ما هي الأمور التي ستحاسب عليها يوم القيامة وفقاً للقرآن الكريم؟

في يوم القيامة، يُحاسب الناس على عقائدهم، وأعمالهم (حقوق الله وحقوق العباد)، وأقوالهم، ونياتهم. ولن يُغفل حتى أصغر الأعمال، خيراً كانت أو شراً.

إجابة القرآن

ما هي الأمور التي ستحاسب عليها يوم القيامة وفقاً للقرآن الكريم؟

في القرآن الكريم، يُقدّم يوم القيامة على أنه يوم الحساب الأكبر والأخير؛ يومٌ لا يختفي فيه شيء، وسيواجه كل إنسان جميع أعماله، أقواله، وحتى نواياه. تشمل هذه المحاسبة أبعاداً متعددة، تبرز دقة وعدالة الله الشاملة المطلقة. لن يُستثنى أي عمل، صغيراً كان أم كبيراً، من هذه المحاسبة، كما يقول الله تعالى في سورة الزلزلة، الآيتين 7 و8: «فَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ ﴿٨﴾»؛ أي «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره». تُظهر هذه الآيات بوضوح أن أدق أعمال الإنسان توضع في ميزان المحاسبة وتُعرض عليه نتائجها. من أهم محاور المحاسبة، **عقائد الإنسان وإيمانه**. التوحيد (وحدانية الله) وعدم الإشراك بالله، هو أساس أي نوع من أنواع المحاسبة. فالذين ماتوا على الشرك، ليس لهم طريق إلى المغفرة، إلا إذا تابوا في الدنيا. الإيمان بالأنبياء، والكتب السماوية، والملائكة، ويوم القيامة هي أيضاً من الأركان الاعتقادية التي سيُسأل عنها الإنسان. في الواقع، جودة الإيمان ومدى الإخلاص فيه، هي أول وأهم معيار لسعادة الإنسان أو شقائه في الآخرة. لقد شدد الله في آيات عديدة على أهمية الإيمان الخالص وتجنب الشرك. بعد العقائد، تُحاسب **أعمال وسلوك الإنسان** في الحياة الدنيا. تنقسم هذه الأعمال إلى فئتين رئيسيتين: **حقوق الله** و**حقوق العباد**. حقوق الله تشمل أداء الواجبات الدينية كالصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وسائر العبادات. ومدى الالتزام بهذه الفرائض، وجودة أدائها، والإخلاص في إنجازها، كلها عوامل تدخل في الحساب. فالترك المتعمد للواجبات، أو أدائها بدون إخلاص ورياء، هي من الأمور التي يجب على الإنسان أن يجيب عنها. وكذلك، ارتكاب المحرمات والكبائر والصغائر، كالقتل، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والربا، والقمار، وغيرها من الأعمال السيئة، ستُحاسب كل واحدة منها على حدة. في سورة الإسراء، الآيتين 13 و14، يقول الله تعالى: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ﴿١٣﴾ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿١٤﴾»؛ أي «وكل إنسان ألزمناه عمله في عنقه، ونُخرِج له يوم القيامة كتاباً يلقاه مفتوحاً. اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم حسيباً عليك». تُظهر هذه الآيات بوضوح أن سجل أعمال كل شخص قد سُجل بدقة وبشكل كامل، وسيكون الإنسان نفسه شاهداً على أعماله يوم القيامة. تحظى **حقوق العباد** بأهمية خاصة، لأن العفو عنها غالباً ما يعتمد على رضا أصحاب الحق. وهذا يشمل أي شكل من أشكال الظلم أو التعدي على حقوق الآخرين، سواء كانت مادية أو معنوية. مثل: ظلم اليتامى، والاستيلاء على أموال الناس، وغصب الممتلكات، وإضاعة حقوق الجيران والأقارب، والقذف، والغيبة، والكذب، ونقض العهود، وأي شكل آخر من إيذاء الآخرين. كما أن مراعاة حقوق الوالدين والإحسان إليهما من الأمور التي أكد عليها القرآن بشدة وتخضع لمحاسبة دقيقة. أي تقصير في أداء الأمانة والوفاء بالعهد هو أيضاً من الأمور التي ستحاسب عليها يوم القيامة. في سورة النساء، الآية 29، ينهى الله عن أكل أموال بعضنا بالباطل، وهذا يدل على أهمية حفظ حقوق الناس المالية والنفسية. كما أن **القول