فقدان لذة الصلاة غالبًا ما ينبع من الغفلة، غياب حضور القلب والخشوع، والتعلقات الدنيوية. يؤكد القرآن على ذكر الله بالقلب، والخشوع، والابتعاد عن الغفلة لتذوق الحلاوة الحقيقية لهذه العبادة.
يا أخي أو أختي الكريمة، هذا سؤال قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين منا كمسلمين، وهو يدل على اهتمام عميق ومبارك بإعادة حلاوة ولذة عبادة تُعتبر عمود ديننا. القرآن الكريم، هذا الكتاب الهادي من الله، وإن لم يتحدث صراحة عن 'فقدان لذة الصلاة'، إلا أنه ببراعة وحكمة لا نظير لها، يوضح الأسس والمبادئ لإقامة علاقة عميقة ومليئة بحضور القلب مع الرب المتعال. وعدم الانتباه لهذه المبادئ قد يؤدي إلى الشعور بالجفاف واللامبالاة في الصلاة. في الواقع، إن اللذة الحقيقية للصلاة هي الثمرة الحلوة والطبيعية لحضور القلب، والخشوع، والفهم العميق لهدفها الأسمى. أول وأهم نقطة يطرحها القرآن حول الصلاة هي هدفها. يقول الله تعالى في سورة طه، الآية 14: "إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي"؛ هذه الآية الشريفة تبين بوضوح أن الغاية من الصلاة هي 'الذكر' والتذكر لله. والذكر ليس مجرد تكرار كلمات باللسان، بل هو حضور القلب، والوعي بعظمة الله وحضوره، والشعور بالاتصال بالمصدر اللانهائي للقوة والرحمة. عندما يقف المصلي بكل كيانه وقلبه حاضرًا، يتذكر الله، يتحدث إليه ويمجده، يغمره سلام لا يوصف، وهو نفسه منبع اللذة الحقيقية. إذا ضعف هذا 'الذكر القلبي' و'الحضور'، فقد تتحول الصلاة إلى حركات وكلمات بلا روح، وتفقد بذلك حلاوتها الروحية. نقطة أخرى يشير إليها القرآن هي أهمية 'الخشوع' في الصلاة. في سورة المؤمنون، الآيتين 1 و 2، يقول تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ"؛ الخشوع هو حالة من التواضع، والخضوع، والتركيز الكامل، والشعور بالضآلة أمام عظمة الرب. هذا الخشوع لا يقتصر على سكون الأعضاء، بل هو، قبل كل شيء، حالة من القلب يتحرر من كل هموم الدنيا ووساوسها، ويتوجه كليًا نحو المعبود. إذا كان القلب أثناء الصلاة منشغلًا بأفكار متشتتة، أو هموم، أو رغبات دنيوية، فإن الخشوع يزول، وبالتالي لا يتحقق ذلك الاتصال العميق والجميل مع الله. هنا تتحول الصلاة من معراج روحي إلى واجب يومي، وبطبيعة الحال لا تنتج عنها أية لذة. كما يحذر القرآن من 'الغفلة' في الصلاة. ففي سورة الماعون، الآيتين 4 و 5، جاء: "فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ"؛ يشير 'الساهون' إلى أولئك الذين يتهاونون في صلاتهم؛ سواء بكسلهم في أدائها، أو تجاهل وقتها، أو إقامتها دون حضور قلب ودون انتباه. هذه الغفلة، التي هي في الواقع نوع من عدم الاهتمام القلبي والروحي بأهمية الصلاة وعمقها، تعمل كحجاب بين العبد وربه، وتمنع من إدراك نور الصلاة وبركتها. إذا رأى الإنسان الصلاة مجرد عادة أو أداء واجب، فإنه يبتعد عن مفهومها الحقيقي وهو الارتباط بواهب الوجود، ولهذا السبب لا يتذوق لذتها. كذلك، في سورة النساء، الآية 142، يشير إلى حال صلاة المنافقين: "وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا"؛ هذا الكسل وغياب الذكر والاهتمام هو ما يسلب الصلاة لذتها. علاوة على ذلك، فإن الذنوب والتعلقات الشديدة بالدنيا يمكن أن تقسي القلب تدريجياً وتلقي عليه حجاباً يمنع من إدراك حلاوة العبادات. كلما غرق الإنسان أكثر في مستنقع الذنوب أو غلبت عليه التعلقات المادية، كلما ابتعدت روحه عن الروحانية، ونتيجة لذلك، لن يكون لديه شوق للصلاة، وسيراها عبئاً عليه. يؤكد