في القرآن، الله هو المصدر الأسمى للهداية، وينقلها عبر القرآن الكريم، الأنبياء والرسل الإلهيين، الأئمة المعصومين، والعلماء الربانيين. كما يمكن لكل مؤمن حقيقي يمثل قدوة حسنة بأفعاله وشخصيته أن يكون مصدر هداية للآخرين.
في تعاليم القرآن الكريم السامية، تحظى مسألة هداية الإنسان إلى الصراط المستقيم بأهمية جوهرية. يوضح القرآن بجلاء أن الله تعالى هو المصدر الأوحد والنهائي للهداية. هو الذي ينير القلوب بنور حكمته ورحمته، ويدل عباده على الطريق الصحيح. لكن هذه الهداية الإلهية تصل إلى البشر عن طريق وسطاء ومسالك مختلفة، يُعتبر كل منهم بطريقة ما مصدر هداية للآخرين. في المقام الأول، يُقدم "القرآن الكريم" نفسه كأهم وأكمل مصدر للهداية الإلهية للبشرية. هذا الكتاب مليء بالنور والبيان، وهو كاشف طريق الحق من الباطل. يحتوي القرآن على معارف توحيدية عميقة، وأحكام إلهية، وقصص وعبر للأنبياء والأمم السابقة، وأخلاقيات نبيلة. فكل من يتمسك بحبل القرآن المتين، ويعمل بأوامره بتدبر في آياته، سيهتدي قطعًا إلى سعادة الدنيا والآخرة. القرآن ليس دليلًا فرديًا فحسب، بل يقدم مبادئ لتوجيه المجتمع البشري نحو العدالة والسلام والإخاء. بعد الله وكتابه، يعتبر "الأنبياء والرسل" من أبرز هداة البشرية. فقد بعث الله تعالى أفرادًا مختارين لتبليغ رسالته وإرشاد الناس. هؤلاء الأنبياء، ومنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وخاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم يكتفوا بتبليغ التعاليم الإلهية للناس، بل كانوا هم أنفسهم نماذج عملية وتجسيدًا حيًا للفضائل الأخلاقية والعبودية. كانوا بصبرهم وثباتهم وحكمتهم ولطفهم، يدعون الناس إلى عبادة الإله الواحد والحياة النقية الكريمة. لم تكن رسالتهم مجرد تبليغ، بل كانت تشمل تبيانها، وتعليم وتزكية النفوس، وإقامة العدل في المجتمع. إن طاعة الرسول هي في الحقيقة طاعة لله، واتباع سنته هو طريق الهداية الحقيقية. دور الأنبياء في الهداية لا مثيل له، لأنهم بالعصمة والعلم اللدني، معصومون من كل خطأ وسهو، ومؤيدون من الله. بالإضافة إلى الأنبياء، تذكر بعض الآيات "الأئمة والأولياء الحق" الذين عينهم الله، والذين يتولون مهمة هداية الأمة بعد النبي، ويعتبرون أيضًا مصادر للهداية. هؤلاء الأفراد هم ورثة علم وحكمة الأنبياء، ويرشدون الناس نحو التفسير الصحيح للدين والعمل به. هم مصابيح هادية في الظلمات، وحراس الشريعة على مر العصور. وجود هؤلاء القادة يضمن استمرار مسار الهداية الإلهية بعد رحيل الأنبياء. كذلك، يمكن أن يكون "العلماء الربانيون" و"ورثة الأنبياء"، الذين يدعون الناس بعلمهم وعملهم إلى الله والقيم القرآنية، مصدرًا للهداية. هؤلاء الأفراد، بفهمهم العميق للقرآن والسنة، يزيلون الشبهات ويوضحون الطريق الصحيح لأتباعهم. وبأخلاقهم الحسنة وسيرتهم الطيبة، يقدمون نموذجًا عمليًا للتعاليم الدينية، ويلينون القلوب بلسان الحكمة والموعظة الحسنة. بالطبع، هداية هؤلاء الأفراد هي في طول الهداية الإلهية وهداية الأنبياء والأئمة وليست في عرضها. في الختام، يمكن القول إن كل "مؤمن حقيقي"، يكون قدوة للآخرين بأعماله الصالحة وأخلاقه الحسنة والتزامه بالقيم القرآنية، يمكن أن يكون أيضًا مصدرًا للهداية. فالمؤمنون، بالدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر، وبإظهار الطريق الصحيح للحياة من خلال أفعالهم، يُعتبرون بحد ذاتهم مرشدين للآخرين. كل من يحمل نور الإيمان في قلبه ويظهره في حياته، يمكن أن يؤثر إيجابًا على من حوله ويوجههم نحو الخير والحق. وهكذا، تتسع دائرة الهادين، بدءًا من الذات الإلهية القدسية، مرورًا بكلام الوحي والأولياء المعصومين، وصولًا إلى كل مؤمن حقيقي ينشر نور الهداية بعمله وأخلاقه. هذا التسلسل الهرمي للهداية يدل على رحمة الله الواسعة التي لا تترك إنسانًا وحيدًا في ظلمات الجهل والضلال، بل يضع له دائمًا مرشدين ليقوده نحو النور والكمال.
يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك تاجر ثري ولكنه ضائع في حياته. لم يكن يجد سعادة في ثروته الهائلة. ذات يوم، ذهب إلى حكيم مستنير وقال: "أيها الحكيم الفاضل، لدي كل شيء، لكني فقدت طريقي في الحياة. أرشدني." فأجاب الحكيم بابتسامة حنونة: "يا بني، طريق الهداية يمر من خلالك، ويُنار بنور ينبعث من الكلمة الإلهية والسيرة الفاضلة للصالحين. عليك أن تجد نور الحكمة في قلبك وأن تستمع إلى هداية الله ومن أرسلهم." عندما سمع التاجر هذه الكلمات، أدرك أمره وقرر أن يسعى وراء المعرفة والعمل بالتعاليم الدينية بدلًا من جمع المال. بدأ بدراسة القرآن وتآلف مع الصالحين. شيئًا فشيئًا، أشرق قلبه ووجد الطريق الصحيح. حينها أدرك أن الهداية الحقيقية ليست في المال والجاه، بل في الاتصال بالنور الإلهي واتباع المرشدين الحقيقيين، وأصبح هو نفسه مصباحًا للآخرين.