لمن أُطلق لقب 'المفلحين' في القرآن؟

في القرآن، يُطلق لقب 'المفلحين' على أولئك الذين يحققون النجاح والفلاح الحقيقي في الدنيا والآخرة من خلال الإيمان الصادق، إقامة الصلاة، الإنفاق في سبيل الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والالتزام بالتقوى. هؤلاء الأفراد يعيشون حياة هادفة مليئة بالأعمال الصالحة، مما يؤدي إلى الازدهار الحقيقي.

إجابة القرآن

لمن أُطلق لقب 'المفلحين' في القرآن؟

في القرآن الكريم، تُستخدم كلمة 'المفلحون' (جمع 'مفلح') لتعني 'الناجحين'، 'الفائزين'، 'السعداء'، و'الذين ينعمون بالفلاح'. هذه الكلمة مفهوم شامل وجوهري يعبر عن النجاح والفوز النهائي للإنسان في كل من الحياة الدنيا والآخرة. من منظور قرآني، المفلحون هم أولئك الذين بلغوا أسمى درجات الفوز والسعادة، ونجوا من العذاب الإلهي ونالوا رحمته وثوابه. هذه الفلاح لا يعني النجاح المادي فحسب، بل هو سعادة عميقة ودائمة تتجذر في الإيمان والعمل الصالح والتقوى. يعدد القرآن الكريم في آيات متعددة صفات 'المفلحين' لتوضيح السبيل والمنهج لتحقيق هذا المقام الرفيع للبشر. تقدم هذه الصفات برنامجًا شاملاً للحياة يشمل الأبعاد العقائدية والعبادية والأخلاقية والاجتماعية وحتى الاقتصادية. السمة الأولى وربما الأهم للمفلحين هي الإيمان الحقيقي. هذا الإيمان ليس مجرد اعتقاد قلبي، بل هو اعتقاد يتجلى في أفعال الإنسان وسلوكه. الإيمان بالغيب، أي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، هو من الأركان الأساسية لهذا الإيمان. فمن يؤمن بهذه الحقائق الأساسية، يتشكل نظره إلى الحياة، وأفعاله، وحتى علاقاته مع الآخرين بناءً على هذه المعتقدات. في سورة البقرة، الآيات من 1 إلى 5، بعد تعريف المتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وينفقون، يقول الله بوضوح: "أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"؛ أي أولئك على هدىً من ربهم وأولئك هم الفائزون. هذه الآية تُظهر بوضوح الرابط بين الإيمان بالغيب، والصلاة، والإنفاق، والفلاح. السمة الثانية للمفلحين هي إقامة الصلاة وإقامة العبادات. الصلاة هي عمود الدين ومعراج المؤمن. المفلحون ليسوا فقط من يصلون، بل هم الذين يقيمون الصلاة بخشوع وتركيز كامل، لأن الصلاة اتصال عميق بالخالق وتذكير ووقاية من الفحشاء والمنكر. في سورة المؤمنون، الآيات من 1 إلى 11، يذكر الله الصفات البارزة للفائزين: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ"؛ أي قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون. هذه الآيات تشير أيضًا إلى صفات أخرى مثل الإعراض عن اللغو، وإيتاء الزكاة، وحفظ الفروج، وحفظ الأمانات والعهود، والمحافظة على الصلوات، وكلها تدل على حياة ملؤها التقوى والعمل الصالح. من يتصف بهذه الصفات، فإن فلاحَه في الدنيا والآخرة مضمون. الإنفاق مما رزق الله هو من العلامات الأخرى للمفلحين. يشمل هذا كل أنواع البذل في سبيل الله، من المال إلى العلم والخبرة. الإنفاق لا يؤدي فقط إلى تطهير المال والنفس، بل يساهم أيضًا في إقامة العدل الاجتماعي والتضامن في المجتمع. المفلحون يعتقدون أن ممتلكاتهم هي أمانة من الله ويجب أن ينفقوا جزءًا منها في سبيله ولمساعدة المحتاجين. هذا العمل يدل على عدم التعلق بالدنيا والرغبة في نيل رضا الله. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سمة اجتماعية مهمة أخرى للمفلحين. هم ليسوا غير مبالين بمصير مجتمعهم ويسعون جاهدين لتسود فيه بيئة صحية وصالحة. هذه المهمة الجسيمة مذكورة بوضوح في سورة آل عمران، الآية 104: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"؛ أي ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. هذا يدل على أن الفلاح ليس أمرًا فرديًا فحسب، بل يشمل أبعادًا اجتماعية ومسؤولية تجاه المجتمع. تجنب الكبائر والتوبة من الزلات أيضًا من صفات المفلحين. إنهم يراقبون أفعالهم باستمرار، وإذا ارتكبوا ذنبًا، فإنهم يتوبون فورًا ويعودون إلى الله. في سورة النور، الآية 31، بعد الإشارة إلى التوبة، يقول: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"؛ أي وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. هذه الآية تُظهر أن التوبة والعودة إلى الله طريق لتحقيق الفلاح، حتى لو كان الإنسان قد ارتكب ذنوبًا من قبل. أخيرًا، الجهاد والسعي في سبيل الله (بما في ذلك الجهاد الأكبر والأصغر) والتمسك بالتقوى، هي مفاتيح أساسية للفلاح. في سورة المائدة، الآية 35، يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"؛ أي يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون. هذه الآية تؤكد على أهمية التقوى والسعي الدؤوب في المسار الإلهي للوصول إلى الفلاح. باختصار، المفلحون هم الذين يبنون حياتهم على أساس الإيمان الراسخ، العبادات الخاشعة، الأخلاق الحسنة، المسؤولية الاجتماعية، العفة، الأمانة، والإنفاق في سبيل الله، ويسعون دائمًا في سبيل نيل رضا الله. لا يقتصر فلاحهم على العالم الآخر بدخول الجنة ورضا الله فحسب، بل يذوقون أيضًا في هذه الدنيا طعم الطمأنينة والقناعة والبركة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في زمن ملك، كان هناك درويش يعيش بالقناعة والرضا، ولم يشكو قط مما ينقصه. وبجواره كان ملك غني، رغم كل ممتلكاته، دائم القلق ويفتقر إلى السلام الداخلي. ذات يوم، قال الملك للدرويش: "يا أيها الرجل القنوع! كيف لي بكل ثروتي أن لا يهدأ قلبي أبدًا، بينما أنت، ويداك فارغتان، دائم الابتسامة ومطمئن البال؟" فأجاب الدرويش بابتسامة دافئة: "أيها الملك! أنت مشغول بجمع ما لديك وتخشى فقدانه، أما أنا فأتخلى عن ما أمتلك دون تعلق، وهذا هو سبب طمأنينة قلبي. الثواب الحقيقي هو الذي يُكتسب من خلال العمل الصالح والقناعة، لا من تكديس المال. حقًا، 'المفلحون' هم من تعلق قلوبهم بفضل ربهم، لا بالدنيا، وهذا ما يجعلهم ناجحين." أخذ الملك العبرة من هذه الكلمات وأدرك أن النجاح الحقيقي يكمن في السلام والقناعة، اللذين ينبعان من التقوى والعمل الصالح، لا من كثرة المال والجاه.

الأسئلة ذات الصلة