يؤكد القرآن الكريم بشدة على الأهمية الكبرى للتعليم وطلب العلم، معتبرًا إياه حقًا وواجبًا إلهيًا. كانت أول آية نزلت أمرًا بـ "القراءة"، ويرفع القرآن مكانة أهل العلم عاليًا.
القرآن الكريم، بصفته نورًا هاديًا للبشرية، قد أكد مرارًا وتكرارًا على الأهمية التي لا تُضاهى للتعليم وطلب العلم. هذا التأكيد لم يُطرح كتوصية أخلاقية فحسب، بل كحق أساسي وواجب إلهي على كل فرد مسلم. إن الكلمات الأولى التي نزلت على قلب النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) كانت أمرًا بـ "القراءة": "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" (اقرأ باسم ربك الذي خلق) [سورة العلق، الآية 1]. هذا الوحي الافتتاحي يُظهر بوضوح أن أساس دين الإسلام مبني على العلم والمعرفة. القراءة هنا لا تعني مجرد تلاوة النصوص، بل تعني التفكر والتدبر والفهم العميق للوجود والآيات الإلهية فيه. هذه الآية هي منارة للبشرية لكي تتعرف على ذاتها وخالقها ومكانتها في نظام الخلق من خلال أدوات العلم والمعرفة. لقد فتح هذا الأمر الأولي بالقراءة، منذ البداية، مسارًا لأمة بأكملها نحو المعرفة والبصيرة. يدعو القرآن الكريم الإنسان باستمرار إلى التفكر والتدبر والتعقل. فكثير من الآيات تختتم بعبارات مثل "أَفَلَا يَتَفَكَّرُونَ" و "أَفَلَا يَعْقِلُونَ" و "لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". هذه الدعوات المتكررة تشير إلى أن الإسلام ليس دينًا أعمى، بل هو مبني على الفهم والإدراك والمنطق. العلم في القرآن هو وسيلة لاكتشاف الحقائق، وتمييز الحق من الباطل، والوصول إلى درجات روحية أعلى. العلم يحرر الإنسان من الجهل والخرافات ويمهد طريقه نحو السعادة. وقد كان هذا النهج الفكري حجر الزاوية لكل تقدم علمي وثقافي في الحضارة الإسلامية، دافعًا للمجتمعات الإسلامية نحو الاكتشاف والابتكار. من أوضح تأكيدات القرآن على مكانة أهل العلم ما ورد في سورة الزمر الآية 9: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (قل: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟). هذه الآية تعلن صراحة تفوق وتميز أهل العلم على الجاهلين، ولا تترك أي غموض في هذا الصدد. وهذا الفرق لا يظهر فقط في الأمور الدنيوية، بل في الفهم والمعرفة الإلهية أيضًا. فمن يطلب العلم ويستخدم عقله يستطيع رؤية آيات عظمة الله في أرجاء الكون ويصل إلى مستويات أعلى من التقوى والإيمان. هذا التمييز يوفر دافعًا كبيرًا للأفراد للتحرك نحو اكتساب المعرفة بدلاً من الجهل، ولتحرير أنفسهم من ظلمات اللاوعي. لا يشجع القرآن الكريم على اكتساب العلم فحسب، بل يمنح العلماء وطلاب العلم مكانة خاصة. ففي سورة المجادلة الآية 11 يقول: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات). هذه الآية تدل على أن الإيمان والعلم هما جناحان يطير بهما الإنسان نحو الكمال والسعادة، وهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. فالعلم الذي لا يصحبه إيمان قد يؤدي إلى الضلال، والإيمان الذي يخلو من العلم قد يكون ضعيفًا وغير مستند إلى أساس. توضح هذه الآية بوضوح أن العلم والعمل الصالح معًا يؤديان إلى رفع مكانة الإنسان في نظر الله. نطاق العلم في القرآن واسع جداً. فالقرآن لا يقتصر على العلوم الدينية، بل يشمل جميع العلوم النافعة، بما في ذلك العلوم الطبيعية والاجتماعية والفلسفية وحتى التقنية. فالهدف النهائي لكل هذه العلوم هو اكتشاف القوانين التي تحكم الوجود ومعرفة عظمة الخالق. العلم يساعد الإنسان على اتخاذ قرارات أفضل في حياته اليومية، وبناء مجتمع أكثر عدلاً، ومواجهة التحديات. يقول الله تعالى في سورة النحل الآية 78: "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون). هذه الآية تبين أن الأدوات الأساسية لطلب العلم (السمع والبصر والفؤاد) قد منحها الله لنا لنعرف بها العالم ونشكره على نعمه، مستخدمين إياها بأفضل طريقة ممكنة. من منظور القرآن، حق التعليم وطلب العلم حق عالمي وضروري لجميع فئات المجتمع، بغض النظر عن الجنس أو الطبقة الاجتماعية. وقد شهد التاريخ الإسلامي سعي العديد من الرجال والنساء للعلم ووصولهم إلى درجات علمية عالية. هذا النهج الشامل يضمن تقدم المجتمع وتطوره الفكري. فطلب العلم ليس حيوياً للنمو الفردي فحسب، بل لتقدم الحضارة الإنسانية أيضاً. القرآن، بدعوته إلى التفكر والعلم، زرع بذور حضارة كانت رائدة في العلم والمعرفة لقرون، تاركة إرثًا دائمًا. وبشكل عام، يمكن القول إن القرآن الكريم لا يعترف بحق التعليم وطلب العلم فحسب، بل يعتبره ضرورة حيوية وقيمة أساسية لبناء فرد واعٍ ومجتمع متقدم. الهدف من العلم في الإسلام هو الوصول إلى المعرفة الإلهية، وخدمة الخلق، وإعمار الأرض، وكل ذلك ممكن من خلال اكتساب المعرفة.
في قديم الزمان، كان هناك جاران: أحدهما تاجر ثري، والآخر عالم متواضع. كان التاجر يتفاخر بثروته كل يوم، ويقول للعالم: "يا صديقي، ما الفائدة من كل هذا العناء في طلب العلم؟ انظر إلى الثروة التي جمعتها بتجارتي!" فكان العالم يجيب بابتسامة لطيفة: "كل ينتفع بما يملك." ذات يوم، حدثت فاجعة وفقد التاجر كل ثروته في البحر. أصبح يائسًا ومفلسًا. في هذه الأثناء، سافر العالم، الذي انتشرت شهرته في المدن، بدعوة من ملك بعيد لتدريس العلم في مملكته. لم يتم استقباله بكل إجلال واحترام فحسب، بل استخدم علمه لحل مشاكل الناس وتقدم تلك البلاد، وحصل على ثروة ومكانة لم يحلم بها التاجر قط. عندما رأى التاجر حال العالم، ندم على ما قاله وقال: "صدقت أيها الحكيم، قد تذهب الثروة المكتسبة سريعًا، لكن العلم كنز لا يفنى أبدًا وهو نور يهدي الإنسان في كل صعوبة."