واللسان** لهما دور كبير في محاسبة يوم القيامة. فكل كلمة نطق بها الإنسان، سواء كانت طيبة أو قبيحة، قد سُجّلت. الأقوال المسيئة، والكذب، والغيبة، والنميمة، والسباب، وكل ما يصدر عن اللسان ويؤذي الآخرين أو ينشر الفساد، سيُسأل عنه. وكذلك، الأقوال الطيبة، وذكر الله، والدعوة إلى الخير والإحسان، وشهادة الحق، تُسجل في صحيفة الأعمال وتُجازى عليها. **النيات والدوافع** أيضاً ستُحاسب يوم القيامة. فالعمل، مهما كان حسناً، إذا أُنجز بنية الرياء، أو التفاخر، أو لأهداف دنيوية، سيُحرم من الثواب الأخروي. الإخلاص في النية هو مفتاح قبول الأعمال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات»؛ هذا الحديث، الذي يعكس مبدأ قرآنياً، يشير إلى أهمية النية في قبول الأعمال وتقييمها. بالإضافة إلى هذه الأمور، كيفية **استخدام النعم الإلهية** مثل الصحة، والشباب، والثروة، والعلم، والفرص، والمواهب، ستكون موضع مساءلة. هل استغل الإنسان هذه النعم في سبيل الله ومن أجل خيره وخير المجتمع، أم أنه أضاعها في طريق المعصية والفساد؟ في سورة التكاثر، الآية 8، يقول الله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»؛ أي «ثم لتسألن يومئذ عن النعيم». تُظهر هذه الآية أن حتى أدق النعم التي منحت لنا ستخضع للمحاسبة. كذلك، **المسؤولية تجاه المجتمع وتوجيه الآخرين نحو الهدى أو الضلال** لها أهمية بالغة. فالذين كانوا مصدراً للخير والهداية للآخرين، سيحصلون على أجر أعمالهم وعلى أجر هدايتهم. أما الذين قادوا الآخرين إلى الضلال، فسيتحملون، بالإضافة إلى أعباء خطاياهم، جزءاً من أعباء خطايا الذين أضلوهم. هذا الأمر مذكور بوضوح في سورة العنكبوت، الآية 13. في الختام، يمكن القول إن المحاسبة في يوم القيامة هي عملية شاملة ودقيقة، تشمل جميع أبعاد وجود الإنسان، من عقائده وقلبه، إلى كل حركة وسكون وقول وحتى نظرة منه. وهذا ليس انتقاماً، بل لإقامة عدالة الله المطلقة، حتى ينال كل شخص جزاء أعماله، ولا يضيع أي قدر من الحق أو الباطل، ولو كان مثقال ذرة. يجب أن يكون هذا الوعي دافعاً للإنسان ليعيش في الدنيا بدقة وتقوى ويستعد لذلك اليوم العظيم.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن في الأزمنة الغابرة، كان هناك تاجر يُعرف بـ 'حسن العادل'، وكان بارعاً جداً في التجارة لدرجة أنه كان يحقق أرباحاً طائلة في كل صفقة يدخلها. وكان اسمه دائماً على الألسنة لامتلاكه ثروة عظيمة وممتلكات وفيرة. لكن حسن العادل كان منصباً على زيادة ثروته يوماً بعد يوم، غافلاً عن التفكير في عواقب أعماله في الدار الآخرة. في أحد الأيام، نصحه صديق له، كان تقياً وعالماً ويستمتع بحديثه، قائلاً: «يا صديقي، أنت حريص جداً على جمع متاع الدنيا وكأنك ستبقى في هذا الدار خالداً ولن تُحاسب أبداً. ألم ترَ أن التجار الحاذقين في هذه الدنيا أيضاً، قبل كل صفقة، يقيمون الربح والخسارة ويُعدّون الحسابات؟ فلماذا أنت بهذا القدر من التهور وعدم المبالاة في صفقة مع الله، التي ربحها أبدي؟ سيأتي يوم توضع فيه كل ذرة من أعمالك، خيراً كانت أو شراً، في الميزان، وستكون أنت نفسك شاهداً على نفسك. لذا، من الحكمة أن تغتنم هذا اليوم وتصرف رأس مال عمرك في سبيل ينير غدك، لا أن تزيد من حمل ذنوبك.» فكّر التاجر ملياً بعد سماعه هذه الكلمات الحكيمة، ومنذ ذلك الحين، لم يكتفِ بممارسة العدل والإنصاف في تجارته، بل أنفق جزءاً من ماله في سبيل الله وسعى في أداء حقوق الناس، وعلق قلبه بالآخرة. وهكذا، لم يكتسب حسن العادل سمعة طيبة في الدنيا فحسب، بل أعدّ أيضاً زاداً ليوم القيامة.

الأسئلة ذات الصلة