ما هو معيار الحقيقة في المنظور القرآني؟

في المنظور القرآني، معيار الحقيقة هو الوحي الإلهي، والآيات الكونية والنفسية، والتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة. القرآن ذاته هو تجلّي الحق المطلق الذي يفصل بين الحق والباطل.

إجابة القرآن

ما هو معيار الحقيقة في المنظور القرآني؟

في المنظور القرآني، الحقيقة مفهوم عميق ومتعدد الأوجه، تتجذر أصوله في الذات الإلهية ووحيه. فالقرآن الكريم يصف نفسه بأنه 'الحق'، ويُشار إلى الله تعالى بـ 'الحق' (أي الحق المطلق والدائم). لذلك، فإن المعيار الأساسي والنهائي للحقيقة هو ذات الله تعالى وكلمته الموحاة، والتي هي منزهة عن أي خطأ أو نقص. وهذا المعيار ليس مجرد مفهوم تجريدي، بل هو دليل عملي للحياة الفردية والجماعية. أحد أهم أبعاد معيار الحقيقة في القرآن هو الوحي الإلهي. فالقرآن الكريم، بصفته كلام الله المباشر، يُعد المصدر والمعيار الرئيسي لتمييز الحق من الباطل. وتؤكد آيات عديدة في القرآن صراحة على حقانية كلام الله ورسله. فالوحي الإلهي يكشف حقائق لا يستطيع العقل البشري وحده إدراكها بالكامل، مثل الحقائق المتعلقة بالغيب، والخلق، وهدف الحياة، والمعاد، والصفات الإلهية. يرسم هذا الوحي طريقاً واضحاً للبشرية لتخرج من الضلال والظلمات وتُهدى إلى النور والهدى. فاتباع الوحي لا يوصل الإنسان إلى الحقيقة فحسب، بل يمنحه أيضاً السكينة والطمأنينة القلبية. المعيار الثاني هو الآيات الآفاقية والنفسية (علامات الله في الكون وداخل الإنسان). يدعو القرآن باستمرار الإنسان إلى التفكر والتدبر في خلق السماوات والأرض، وتعاقب الليل والنهار، وخلق الكائنات، والنظام الذي يحكم الوجود. إن هذا النظام والعظمة هي علامات على قدرة الله وحكمته وعلمه اللامتناهي، وتكشف عن حقيقة الخالق لهذا الكون. بالإضافة إلى الآيات الآفاقية، توجد الآيات النفسية؛ أي العلامات الكامنة في وجود الإنسان نفسه. فالتركيب المعقد للجسد، والقدرات العقلية، والفطرة الإلهية، والضمير الأخلاقي، كلها تشهد على حقيقة وجود خالق قدير وعالم مطلق. فمن ينظر في هذه العلامات بعين البصيرة، يدرك حقيقة وجود الله ووحدانيته، ويدرك أنه لا يستحق العبادة إلا هو. الفطرة السليمة والعقل السليم هما أيضاً من معايير الحقيقة في المنظور القرآني، ولكن تحت مظلة الوحي. فقد خلق الله الإنسان بفطرة توحيدية وميل نحو الحق. وهذه الفطرة، كالبوصلة الداخلية، توجه الإنسان نحو الحقيقة وتجعله ينفر من الباطل. فالضمير اليقظ والأخلاق الفطرية، كلها مظاهر لهذه الفطرة. كما أن القرآن يوصي الإنسان مراراً باستخدام عقله للتفكر والتدبر، وينتقد أولئك الذين لا يعقلون. فالعقل أداة لفهم الوحي، وإدراك العلامات الإلهية، وتمييز الحق من الباطل، ولكن لا ينبغي وضعه في مواجهة الوحي؛ لأن الوحي يفتح آفاقاً جديدة أمام العقل لا يستطيع العقل وحده بلوغها. ففي الواقع، العقل في مسار الوحي، يدرك الحقيقة على أكمل وجه. الثبات والاستقرار مقابل الزوال والبطلان هو سمة أخرى للحقيقة القرآنية. فالحق يتمتع بالثبات والاستقرار والقوة، بينما الباطل غير مستقر، لا أساس له، وسيزول. يعبر القرآن عن ذلك بأمثال بليغة؛ مثل زبد البحر الذي هو باطل ويزول، أما الماء الذي تحته ويفيد الناس فيبقى. هذا يعني أن كل ما هو دائم ومفيد للبشرية يرتبط في النهاية بالحقيقة، بينما كل ما هو مؤقت وضار ومضلل ينتمي إلى نطاق الباطل. في الختام، فإن معيار الحقيقة في القرآن هو تكامل وتناغم جميع هذه العناصر: الوحي الإلهي كمصدر رئيسي، والآيات الآفاقية والنفسية كشواهد خارجية وداخلية، والعقل والفطرة كأدوات للفهم والقبول. فمن يتمسك بهذه المعايير، يستطيع أن يميز طريق الحق من الباطل، ويؤسس حياته على القيم الخالدة والإلهية. وفي هذا المسار، يظل الله عوناً لمن يطلب الحقيقة ويسعى في سبيله بنية خالصة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن في عهد أحد الملوك الحكماء، جاء رجلان إليه، وكان لكل منهما دعوى ويتهم أحدهما الآخر بالكذب. تكلم أحد الرجلين بكلام جميل ومظهر جذاب، بينما الآخر تكلم بنبرة بسيطة وصادقة، وإن كانت روايته تبدو معقدة بعض الشيء. توقف الملك للحظة. فقال وزراؤه: 'يا مولانا! الرجل الأول كلامه أجمل ودليله أوضح.' فابتسم الملك وقال: 'لا ينبغي أن يحجب جمال الكلام الحقيقة. حكمتنا تكمن في تجاوز الظاهر والنظر إلى الباطن.' ثم أمر بمراقبة الرجلين لفترة قصيرة وفحص أفعالهما. بعد بضعة أيام، اتضحت الحقيقة: الرجل الذي كان كلامه بسيطاً كان ملتزماً بالصدق والأمانة طوال حياته، بينما الآخر كان معتاداً على الخداع والمكائد. فقال الملك: 'هذا هو معيار الحقيقة! ليس في حلاوة اللسان بل في سلامة العمل. الحق، كالشمس، مهما غطته الغيوم، فإنه في النهاية يرفع الستار ويكشف عن نفسه، والباطل، كالظل، مهما طال، يزول أخيراً مع شروق شمس الحقيقة.'

الأسئلة ذات الصلة