عن الهدف الرئيسي من الخلق والدار الباقية. هذه النظرة القرآنية تغير منظور الإنسان للنجاح، وتحوله من غاية نهائية إلى وسيلة للوصول إلى القرب الإلهي والسعادة الأبدية.
في بستان سعدي، يُروى أن ملكًا غنيًا وصاحب جاه، كان في يوم من الأيام ينظر من قصره إلى كنوزه التي لا تحصى وهو سكران من وفرة نعمه. ظن أن كل هذه الثروة والقوة هي نتيجة تدبيره وحكمته، وأنه لا يستطيع أحد أن يضاهيه. في تلك اللحظة، مر درويش بجانب قصره وقال بصوت عالٍ: «أيها الملك! كل هذا الجاه والعظمة ليس إلا اختبارًا من الله. قارون بكل كنوزه وخزائنه، ابتلعته الأرض في النهاية، وما بقي هو ذكر خير أو شر، لا فضة وذهب.» ضحك الملك من كلام الدرويش واتهمه بالجهل. ولكن الأيام دارت، ولم تكن عجلة القدر في صالحه. تراجعت قوته، وفقد ثروته، وذهب ذلك الجاه والعظمة هباءً. عندها تذكر الملك كلام الدرويش وأدرك أن كل تلك النجاحات الدنيوية كانت مجرد حجاب على حقيقة الامتحان الإلهي؛ امتحان يبقى فيه البعض شاكرًا والبعض جاحدًا. لقد فهم أن نعم الدنيا ليست للتعلق بها، بل للاختبار واستخدامها في سبيل الخير.