القرآن في آيات عديدة على تزكية النفس، والتوبة، وتطهير القلب من رين الذنوب؛ وهو أمر ضروري لتحقيق حضور القلب والخشوع. فعندما يطهر القلب، يكون أكثر استعداداً لتلقي النور الإلهي. لإعادة لذة الصلاة، يرشدنا القرآن إلى طرق تتوافق مع المبادئ المذكورة: 1. الاستعانة بالصبر والصلاة: في سورة البقرة، الآية 153، جاء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"؛ هذه الآية تبين أن الصلاة لا ينبغي أن تكون مصحوبة بالصبر والمثابرة فحسب، بل هي بحد ذاتها وسيلة لاكتساب الصبر والمثابرة في مواجهة الصعوبات، بما في ذلك هذا الشعور بفقدان اللذة. يجب المضي قدماً بصبر وجهد نحو فهم أعمق للصلاة. 2. التدبر في معاني الصلاة والقرآن: فهم ما نقوله في الصلاة وقراءة القرآن بتدبر، يساعد القلب على التعرف أكثر على المفاهيم الإلهية ويهيئ للخشوع. 3. تجديد النية والإخلاص: قبل كل صلاة، يجب أن نجعل نيتنا خالصة لله، ونجعل هدفنا الوحيد هو القرب الإلهي. هذا الإخلاص يفتح أبواب الفيض الإلهي للقلب. 4. المراقبة والابتعاد عن الذنوب: السعي للابتعاد عن الذنوب وأداء الأعمال الصالحة يحافظ على نقاء القلب ويهيئه لإدراك نورانية الصلاة. والاستغفار والتوبة هما طريقان مهمان لهذا التطهير. 5. حضور القلب وممارسة التركيز: يجب أن نسعى بوعي للحفاظ على عقولنا بعيدة عن أي عوامل تشتت أثناء الصلاة وأن نركز فقط على الله وكلمات الصلاة. وهذا يتطلب الممارسة والمثابرة. 6. الاهتمام بأوقات الصلاة: أداء الصلاة في أول وقتها، هو بحد ذاته علامة على الاهتمام والجدية في التواصل مع الله ويقوي الروح المعنوية. في النهاية، إن لذة الصلاة ليست شيئًا يُكتسب بالقوة والإكراه، بل هي نتيجة لعلاقة محبة وواعية مع خالق الوجود. بالعودة إلى تعاليم القرآن والعمل بها، يمكننا إزاحة حجب الغفلة عن قلوبنا وتذوق حلاوة مناجاة الرب الفريدة مرة أخرى. الصلاة ليست مجرد واجب، بل هي هدية إلهية وفرصة لراحة الروح ونموها. إن استعادة هذه اللذة دليل على حيوية القلب وقربه من الله.
كان في قديم الزمان تاجر يدعى رضا، كان شغله الشاغل هو ثروته وتجارته. كان يؤدي صلواته دائمًا على عجلة، وكأنه يرفع عبئًا عن كاهله، ثم يعود فورًا إلى متجره. لم يجد أي راحة في الصلاة، فكان يراها مجرد واجب، وليست جسرًا نحو السماء. ذات يوم في السوق، رأى شيخًا حكيمًا يجلس بهدوء في زاوية، وعلى وجهه ابتسامة. اقترب منه رضا وسأله: "يا شيخ، كيف أراك دائمًا سعيدًا ومرتاحًا، بينما أنا، مع كل هذا المال والثراء، لا أجد لذة في الحياة ولا حتى في عباداتي؟"<br>أجاب الشيخ الحكيم بلطف: "يا بني، أنت لا تستمتع بصلاتك، لأنك بدلاً من أن تراها لقاءً حلوًا مع ربك، تراها مجرد مهمة يجب إنجازها. صلاتك جسد بلا روح. هل تطهر قلبك من شوائب الدنيا قبل الصلاة؟ هل تفهم ما تقوله ومع من تتحدث؟"<br>فكر رضا بعمق. واصل الشيخ: "كلما أردت أن تصلي، توقف لحظة. تذكر أنك تقف أمام ملك الكون. دع معاني الكلمات تدخل قلبك. أفرغ قلبك من حسابات السوق والأرباح والخسائر، وفكر فقط فيه، رازقك. عندئذ سترى كيف تتحول الصلاة إلى نبع من السكينة."<br>منذ ذلك اليوم، كان رضا يتوقف لحظة قبل كل صلاة. بالوضوء، كان يطهر روحه أيضًا. حفظ معاني سورتي الفاتحة والإخلاص بدقة، وفي كل ركوع وسجود، كان يتذكر عظمة الله وجلاله. لم يمض وقت طويل حتى أصبحت الصلاة أحلى لحظة في يومه. لم يعد يستعجل، وفي كل صلاة، كان يشعر وكأنه يستعيد روحًا جديدة. أدرك أن اللذة الحقيقية تكمن في الاتصال بالخالق، وليس في جمع أموال الدنيا.