ما هي الصفات التي يؤكد عليها القرآن في المصلين؟

يؤكد القرآن على صفات مثل الخشوع والمداومة ومنع الفحشاء والمنكر في المصلين. كما أن إخلاص النية وربط الصلاة بالإنفاق والمسؤولية الاجتماعية هي سمات أساسية للمصلين الحقيقيين.

إجابة القرآن

ما هي الصفات التي يؤكد عليها القرآن في المصلين؟

القرآن الكريم، كتاب الهدى والنور، يولي اهتماماً خاصاً لمختلف جوانب حياة المؤمنين، وفي هذا السياق، تحتل الصلاة مكانة مركزية لا مثيل لها. لكن القرآن لا يكتفي بمجرد الأمر بالصلاة، بل يعدد صفات وخصائص بارزة للمصلين الحقيقيين الذين تُقبل صلواتهم عند الله وتظهر ثمارها في حياتهم الفردية والاجتماعية. هذه الصفات تدل على أن الصلاة ليست مجرد عمل ظاهري، بل هي تجلٍّ لحالة داخلية عميقة وأساس لحياة روحية وأخلاقية. إحدى أبرز الصفات التي يؤكد عليها القرآن هي **الخشوع والخضوع (الخشوع)** في الصلاة. هذا الخشوع ليس مجرد خفض الرأس أو سكون الجسد، بل هو حالة من حضور القلب والتذلل والخوف والرجاء أمام عظمة الله. يقول القرآن في سورة المؤمنون (الآيات 1-2): "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ". الخشوع يشكل العمق الروحي للصلاة ويمنعها من أن تتحول إلى عمل جاف لا روح فيه. هذه الصفة تجعل المصلي يشعر بنفسه في حضرة رب العالمين في كل ركعة وكل سجدة، وهذا الشعور يرتقي بانتباهه وتركيزه إلى الذروة. الخشوع يحرر القلب من هموم الدنيا ويعده لاستقبال الفيوضات الإلهية؛ إنه حضور القلب الذي يرفع الصلاة من مجرد عادة إلى عبادة حقيقية، ويحولها إلى معراج المؤمن. بدون الخشوع، تكون الصلاة كجسد بلا روح، وتتقلص ثمارها الأخلاقية والتربوية إلى الحد الأدنى. فكلما زاد خشوع الإنسان في صلاته، زاد قربه من الله وزاد تأثير الصلاة في حياته. الخاصية الثانية هي **المداومة والمحافظة على الصلاة (المداومة والمحافظة)**. يعتبر القرآن الكريم المصلين الحقيقيين هم الذين يداومون على صلواتهم ويحافظون عليها. في سورة المعارج (الآيات 22-23) نقرأ: "إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ". وكذلك في سورة المؤمنون (الآية 9) يقول: "وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ". هذه المداومة تدل على أهمية الصلاة في حياة الفرد الذي يعتبرها جزءًا لا يتجزأ من روتينه اليومي ولا يتركها تحت أي ظرف. المحافظة على الصلاة تعني أيضًا مراعاة وقتها وشروطها وأركانها وآدابها لإقامتها بأفضل جودة وأكمل صورة. هذه الخاصية ترسخ الانضباط الروحي في الفرد وتبعده عن الفوضى والتهاون في أداء الواجبات الإلهية. المصلي المداوم ينظم حياته حول ذكر الله، وينتشر هذا النظام في جميع جوانب حياته، مما يساعده في تحقيق أهدافه السامية. الثبات على الصلاة يدل على إرادة قوية والتزام راسخ بالعهد الإلهي، مما يجعله يصمد أمام مغريات الدنيا ومشاغلها. الخاصية الثالثة والمهمة هي **النهي عن الفحشاء والمنكر (الوقاية من الفحشاء والمنكر)**. يعتبر القرآن الكريم أن إحدى أهم فلسفات الصلاة هي منع الإنسان من المعصية والقبح. في سورة العنكبوت (الآية 45) جاء: "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ". الصلاة الحقيقية ليست مجرد حركات جسدية وأذكار لسانية، بل هي برنامج تربوي وأخلاقي شامل. الصلاة التي تؤدى بقلب حاضر وخشوع، تجلو قلب الإنسان وتجعله يكره الذنوب. هذا الردع يتم من خلال تعزيز التقوى وإيقاظ الوعي. المصلي الحقيقي كلما همَّ بذنب، يتذكر أنه قبل لحظات وقف أمام ربه وعاهد نفسه على الطاعة؛ هذا التذكر يمنعه من ارتكاب الذنب. إذا لم تمنع الصلاة الإنسان من السيئات، فيجب مراجعة جودتها وعمقها. لذلك، الصلاة ليست مجرد عبادة شخصية، بل هي عامل فعال في إصلاح المجتمع ورفع المستوى الأخلاقي. هذه الصفة تدل على أن الصلاة تدريب مستمر لتزكية النفس وتحقيق الكمالات الأخلاقية. الخاصية الرابعة هي **الإخلاص والبعد عن الرياء (الإخلاص وتجنب الرياء)**. يجب أن تؤدى الصلاة فقط ابتغاء وجه الله، وليس لجذب انتباه الناس ومدحهم. في سورة البينة (الآية 5) نقرأ: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ". المصلي الحقيقي ذو نية خالصة ولا مجال فيه للرياء أو التظاهر. أي عمل يتم بنية غير إلهية، مهما بدا حسنًا في الظاهر، لا قيمة له عند الله. الإخلاص هو روح العبادة، وبدونه تكون جميع الأعمال جوفاء وعديمة الثمر. هذه الخاصية تضمن أن المصلي يؤدي صلاته بنفس الطريقة في السر والعلن، مراعيًا رضا الله وحده. هذا الإخلاص في النية يضفي على الصلاة جمالاً وقبولاً ويضعها على طريق القبول. الخاصية الخامسة هي **إيتاء الزكاة والإنفاق في سبيل الله (إيتاء الزكاة والإنفاق في سبيل الله)**. يقرن القرآن الكريم الصلاة بالزكاة مرارًا وتكرارًا. في العديد من الآيات، ذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة كركيزتين أساسيتين للإيمان والعبودية. هذا الارتباط يدل على أن العبادة الحقيقية لا تقتصر على علاقة الفرد بالله، بل تشمل أيضًا علاقته بخلق الله. المصلي الحقيقي هو من يتواضع أمام الخالق، ويشعر بالمسؤولية تجاه خلقه، وينفق من ماله في سبيل الله. هذا العمل يدل على زوال التعلقات الدنيوية والوصول إلى روح الإيثار والعطاء. المصلي الملتزم يعتبر المال أمانة إلهية ويستخدمه في سبيل مرضاته ومساعدة المحتاجين. هذه الخاصية تحول الصلاة من عمل فردي بحت إلى مؤسسة اجتماعية تنمي المسؤولية الاجتماعية في قلب المؤمن. في الختام، يمكن القول إن صفات المصلين في القرآن الكريم تقدم صورة شاملة للإنسان الملتزم، الأخلاقي، والحيوي. هذا المصلي هو من يتصل قلبه بالله بخشوع، وتتقوى إرادته بالمداومة على العبادة، وتتطهر سلوكه بالابتعاد عن الذنوب، وتتصف نيته بالإخلاص، وتُمد يده بالعطاء نحو المحتاجين. الصلاة بالنسبة لمثل هذا الفرد ليست عبئًا ثقيلاً، بل هي سلم للارتقاء ومصدر لا ينضب من الطمأنينة والقوة والإرشاد، الذي يعينه على طريق الصلاح والفلاح، ويهديه إلى سعادة الدنيا والآخرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أنه في الأزمنة القديمة، كان هناك رجلان يصليان؛ أحدهما كان عالماً يؤدي صلواته بتفاخر وعلانية، ويتحدث كثيراً عن علمه، والآخر كان درويشاً متواضعاً يعبد في الخلوة في الغالب. ذات يوم، سأل رجل العالم: "لماذا، على الرغم من أن صلواتك أطول وأكثر روعة، تميل القلوب أكثر نحو ذلك الدرويش؟" تردد العالم في الإجابة. لكن أحد الحكماء الحاضرين قال: "العالم يصلي ليراه الناس ويمدحوه، بينما الدرويش يصلي ليرى الله ويقبله. الخشوع في الصلاة ليس بطول القامة ولا بعلو الصوت، بل بقلب يقظ ونية صافية. من يجد نفسه في الصلاة حاضراً أمام الحق وينصرف عن غيره، تُقبل صلاته وتجذب القلوب إليه، حتى لو بدت بسيطة في الظاهر." تذكرنا هذه الحكاية السعدية بأن صفات المصلي الحقيقي لا تكمن في المظهر الخارجي بل في عمق الإخلاص والخشوع وصفاء القلب.

الأسئلة ذات الصلة